هل سيصبح بشار الأسد أتاتوركاً كردياً؟

إبراهيــــــــم محمـــــــود
 
يستحيل مقارنة أي شخص بآخر على أرض الواقع، فكيف الحال إذا تعلقت المقارنة بأشخاص معروفين أو اعتباريين، بغضّ النظر عن نوعية المواقف منهم؟ لهذا، ليس المكتوب هنا مقارنة بين مصطفى كمال” أتاتورك” أو أتاتورك: اللقب” أبو الأتراك” الأشهر من الاسم الحقيقي، والسوري بشار الأسد.

ثمة بعض التخريجات!

يرفض الأتراك بساستهم ومثقفيهم القوميين نقل أتاتورك كسلوك وثقافة إلى خارج حدودهم، تأكيداً على أن الذي تحقق على يديه لهم، ربما، لم يحققه زعيم أو جنرال أو حاكم لشعبه، ولأن ثمة تفريداً له لديهم.

في الحد الأقصى لا بأس بالتشبيه الجانبي، تعزيزاً لعظمة الطرف المشبَّه به.

إنه نوع من المعبودية القومية المدشنة تاريخياً إذاً.
ذلك صحيح بأكثر من معنى، لأن” ذئب الأناضول” أو” الرجل البركاني” بتعبير السفير اللبناني مصطفى الزين في تركيا”1982-1987″، و مؤلف كتاب( ذئب الأناضول- دار الريس،1991، ص253)، يكاد يلغي كل شبه له، في مغامراته، وهو يستحق لفظ العظمة، لِما حققه- واقعاً- بغضّ النظر عن المنحى الأخلاقي السافر فيه.
يبقى مفيداً التأكيدُ على الحلم القومي التركي المنجَز وهو ذو بعد امبراطوري، ومثقَل بتبعات متراكمة سياسياً، تتحدى كل الساسة الترك وجنرالاتهم ذوي البزات العسكرية، ورجالات أمنهم الغربيين والشر قيين معاً.
وما تصريحات ساسة الترك” أردوغان” وسواه، منذ اشتعال الساحة الجغرافية السورية بأحداث الانتفاضة ومواجهة النظام، بدءاً من 15 مارس 2011، وفي البدايات خصوصاً، انطلاقاً من مبدأ مقايسة قائم في تسارع وتيرة الأحداث الداخلة في سياق( الربيع العربي) في تونس ومصر وغيرهما، وها هو الصيف الملتهب يليه، ما تصريحات هؤلاء وما فيها من تعابير تخوف عن حصول ما لا يتمناه الساسة هؤلاء، إلا بمثابة ظهور أتاتورك ما، ولو في غفلة من التاريخ، وليس لأن ثمة مَن عزم على ذلك، على حدودهم المعتبرة راهناً: الجنوبية، وهي الشمالية الشرقية، وعلى امتداد أكثر من ثمانمائة كيلومتراً، حيث يعيش الكرد متجاورين لأهلهم ونظرائهم ومن ذات الزمرة القومية في الطرف الآخر، إذ الحدود لم تفصل بشراً إنما أثمرت رغبة ملحة في التوحد.
أي لحظة النظر من فقدان السيطرة على الساحة السياسية، واستحضار التاريخ الذي مازال ينزف دماء شعوبه حدودياً، كما لو أن كشف حساب ومقاضاة ما، لسايكس بيكو في العمق يتمَّان، عبر تدخل معين من الدول التي لديها إرث سياسي سيىء في المنطقة، وهو استعماري، وللكرد، إرث متعدد العلل أو الأوباء، فيكون الدور ممثلاً في شخصية السوري بشار الأسد حيث يفقد زمام المبادرة في السيطرة على الأوضاع المتفجرة بثوريتها أو بعنفها السلمي الطابع والمهدّد لآلة النظام التعسفية، ليكون ذلك إيقاظاً لذاكرة مستعرة تاريخياً، كما هو عهد أنظمة المنطقة المستبدة بجموع الكرد في مواجهاتهم المستمرة للمستبدين بهم، وهو الخوف الذي بات مرضاً تاريخياً أصاب الذهنية الثالوثية: التركية والفارسية والعربية بصداع كردي متناوب لا يهدأ بل يتجدد ويشتد عند اللزوم.
خوف إيراني، كما أنه خوف عربي، وهذا ما تلمسناه في العراق إثر سقوط الطاغية صدام حسين، وهو خوف جانبي يراقَب بدقة، رغم جسامة التضحيات في العدة والعتاد والنفوس، واستمرارية تدفق الدم الكردي المسفوح.
إلا أن الخوف التركي متنام ٍهنا أكثر، عندما تحدث ثغرة في جغرافيا محكمة الطوق، لتجد الجغرافيا الكردية المدارة كردياً في العراق، مدىً ومدَّاً لها، بما يشبه الأرخبيل الخلاق يقودها إلى منفذ بحري متوسطي صوب العالم غرباً بالنسبة لسوريا، وهو الزخم الذي يتهدد العمق الاستراتيجي لدول المنطقة المعنية، وبالتالي، فإن حرص أردوغان على وحدة الأراضي السورية أكثر معاينة من حرصه وحرص من كانوا قبله من أسلافه السياسيين والعسكريين على وحدة العراقية، لأن ثمة حرماناً من الماء وعزلة برية عن العالم، سوى المنفذ الجوي وهو لا يفي بتثبيت استقلالية الدولة وتوطيد قوتها المدنية، عدا الثراء النفطي، وخصوبة الأرض، والمساحة المتاحة من الأزرق المائي الذي يسمح بتطور متسارع في بنية الدولة الطامحة إلى تكوين وجود سياسي حيوي لها، عدا عن بدء تطويق وتهديد لتركيا التي كانت هي المطوّقة لجارتيها بأكثر من حزام أمني وعسكري..
إن أي ضعف أو انفلاش في بنية السلطة السورية، حيث إن بشار الأسد هو الذي يشكل المرجع السياسي هنا، يكون بمثابة النار التي تزداد قرباً من الصاعق.

