تشكيل المجلس الوطني الكردي ضرورة مرحلية رغم المأزق السياسي …

بيار عمر  

من الواضح أننا نحن الكرد نعاني من أزمات عديدة وعلى رأسها تأتي أزمة الانقسامات الحزبية والتكتلات السياسية التي أضرت بالعمل النضالي الكردي منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الأن، رغم المحاولات اليائسة في تأطير العمل السياسي في أطر تنظيمية كالتحالف والجبهة والمجلس السياسي وميثاق العمل… الخ.

وفي عام 2004 حيث برزت القضية الكردية من جديد على الساحة السورية تأخذ الشكل الاحتجاجي في أحداث القامشلي قدم الكرد ضحايا عديدة في سبيل حل قضيتهم القومية في سوريا إلا أن السلطة جابهت هذه المسألة بالعنف متمسكاً بالحل الأمني.

في العقد الأول من القرن الحالي كنا نسمع بين الحين والأخر أصواتا عديدة سواء من أطراف كردية كحزب الوحدة وخاصة الفقيد اسماعيل عمر، أو من مثقفين كرد دعوا مراراً وتكراراً إلى تشكيل إجماع كردي يتكون من الأحزاب ومجموعة من الشخصيات الوطنية والثقافية المستقلة التي تنتمي إلى فعاليات ثقافية واجتماعية واقتصادية، هؤلاء جميعاً يمثلون مرجعية كردية.

هذه الدعوة لم تلتقي أذاناً صاغية من الأحزاب الأخرى وخاصةً البارتي الذي كان يبتعد عن مسألة توحيد الحركة الكردية، إذ كان يرى نفسه النواة التي ينبغي على الكواكب الأخرى أن تدور في فلكها.

والأن وبعد أربعة أشهر من الاحتجاجات التي تعصف بسوريا نتفاجئ بدعوة الدكتور عبد الحكيم بشار سكرتير البارتي إلى مؤتمر وطني كردي يمثل الإجماع الكردي لإنتخاب مجلس كردي على مستوى الوطن السوري .

حقيقة أن هذا الإعلان وفي هذا التوقيت تحديداً يشير إلى أن الدكتور الأن أدرك أهمية تشكيل إجماع كردي، وأن الأحزاب الكردية بمفردها غير قادرة على تمثيل الشعب الكردي، وهي غير قادرة على تحريك الجماهير الكردية، وعاجزة تماماً عن قيادة الشارع الإحتجاجي، حيث أصبحت الحركة الكردية أمام وضع يستوجب منها موقفاً سياسياً واضحاً، وبالتالي فأن مبررات وجودها على الحالة القديمة لم تعد تنفع في كل المسارات، سواء في مسار الثورة السورية، أو في مسار الحوار مع السلطة، أو في مسار الشارع الكردي.

إلا أن موقف الاحزاب الكردية من الثورة السورية غير موحد وغير واضح وهذا بحد ذاته يثير اشكالية متعددة الجوانب نتيجة عوامل تاريخية لم تستطع إقناع لا المعارضة السورية ولا الشارع السوري بعدالة قضيتها، أما السلطة فقد كانت تعادي باستمرار ليس الحركة الكردية فقط بل الشعب الكردي ككل، ولا سيما بعد أحداث 12 أذار عام 2004 إذ بدأت بإصدار قوانين سياسية واقتصادية جائرة وتعسفية بحق الكرد مما أضطرت الفئة الفقيرة تهاجر إلى المدن السورية الكبيرة بحثاً عن العمل لتأمين لقمة العيش.

  
على اية حال، فأن فكرة البحث والسعي نحو تشكيل إجماع كردي يوحد الموقف والعمل والخطاب مسألة تستحق بالغ الأهمية علماً أن نداءً بعنوان (من أجل وحدة العمل والموقف والخطاب) نُشر في موقع (ولاتي مه) باسم مجموعة من المثقفين الكرد في الاسبوع الأول من الاحتجاجات في سوريا، يتناول ضرورة تحقيق الإجماع الكردي في سوريا، سأعيد نشر ملخص المقال لإرتباطه بموضوع تشكيل هيئة أو مجلس تمثل الإجماع الكردي في سوريا.


أن العمل الجاد في هذا الاطار أمر ضروري ومُلح، يتطلب بذل جهود كبيرة للخروج بصيغة مقبولة تدفع بالحراك الكردي نحو الأمام، إلا أننا على أرض الواقع منقسمين بين ثلاث مواقف سياسية متباينة  تنشأ عنها عقبات كبيرة وخاصة أن هناك أحزاباً كردية تميل إلى جانب السلطة سلفاً لأنها تأخذ أوامرها من أجندات مرتبطة بأحزاب كردية غير سورية وخاصةً حزب العمال الكردستاني في تركيا وهو الحزب الذي أبرم في الأونة الأخيرة اتفاقية سرية مع السلطة السورية.

