وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فهو لم يشفع ساديتهم الإجرامية، ليجلبوا الدبابات والمدافع وحتى المروحيات…، من أجل قصف المدن والبلدات السورية !!! نعم قصف المدن والبلدات السورية، حتى وصلت الجرائم التي ترتكبها السلطات السورية إلى درجة نستطيع أن نقول إنها ترتقي إلى مرتبة ومصاف الجرائم ضد الإنسانية بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في مدينة روما الايطالية في 17 تموز 1998 فقد نصت الفقرة الأولى من المادة السابعة منه، على أنه: يشكل أي فعل من الأفعال التالية: القتل العمد، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، الاختفاء القسري للأشخاص، ابعاد السكان أو النقل القسري للسكان، الاغتصاب..
أوي أي شكل من أشكال العنف الجنسي…، الأفعال اللإنسانية الأخرى التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو أي أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية…، جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم.
وهنا نشير إلى أن الأفعال التي جاءت تحت نص الفقرة الأولى من المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تنطبق في معظمها على ما تقوم به السلطات السورية بشكل ممنهج تجاه المدنيين السوريين العزل المطالبين بالحرية والكرامة وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة استناداً لصناديق الاقتراع…، وهي تشكل جرائم بمجملها جرائم ضد الإنسانية، يجب أن يحاكم ويحاسب عليها المسؤولين السوريين المقرفين لها أمام محكمة الجنايات الدولية.
وبالعودة إلى الموقف الرسمي العربي من هذا الوضع الإنساني الخطير في سورية، فإن أقل ما يمكن أن نصفه به بأنه مخز ومخجل جداً جداً، فالصمت كان رهيباً ومؤلماً وطويلاً، وهو يعود في جوهره إلى خوف الأنظمة العربية من نفس الأوضاع في جمهورياتها وممالكها…، بالنظر إلى إنها – الأنظمة العربية – جميعاً تعاني من نفس الأسباب التي أدت إلى هذا الحراك الجماهيري الشعبي في سوريا، من غياب للحريات الديمقراطية وسيادة نمط القمع والاستبداد وانتشار الفساد ونهب الثروات…، وهذا ما حدا بالشعب السوري إلى اعتبار الأنظمة العربية شريكة بالقتل من خلال تسمية أحد أيام جمعته بـ ” صمتكم يقتلنا ” ولكن الأكثر والأشد وجعاً وإلاماً بالنسبة للشعب السوري، كانت التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي أثناء زيارته لسوريا، والتي أشاد فيها بإصلاحات القيادة السورية، متجاهلاً ما يجري على الأرض من قتل وتدمير وإراقة لدماء السوريين…، وهو الذي جاء ليتبوأ هذا المنصب نتيجة ثورة الخامس والعشرين من يناير التي قادها الشعب المصري أيضاً من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية…، ضد نظام حسني مبارك التسلطي والاستبدادي…، هذه الثورة التي ساندها وأيدها الشعب السوري بكل قوة وأقام من أجل انجاحها التجمعات والاعتصامات… في داخل سورية وخارجها، متحملاً ملاحقة وقمع الأجهزة الأمنية…، التي رفضت أي شكل من أشكال التأييد الشعبي السوري للثورة في مصر.
وأما بالنسبة للموقف الاقليمي، وخاصة من جانب الدولتين المؤثرتين في المنطقة ( إيران، تركيا )، فقد وقفت إيران بكامل قوتها المادية والمعنوية والاقتصادية…، بجانب النظام السوري ودعمته بمختلف الأساليب والوسائل… بما في ذلك القمعية منها، انطلاقاً من اعتبارات طائفية ومذهبية ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة ومتشابكة، أما تركيا، الدولة الجارة لسوريا، فقد تراوحت مواقفها بين المد والجزر، ففي بداية الثورة صعدت موقفها من النظام السوري، من خلال تصريحات العديد من مسؤوليها، وحملت النظام السوري مسؤولية ما يحدث من الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، داعياً إياه – النظام – إلى الكف عن ممارسة القمع وقتل المواطنين واعتقالهم والتنكيل بهم…، مكرراً بأنه لن يدع النظام السوري يكرر مرة أخرى ارتكاب مجزرة جديدة في سورية، مثل مجزرة مدينة حماة في ثمانينات القرن الماضي، ولكن صوتها خبا فجأة مع انتهاء الانتخابات النيابية فيها، وفوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان التركي، رغم ما شهدته الأوضاع الإنسانية في سورية من تصاعد خطير، ورغم وقوع مجزرة دموية مروعة في مدينة حماة واستباحتها من قبل عناصر الأمن وقوات الجيش ومليشيات الشبيحة…
وأما الموقف الدولي، فهو الآخر لم يرتقي إلى مستوى وحجم التحديات وخطورة الأوضاع الإنسانية التي يواجهها الشعب السوري، فمقارنة موقفها من الثورة التونسية والثورة المصرية والثورة الليبية، مع موقفها من الوضع الإنساني الخطير في سورية ومن الثورة السورية عموماً، جعل الشعب السوري ينظر إلى المجتمع الدولي على أنه أيضاً شريكاً للنظام السوري في ذبحه وقتله وتهجيره والتنكيل به…، مما حدا به أخيراً إلى أن يقول: إذا كان العالم لا يغيرنا اهتماماً ولا يأبه بنا، فإن ” الله معنا “، وهو ما يكون عنوان لجمعة أخرى من أيام جمع الشغب السوري الصابر والمكابر، نعم هكذا كان لسان الشعب السوري يقول: بعد كل هذه الدماء المسفوكة وذبح الشباب والأطفال والنساء والشيوخ…، بدم بارد، وبعد كل هذا القمع والاستخدام المفرط للقوة والتعذيب الوحشي المفضي إلى الموت وانتهاك الحق في الحياة، وبعد كل هذا القصف ودك المدن والبلدات السورية، وما رافقها من تخريب وتهجير ونزوح وقطع للامدات الصحية والطبية والماء والكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية…، بعد كل هذا لا يكون نصيبه إلا ببيان رئاسي غير ملزم من الناحية القانونية من مجلس الأمن الدولي يدين العنف والقمع الدموي والانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان من جانب الحكومة السورية، داعياً إياها إلى وقف هذا العنف…، هل هذه هي العدالة الدولية ؟ وأين مسؤولية المجتمع الدولي في حفظ الأمن والاستقرار في العالم وحماية السكان المدنيين في أي بقعة من العالم من التعرض للقتل والمجازر الدموية ؟!!
أن هذه المواقف العربية والاقليمية والدولية، من الأوضاع الإنسانية الخطيرة جداً في سورية، لا يفاجئنا قطعاً، وهي تؤشر بوضوح وبشكل لا لبس فيه ولا غموض، أن النظام السوري، نظام مدلل لدى جميع العالم وخاصة المؤثرة منها، ليس كرمال عيونه كما يقولون، وإنما لأنه يرعى بأمانة ويحافظ بامتياز على مصالح الجميع، وأن اقتضى ذلك التنازل عن حقوق الشعب السوري ومصالحه وتطلعاته الإنسانية والوطنية والقومية المشروعة.