أي إن التلويح بسياسة حرص الجار الدولي على الآخر، تلميح بخوف الجار على النار من أن تندلع في بيته الذي لا ضمان له من أن يسلم من حريق أو آثاره، إن بقي بالطريقة ذاتها من الإدارة التقليدية أو العسف العسكري والمدني، كما هو المعايَن فيما وراء تغيير الأطقم العليا من أصحاب البزات العسكرية اللامعة وما هو متوخى منها منها بالنسبة لتركيا أتاتورك..
الساسة الترك، منذ رحيل أتاتورك وحتى اليوم، يسعون إلى أن يكونوا الورثة الأمناء على وصيته، على أن يكون في كل منهم حضور أتاتوركي، لإبقاء تركيا الداخل قوية، وفي الخارج مرهوبة الجانب، ليكون الحرص على سلامة الحدود الخارجية امتداداً للفكرة الأتاتوركية: وحدة تركيا القوية، ولتبرز سوريا راهناً في عهدة من ينظّرون لها أو ينظُرون إليها تركياً، على أنها داخلة في نطاق العمل بموجب وصية أتاتورك، وليكون التخوف مما هو عليه نظامُ الرئيس السوري، وما يتمخض عنه من حراك تنابذي، على العكس مما حرص عليه أتاتورك ذات يوم، فيكون لدينا تناظر.

إن أقصى العنف، كما هو وضع الراهن السوري، أول الافتئات والتفكك، وهذا ما يسارع الساسة الترك إلى تداركه والحيلولة دون حصوله، وقد تنامى الحضور الكردي المقلق لهم ولسواهم، كما هو الخوف النابع من هذا الحضور في منعطفات التاريخ الكبرى بصفتهم قوة الجغرافيا التائقة إلى تأكيد ذلك الذي يشكل تغييراً في مفهوم الجغرافيا بالذات.

