دائرة الرجم

خليل كالو

  كل شعب “والكرد أيضاً” لديه من المفاهيم الطوطمية والتابوهات والدوائر السوداء والحمراء ما لا يستطيع أحد من الأفراد التجاوز إلا إذا اختار أحدهم لنفسه طريق السوء والخروج عن الأعراف والتقاليد , كما يمتلك كل شعب أيضا من الثوابت والثقافة واللغة والموروث التاريخي الذي يحدد هويته ويجعله محافظا على تماسك بنيته متجانسة وديمومته مع الآخرين كمتحد له خصوصية وشخصية متمايزة عن غيره ويمكن من خلال تلك الثوابت والقيم الجماعية حين يعمل بها وتجسيدها في وجدان وضمائر الناس حينها يستطيع أن يحافظ على مصلحته الجماعية وأسباب وجوده وشروط بقائه في هذا العالم المضطرب حيا ويتفاعل مع الآخرين نداً لند.
 ولكن قد ينتكس الضمير والقيم الأخلاقية لدى فرد ما أو حتى لدى مجموعة بعينها حينما تفكر خارج دائرة المصالح الوطنية فتعرض مصير شعب بأكمله من خلال سلوك شاذ وأرعن إلى الهلاك ويوصف على ضوء درجة إساءتها بالخيانة التي يمكن أن تكون خيانة موضوعية نتيجة لعدم التزامها بمبادئ والقيم الوطنية الجماعية واستهتارها بمسؤولياتها أو أن تكون الخيانة ذاتية أراد الفرد أو المجموعة الخائنة أن تكون كذلك تبعا لمصالحها الخاصة واختارت الأفراد فيها هذا العمل الوضيع بمحض إرادتهم لأسباب كثيرة .

 

  قال العرب أن أبا رغال قد استدل جيش أبرهة الحبشي الطريق في صحراء العرب إلى شعاب مكة لغزوها وهدم الكعبة سنة عام الفيل فرجمه العرب قرب مكة ومنذ ذلك الحين أصبح ذلك المكان شعيرة للعبادة عندهم يرجم مقامه كل سنة (رمي الجمرات)  ووصفوه فيما بعد بالشيطان الرجيم (الإبليس) لأنه خان قومه خدمة للأغيار وحسنا ما فعله العرب لأن أبا رغال هذا قد دخل دائرة الرجم بنفسه وخرج عن إرادة قوم ولعب بمصير الجماعة فلم يظلمه أحد فاستحق اللعنة .

لذا كان لدائرة الرجم (الخيانة) أحجامها حسب أنصاف أقطارها وقد تأخذ ألوانا مختلفة حيث تبدأ الخيانة أولا من الذات التي تخون خيالاتها مرورا بخيانة الزوجة والأصدقاء والجماعة والوطن …إلخ .

إن للكرد أيضاً من طواطم وثوابت وقيم جماعية ومصير مشترك وهو بالضبط كذلك لذا لا يمكن الفصل بين الكرد وقيمهم التي أوجدتهم هكذا كمتحد تاريخي كما ليس بمقدور أحدهم التصرف بمصير الكرد بمفرده بعيدا عن دائرة الوجود القومي والمصلحة العامة إلا إذا قبل ذلك المتصرف لنفسه الخيانة واختار الدخول إلى دائرة الرجم وحينها يكون قد خرج من دائرة الكردايتي.

فكيف يمكن التصور بأن كردي أو جماعة منهم تستطيع أن تخالف هذه القيم وأسباب وجود الكرد وتخون الأمانة وتعبث بسمات شخصية الكردايتي ومصير الكرد بمفردها فتغش وتكذب وتخون وتخدع وتتجاوز المباح من أجل المتاع وتقبل الذل والمهانة حرصاً على هذا المتاع  وتخلي نفسها من تبعة مشاعر المجتمع الكردي سواء بسلوكها الذاتي أو بالدعوة إلى ذلك المجتمع وتشارك بذلك كله في إقامة مجتمع فوضوي غير قيمي قائم على الأنانية والانحراف والمعصية والسلوك الارتجالي وتوصف نفسها بأنها من النخب الكردوارية……!!!
 
لا يفهم لأحد أو من أي كردي باستطاعته أن يكون ذو شعور كردواري وبالمثل في السلوك والشخصية والتصرف والتفكير بالنية الطيبة فقط وهو يخالف في ذات الوقت كل أسباب وجود الكرد وعوامل بقائهم ويتلاعب بمصيرهم في سلوكه الواقعي من خلال تصرفات بعيدة كل البعد عن منظومة القيم الأخلاقية لوجود الكرد ومشاعرهم وفي خطى تقرير مصيرهم اعتمادا على نية سليمة بالقول أو باعتباره كردي بالفطرة والولادة ويبرر سلوكه الرديء بأنه راع لمصالحهم دون عمل في ذلك الاتجاه علما أن النية والعمل وجهان لأمر واحد لا دلالة لأحدهما بدون الآخر.

فالنية الطيبة وحدها بدون عمل هي كلام فارغ لا رصيد له من الواقع.

والعمل وحده المنقطع عن النية الكردوارية عمل ضائع عند العبد والمعبود كانتثار الغبار في الفضاء.

 كما لا يفهم لأحد من الكرد كي يعيش ويتصف بالشخصية الكردوارية فقط بالنية الطيبة وهو ينساق مع هواه الذاتي في أمر من أمور الكرد ويتلاعب مصيرهم إيثارا لمغنم قريب أو راحة متاحة أو ضنا بالنفس عن التعب والجهد والأخطار أو ينساق مع الثقافة غير الكردية لراحة البال أو حرصا على المكانة والتقدير والاحترام لقاء منفعة خاصة ….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…