دموع «السيد الرئيس»

  إبراهيم اليوسف

تحت هذا العنوان، كتبت قبل أسابيع، مقالاً عن حالة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وهو في سجنه، حيث تناقلت وكالات الأنباء-آنذاك- أنه قد بكى على ما هو عليه، وهو الرئيس الذي حافظ على اتزان خطابه حتى لحظة استقالته، مكرهاً، تحت ضغط ساحة التحرير في القاهرة، بيد أن المقال افتقدته، نتيجة خطأ إلكتروني، طالما تكرر معي.
ربطت خلال ذلك المقال، بين حالة الدكتاتور صدام حسين، وهو في قفص الاتِّهام، بائساً، ذليلاً، ليتعرض للمصير الذي رآه عليه العالم، أجمع، ما دفع بأحد مجانين الحكم، في العالم العربي، وهو الطاغية القذافي، أن يشير في أحد لقاءات القمم العربية بأصبعه، وعلى نحو تهريجي، إلى أقرانه من الطغاة، على مختلف أشكال جنونهم، ودرجات استبدادهم، متحسِّراً، متألماً، على “شبيهه” في إراقة الدم وهو يقول: إن الدور عليكم جميعاً.

لقد كان، غاوي السلطة، ومجنون الكرسي، مقتنعاً في قرارته أنه في منأى عن ذلك المصير، فقد قال بعد سنوات على تلك الحكمة التي أخذناها من فيه: أنا قائد ثورة، وليس لي منصب، ليضحك هذا المجنون، على شعبه، والعالم، أجمع، من دون أن يعلم أنه المضحوك عليه، وهو ما دعا بعض أشباهه في الجنون والاعتداد بالنفس، ليسخروا منه، معتبرين أنهم أيضاً في منأى عن نبوءة هذا المجنون.

وجاءت محاكمات زين العابدين بن علي، لتبين للعالم، أن أقوى العتاة لن يكون في منأى عن عدالة التاريخ التي (تمهل ولا تهمل) لتصبح أسماء بعض القادة العرب، مدعاة أهزوءة، وأضحوكة، ما أن تذكر أسماؤهم، بعد أن كانوا رموزاً للاعتداد، والثقة، الخلبيين، بالنفس، والإمساك بزمام الأمور.

وما آل إليه ثعلب اليمن علي عبدالله صالح، من حال، بعد أن عرف العالم كله، بأنه من أمكر المخادعين، الناكثين بالوعد، المتوحمين على رائحة كرسي الرئاسة، مهما كان ثمن ذلك غالياً، كان صورة “طبق الأصل” عن الكثير من الطغاة، المتجبِّرين، من هم رهن مجال عمل مكنسة التاريخ، عاجلاً، وليس آجلاً البتة.

لقد أفرزت الثورات الشعبية ثلاثة أنواع من المستبدين، المرضى، غواة الكراسي، والمال، والجاه، والتحكم برقاب ومصائر البشر، ويأتي مبارك كأنموذج الحاكم الذي لم يقبل بالهروب من بلده، مفضلاً الموت فيه، على ما تضمنه له دول اللجوء- وما أكثرها!- من أمان- وأي أمان  لمجرم في العالم، فاسداً كان، أو قاتلاً، أو جامعاً بين السوءتين، وغيرهما- وهو ما يفرقه عن ابن علي الذي خرج- بأقلِّ ما يمكن من عنف تجاه الثورة- ولاذ بنفسه، وأسرته، والتصنيف هنا، ستتمُّ قراءته على نحو هادئ من قبل الدارسين مستقبلاً.
بيد أن أنموذج القذافي وعلي عبد الله صالح، ليعدُّ أسوأ  حتى  من أنموذج صدام حسين الذي لاذ بنفسه، واختار إحدى الحفر، بعد أن ضاق به العالم، ولم يقبل أحد باستقباله.

لقد كان منظر مبارك ونجليه، وهم في القفص الحديدي، بينما هو ممدَّد على سريره- وإن كان هذا ما يستدعي الشفقة –أولاً- مع احترامي للشعب المصري، صاحب الحل والربط، والأدرى بشؤونه- رسالة أخرى، تفوق رسالة صدام حسين، وهو معلَّق على عود المشنقة، حيث بلغ درك المذلة السفلي، وفي ذلك ضمان لحرية ومستقبل الشعوب العربية، حتى وإن بات بعض الطغاة يستعيد ثقة مبارك، وابن علي، وصدام، جميعاً، متوهماً بأنه غير معني، وفي منجى عن مصائر كل هؤلاء.

إن الحاكم العربي- وهو في لحظة بأسه السلطوي- مطالبٌ بأن يدرك بأن هذه القوة التي يتحكم بها، ويخيل إليه أنها ستظلُّ، تحميه، لابدَّ ويواجه بها من وصل إلى سدَّة السلطة باسمها، ولا أحد يستطيع ردع قوة الشعب التي يظهرالفرد- والحاكم فرد- ضئيلاً بائساً أمامها، وهي الموعظة التي لابدَّ من الاستفادة منها، وإن هدر نقطة دم من جسد مواطن- لتعزيز التحكم بالكرسي- إنَّما هي الجريمة الكبرى التي لا يمكن للشعب أن يغفرها البتَّة ….؟.

إحالة خاصة:

-برسم الطغاة من الحكام العرب:”ما شعوركم وأنتم تسمعون محمد حسني مبارك يرد على القاضي، وهو ممدد على نقالته: حاضر أفندم..!؟، وهل كان مبارك نفسه يصدق أن يغدو على هذا الحال؟.

elyousef@gmail.com

المقال المقبل:

بهلوانيَّات جاهلية

ردَّاً على ترَّهات رشاد أبي شاور

-برسم الطغاة من الحكام العرب:”ما شعوركم وأنتم تسمعون محمد حسني مبارك يرد على القاضي، وهو ممدد على نقالته: حاضر أفندم..!؟، وهل كان مبارك نفسه يصدق أن يغدو على هذا الحال؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…