لذا من الواضح أن الانقسام أمر واقع سلفاً.

وأعتقد أنه من الأجدر بالأحزاب الكردية القيام باجتماع تمهيدي لها لمناقشة قضية الموقف السياسي من السلطة لتصل إلى قرار يحسم كل حزب أمره وموقفه من السلطة، سواء مع الحوار، أو مع موقف المعارضة السورية ككل.

عندئذِ يتم الفرز بين ثلاث مجموعات من الأحزاب:
1-   المجموعة الأولى وهي التي تعمل على خط الحوار مع السلطة، لا تأبه بالمعارضة السورية (العربية)، ولا تشارك في الإحتجاجات.
2-   المجموعة الثانية وهي العاملة على خط المعارضة السورية ككل، وتعتبر نفسها جزءاً منها، وبالتالي تبتعد عن مسألة الحوار مع السلطة، وتلتزم بموقف التنسيقيات وتدعمها وتشارك معها في الإحتجاجات.
3-   المجموعة الثالثة التي تتسم بالموقف الضبابي وتتأرجح بين السلطة والمعارضة، فأنه أمر لم يعد مقبولاً، ولا يفيد المسالة الكردية في سوريا.


إلا أن القرائن الموجودة في الواقع السياسي من خلال قراءة أولية في مواقف الاحزاب الكردية من حركة الشارع تؤكد ما نذهب إليه من وجود تباينات واضحة في الروئ السياسية للأزمة السورية.

والسبب الأساسي في وجود هذه التباينات في الموقف الكردي هو غياب الثقة بين الكرد والسلطة من جانب، وبين الكرد والمعارضة من جانب أخر، حيث لا السلطة تتبنى حل القضية الكردية حلاً عادلاً، ولا المعارضة جادة في حلها من خلال وثيقة رسمية، وخاصةً أنها ما زالت مشتتة لم تأخذ اطاراً واحداً يجمع كافة التيارات، إلى جانب أن بعض الأحزاب الكردية جبانة ومتخاذلة إن لم تكن مرتبطة سراً بالمخابرات السورية، ستكشف ذلك تطور الأحداث في الأيام القادمة.

بناء على ما سبق، أعتقد أن الحركة الكردية في سوريا مقبلة على انقسام ثلاثي الأبعاد، ربما يأخذ بنا في النهاية إلى ثلاث روئ، قد ينتهي الأمر بهم إلى ثلاث مجالس، اللاحق بالسلطة، واللاحق بالمعارضة، والمتأرجح بينهما.


وأخيراً، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية، ما نتمناه هو العمل الدؤوب على هدف سامي هو توحيد الصف الكردي حول موقف سياسي واحد يتبنى مصلحة جميع مكونات الشعب السوري من عرب وكرد وعلويين ودروز ومسيحيين من أجل إنقاذ سوريا شعباً ووطناً من هذه المحنة، التي ربما تؤدي بنا جميعاً إلى الهلاك، وذلك باستخدام الطرق السلمية الممكنة.

   
25/7/2011
——–
من أجل وحدة العمل والموقف والكلمة
بيار عمر
 
8 نيسان عام 2011  
أن التطورات المستجدة على الساحة الوطنية السورية، والاحتجاجات الجارية في الشارع السوري تضع الحركة الكردية أمام مسؤولية تاريخية لا بد أن تعي طبيعة المرحلة الحالية وتستعد للقيام بمهامها الوطنية والكردية بحس عال من المسؤولية، لذا تقتضي منها القفز على الأطر النضالية القديمة، وأن تضع خلافاتها الثانوية جانباً، لتبدأ العمل بعقلية جديدة، وتبادر فوراً إلى عقد إجتماع عاجل تضم ممثلي جميع الأحزاب الكردية وممثلين من شباب الحراك الاحتجاجي  وممثلين من فعاليات ثقافية ومجتمعية أخرى، من أجل دراسة الوضع الراهن بقضاياه الملحة بشعور عال من المسؤولية للوصول إلى اتفاق مشترك حول كيفية العمل في المرحلة الجديدة.

