المؤتمر الوطني الكوردي و تجاهل الحقائق الراهنة

زيور العمر

لعل من أهم السمات الاساسية للخطاب الحزبوي الكوردي في سوريا في ضوء المقالات التي تنشرها قيادات الأحزاب الكوردية على شبكة الإنترنت بخصوص الموتمر الوطني الكوردي هو أنها , عبثاً ,  تحاول تجاهل جملة من الحقائق التي بات الإقرار بها و التعامل مع حيثياتها و إجراء قراءة نقدية مسؤولة في شأنها  أمر في غاية الأهمية و ذلك إن كان  في نية الأحزاب الكوردية مواكبة الأحداث المتسارعة في سوريا و التفاعل معها للوصول الى بلورة موقف جديد ينسجم مع عظمة التحديات و الإستحقاقات التي ينتظرها الشعب الكوردي في المستقبل القريب.
  فإلى جانب إنعدام الموقف السياسي و حالة التخبط التي ما تزل  الحركة الوطنية الكوردية تعيشها منذ إندلاع الإحتجاجات الجماهيرية في 15 آذار و الذي فسر في الأوساط السياسية  المعنية بالشأن الكوردي  على أنه بمثابة إنعكاس و تجسيد لموقف سلبي من الحراك الشعبي و مسار التغيير الجذري الذي يسلكه , ناهيك عن التصريحات و الممارسات و التفاهمات بين أطرافها (الحركة الوطنية الكوردية) التي سعت الى  حرف الحراك الشبابي الكوردي عن مساره بعد فشل محاولات إجهاضه , فإن هذه الأحزاب تحاول جاهدة إشغال الشارع المشغول أصلاً بما يجري من إنتهاكات فظيعة في المدن السورية بموضوع قديم جديد ألا وهو الموتمر الوطني الكوردي الذي كان قد  نعي على مذبح الصراعات و المناكفات الحزبية بعد فشل كل محاولات إنجازه و بعد أن إجهضت كل مساعي تذليل صعوباته

و لعل أهم ما اثار الإهتمام هو أن بعض القيادات الكوردية تسعى يائسة لإفهامنا ˝ أن الأحزاب الكوردية  هي وحدها القادرة على تحقيق الفكرة وإخراجها إلى حيز الوجود باعتبارها القوة المنظمة الوحيدة القادرة على تنفيذ الالتزامات ˝ بإعتبار ان الأحزاب الكوردية لا تحمل في جعبتها إي إنجاز يمكن الإستدلال عليه , و حسب علمي فإنها أيضا ً لم تعمل في السابق الى حد الآن من أجل إخراج أي فكرة الى حيز الوجود أللهم إذا كان المقصود إخراج أفكار و مشاهد تجزئة المجزء و تقسيم المقسم كما هي الحال مع واقع الحركة السياسية الكوردية , و لا أدري كذلك  أي شئ عن القوة المنظمة التي بإستطاعتها تنفيذ الإلتزامات التي يتحدث عنها القيادي الكوردي  خاصة إذا أخذنا  بعين الإعتبار الآمد القريب عندما تنصلت الأحزاب الكوردية نفسها عن الإلتزامات السياسية و الإخلاقية  فيما بينها عندما إفترقت عن بعضها في أول إستحقاق عملي واجهتها بعد إندلاع الثورة السورية.


و لأني أعتقد أن هذه النرجسية السياسية لا تأت من فراغ و حسب, و إنما مردها أيضاً إحساس تلك الأحزاب بالمزاج السلبي من لدن الشارع الكوردي تجاهها , لذلك فإنها تحاول عبثاً أن تصور أطلال مفاعيلها السياسية على أنها إنجازات تاريخية دون وجه حق على أمل أن تستأثر بنصيب الأسد من الكعكة التي لم تنضج بعد أو أن تبرر فشلها و تقاعسها على الأقل.


و الأنكى من كل ذلك قدرة المرء على إظهار غروره السياسي بهذا الشكل الفاقع عندما يقول  ˝..

كل من يشكك بدور الأساسي للحركة ويحلم بتجاوزها تحت هذه الذريعة, إنما يرغب في أن يذهب بالوضع الكردي إلى العدمية وإلى الفوضى والفراغ السياسي, لكي تذهب بعدها كل الجهود والتضحيات التي قدمت على مذبح القضية القومية الكردية على مدى نصف قرن هباءً منثورا ˝ فهذه القيادات تحاول تجاهل التغييرات الجذرية على الأرض و بين الجمهور الكوردي عندما تصدر الشباب الكورد المشهد السياسي و قاد الحراك الديمقراطي في المناطق الكوردية و يعمل على إنضاج مشروع سياسي كوردي لا يتقاطع بأي شكل من الأشكال مع منظومة الإستبداد التي يشكل الواقع الحزبوي الكوردي إحدى إفرازاتها و نتائجها.
و مع ذلك لا نشك في أهمية توحيد الصف الكوردي و بلورة موقف كوردي موحد , سياسيا و ميدانيا , و لكن في ضوء المعطيات الجديدة التي أفرزتها ثورة و حراك الشباب الوطني في سوريا بصفة عامة و الكوردي بصفة خاصة و من أجل الوصول الى تحقيق هذا الهدف لا بد من :
أولاً, الإعتراف بأن المجموعات الشبابية لم تعد تشكل فعاليات مستقلة , و إنما قوة سياسية منظمة تقود الحراك الجماهيري في المناطق الكوردية و بالتالي لا بد أن يعكس حضورها و حجم مشاركتها في المؤتمر دورها الريادي في الشارع و بين الجمهور الكوردي , و نجد أنها يجب أن تتناصف المؤتمر حضورا و تمثيلاً مع الأحزاب السياسية و المستقلين أي 50 بالمائة للمجموعات الشبابية و 25 بالمائة للأحزاب الكوردية و 25 بالمائة للمستقلين.


ثانياً , الإقرار الواضح و الصريح بضرورة العمل من أجل إسقاط و رحيل هذا النظام الإجرامي .


ثالثاً , دعم الشباب الكورد و مساندة حراكهم و الإبتعاد عن كل أشكال عرقلته و وضع الصعاب أمامه و محاولات حرفه عن مساره الوطني الديمقراطي.

لذلك نجد أنه من أجل تنفيذ المؤتمر الوطني الكوردي لا بد من سحب هذا المشروع من أيدي قيادات الأحزاب الكوردية و إعتباره ضرورة إستراتيجية تخدم مسار الحراك الشبابي الكوردي و تدعم مطالبه العادلة و المشروعة مع التأكيد على إمكانية مشاركة الأحزاب الكوردية في التحضير له بالنسب التي تنسجم مع قوتها و حضورها في الشارع الكوردي و عدم إعطاءها الفرصة و المجال لتسويف الفكرة و تعطيل المشروع مع الإقرار بإمكانية تحقيق المشروع من دونها إذا ما إختارت سلوك المماطلة و التمييع و إفراغ القضية من مضمونها بنقاشاتها البيزنطية العبثية التي بات الهدف منها جليا ً للقاصي و الداني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…