فالتاريخ يعتبَر هنا خيال الجغرافيا الخلاق، وهذا يعايَن كردياً لدينا!
إن الحضور الكردي في الجغرافيا التركية بمثابة مستوع بارود لا أحد يضمن السيطرة عليه، فيما لو أتيح مجال ما لجعله أكثر سخونة وتفعيل نشاط حدودي، كما هو الجاري في سوريا، وبالتالي، فإن سياسة قفاز الحرير المعتمدة من قبل النظام السوري مع عموم الكرد حيث يتواجدون وعلى امتداد الحدود الشمالية الشرقية، إنما يخشون ثوَراناً بركانياً أفقياً يلهب حدوداً ومدناً كاملة، وهذا لا يسر الطرف الآخر، لكن الكرد لم يدخروا جهداً في تأكيد هويتهم الوطنية، بقدر ما يعيشون عذابات تاريخ تقاسمَهم حدودياً، كما هي لعبة القوى، وهي معادلة يعرفها خصومهم قبلهم، ويعرفونها هم وهم يذاقون مر حرمانات كثيرة في البُعد الهوياتي والإنساني والاجتماعي.
الخصوم السياسيون: الكبار والصغار، يحيطون بذلك علماً، لكن ثمة أخطاء تُرتَكب دائماً في التاريخ، وقد تُرتكب وهي تقود إلى أخطاء لا تعود تذكّر بأخطاء سالفة كما هي أخطاء الخصوم الذين ينسون أخطاء سايكس بيكو، وما قبلها، إنها أخطاء قد تصحَّح أو تنقَّح، ولا بد أنها تبقى تحت أضواء التاريخ ولعبة القوى، ولعل الأنظمة التي تمكنت من تقاسم مصائر شعب كامل، تحاول التخفيف من وطأة هذه الأخطاء القائمة أحياناً، دون التفاتة إلى الرئيسة، حيث جرى تقسيمها، وهذا من شأنه أن يدخلنا في لعبة هندسية أكثر مضاء ونفاذ فعل، من لعبة حسابية للأنظمة القائمة، وقد انضغط عليها، ولا تعود تفكر إلا بالكرسي، والكرسي لا يحوز كل الأرض المتنازع عليها.

إن استمرار سياسة سفك الدماء والمزيد من البطش، يزيدان في نسبة مخاوف الساسة الأتراك، وهناك الساسة الفرس أصحاب العمائم، ولأن ثمة  استغراقاً في ذاتيات السلطة وأنانية الكرسي، لا تعود الأخطاء قابلة على التوقيف، إنما تصل بسابقاتها، وتفجر تاريخاً مديداً، ولا يعود أخلاف سايكس بيكو قادرين على الوقوف على الحياد، لأن ثمة التزامات أخلاقية معينة، رغم تشبعها بالمصالح البراغماتيكية، كما هي سياسات الأمم المتحدة، إنما سيعاد فتح جبهات تتجاوز حدوداً، وملفات تطال أشخاصاً أمواتاً وأحياء، وفي السياق هذا، يمكن النظر إلى بشار الأسد وقد فُتح باب التاريخ العريض والوسيع على مصراعيه على سمع وبصر منه، فيصبح أتاتوركاً كردياً، دون أن يكون لدينا أدنى شعور بأن لديه هذا الهاجس القيمي متعدّي الحدود، إنما هي صنعة مفاجآت التاريخ، والإخفاق في إدارة أموره، بينما الشعب الذي يكون مِزقاً على  الحدود، تبرز الأزمات بمثابة الماء المتجمع، وقد طافت عليها بقع الزيت، متراقصة، وهي تميل إلى التوحد، كما لو أن الماء وجِد لأجلها فقط!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…