وانطلاقاً من دافع الغيرة على مصلحة شعبنا السوري بكل فئاته وقومياته، نحن الكتاب والمثقفين الكرد نناشد جميع فصائل الحركة الكردية في سوريا من أجل العمل على توحيد القوى الكردية وتكاتف الكل حول مركزية القرار السياسي الكردي بعيداً عن التمترس الحزبي خلف الأطر النضالية السابقة، وبعيداً عن النزعة المناقضة لروح الكوردايتي والتقوقع خلف مجد زائف.


وفي نهاية الاجتماع يتوصل المشاركون إلى صياغة ورقة عمل يتضمن مبادئة عامة لتوحيد الموقف السياسي الكردي وتحدد سقف المطالب الكردية الأساسية، تُعد بمثابة عقد سياسي يوقع من قبل جميع الأطراف المشاركة، تُحدد فيها الخطوط الأساسية لرسم السياسة الكردية في المرحلة الحالية، وطبيعة خطابها، وماهية شعاراتها، والعمل على بناء علاقات سياسية مع قوى المعارضة الوطنية الأخرى.


بناء على ما سبق وانطلاقاً من مصلحة القومية الكردية في تحقيق مطالبها المشروعة نرى أن الواجب النضالي يقتضي أن تعمل الأحزاب الكردية بمشاركة مجموعة من شخصيات ثقافية ومجتمعية من خارج الاحزاب على إيجاد هيئة قيادية مشتركة وموحدة ذات مهام ميدانية ومرحلية تأخذ بآليات ديناميكية، يشترك في تكوينها ممثلين من ثلاث فئات، هم: 1- الأحزاب الكردية 2- شباب الحراك الاحتجاجي 3- المثقفين المستقلين، ويمكن تسميتها بـالقيادة العامة للتجمع الكردي في سوريا Rêberiya giştî a civata niştîman ya Kurdên Sûriyê) أو أي اسم أخر، وذلك بهدف توحيد الموقف السياسي الكردي.

ومن الأهمية أن تتمتع هذه القيادة الميدانية بصلاحيات واليات تخولها القيام بإنجاز مهامها بالسرعة القصوى، وتعمل على تجميع وتنظيم طاقات العمل الإحتجاجي والسياسي للقوى الكردية في سوريا من خلال أداءها لمهام معينة ومحددة تفرضها مجرى التغيير العام في سوريا لأجل غد أفضل تنسجم مع تطلعات الشعب السوري بشكل عام، ومطالب القومية الكردية بشكل خاص.

ويمكن اعتبار القيادة الميدانية هي الجهة الوحيدة المخولة في تحديد سقف المطالب الكردية، واتخاذ القرارالسياسي الكردي، وهي المسؤولة عن تنظيم وتنسيق العمل الإحتجاجي والإعلامي في كافة مناطق تواجد الكرد في سوريا على أن تؤدي عملها بطريقة منهجية وسريعة من خلال تشكيل لجان تخصصية تتكون من كوادر ذات خبرة عالية ومقدرة جيدة تتسم بأداء مميز يتم تشكيلها على الشكل التالي:
1- لجنة تقوم بتنظيم العمل الاحتجاجي بين أطراف الحركة الكردية والشرائح الشبابية والجماهيرية على أرض الواقع.
2- لجنة تدير العمل الإعلامي وتوحيد الخطاب الكردي بما ينسجم مع خطاب المعارضة السورية من جانب وموقف التنسيقيات  من جانب أخر على أساس مبادئ مشتركة ومتفق عليها تهم مصلحة الجميع، مع الإشارة إلى الخصوصية الكردية ومطالبها المحقة.
3- لجنة تنسيق العلاقات بين القوى الكردية والقوى العربية سواء على مستوى المعارضة السياسية أوعلى مستوى الجماهير الشعبية.
4- لجنة لوجستية تقدم الدعم المالي والصحي.
5- لجنة صياغة مطالب وحقوق الكرد في سوريا.
6- لجنة استشارية عامة تتكون من المستقلين والمهتمين بالشأن السياسي العام.


تشكيل القيادة الميدانية بلجانها الميدانية على شكل ثلاث مجموعات، كل مجموعة تعمل في منطقة جغرافية يتم تحديد حدودها الأقليمية حسب تواجد الكرد فيها، ويمكن التحرك في ثلاث مناطق جغرافية مستقلة:
1-    مدينة قامشلي مركز محافظة الحسكة ودير الزور، لها قيادة ميدانية ولجانها  
2-     مدينة حلب مركز محافظة حلب وعفرين وادلب والرقة وكوباني، لها قيادة ميدانية ولجانها  
3-    مدينة دمشق مركز محافظة دمشق وضواحيها، لها قيادة ميدانية ولجانها

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…