آفاق المعارضة في إقليم كردستان العراق: صلابة البنى التقليدية ورهان تفكيك (المناطية)

   
رستم محمود

  بعد عامين من عمرها البرلماني، طالبت كتلة “التغيير” التي تعد أكبر كتلة سياسية معارضة في برلمان إقليم كردستان العراق (25 مقعداً من أصل 111) بحلّ البرلمان وحكومة الإقليم، وتشكيل حكومة من التكنوقراط تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

كما طالبت بكف تدخل الحزبين الكرديين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني) في الجهاز البيروقراطي للحكومة، والتعهد بعدم ممارسة “التوريث السياسي”[1].

تناقش هذه الورقة آفاق ومستقبل “الصراع” السياسي في إقليم كردستان العراق، والذي تجسد قطبيه قوى السلطة المتمثلة بالحزبين الكرديين التقليديين، والقوى السياسية الصاعدة في الحياة السياسية في المناطق الإدارية التي تتبع لسلطة الإقليم ضمن الدولة العراقية[2].

وتبحث الورقة في تموضع هذه القوى حاليا، وارتباطاها بالجو السياسي العام الذي يعيشه الإقليم.

كما تتساءل عن المسارات الممكنة للمعارضة السياسية، وفق التغيرات المرتقبة في الإقليم على المدى المنظور.

الفاعلون الرئيسيون: 1.

   الحزبان الكرديان الرئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة رئيس الإقليم مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة الرئيس العراقي جلال الطالباني[3].


  2.

   حركة كوران “التغيير” المنشقة عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والتي تعتبر أكبر حزب معارض في البرلمان (25 مقعداً من أصل 111 مجموع مقاعد البرلمان).


  3.

   مجموعة الأحزاب الإسلامية واليسارية المتحالفة مع الحزبيين الرئيسيين، وهي: الاتحاد الإسلامي الكردستاني (بقيادة صلاح الدين محمد بهاء) والجماعة الإسلامية الكردستانية (بقيادة الشيخ علي بابير) والحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني ( بقيادة محمد حجي محمود) والحزب الشيوعي الكردستاني.


  4.

   مجموعة الأحزاب السياسية الممثلة لتطلعات الأقليات الدينية والقومية في الإقليم (التركمانية والعربية والآشورية واليزيدية).

فاعلون من خارج الإقليم: 1.

   الحكومة المركزية العراقية، ومجمل القوى السياسية العراقية.


  2.

   القوى الإقليمية والدولية المؤثرة على الحياة السياسية في الإقليم الكردي (تركيا وإيران وسوريا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي).

  توجد إشكاليتان بنيويتان في الحياة السياسية في إقليم كردستان العراق: أولاً: يضم إقليم كردستان تيارين مختلفين على أسس “الشرعية السياسية”، فمن جهة هناك القوى السياسية الرئيسية ممثلة في الحزبين الحاكمين المنحدرين من تاريخ “ثوري” مؤسس على العنف العسكري، والذي بُني طيلة عقود من مقارعة المركز في بغداد؛ لذا فإن خطابهما السياسي (والمؤسس على طيف واسع من الحضور الشعبي) يركز على اعتبار أن المفاهيم القومية و”الثورية” هي أساس لشرعية الحكم في الإقليم.

مقابل ذلك، فإن المعارضة السياسية الصاعدة تؤسس شرعيتها السياسية على مفاهيم المنظومة المدنية للحكم الديمقراطي؛ فهي تركز على مواضيع الفساد والخدمات والتوريث السياسي، وتعتبر أن تلك المفاهيم هي التي يجب أن تكون منبع شرعية السلطة الحاكمة.

لذا، فإن المُلاحظ في إطار “الشرعية السياسية” في الإقليم الكردي هو وجود هذه الثنائية، وهذا التباين.

ويعود سبب حضورهما سوية، إلى التموضع التاريخي لكردستان العراق، فالإقليم نتج كيانياً إثر صراع امتد عقوداً بين القوى السياسي الكردية الرئيسية وبين الدولة المركزية، وهذا اعتبر منبع الشرعية الأولى.

لكن الإقليم بالمقابل، نظّم حضوره السياسي في العقد الأخير على أساس تناقضه ككيان سياسي “ديمقراطي” مضاد لسلطة المركز “الاستبدادية”، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق.

وبات الإقليم الكردي يدرج نفسه في خانة الكيانات الـ”ما بعد استبدادية”، وهو جوهر ما تبنى عليه الشرعية الثانية.

وتباين الشرعيتين لم يكن مجرد اعتبار طبيعي في الممارسة السياسية، بل هو جوهر البنية التكوينية للإقليم.

ثانياً: ليس للإقليم الكردي حدود جغرافية وسياسية محددة وواضحة، فعلى الرغم من أن العملية السياسية “الداخلية” تجري في ثلاث محافظات فحسب، إلا أن موضوع المناطق المتنازع عليها (كركوك والموصل) يبدو حاضراً بشكل جوهري في تلك العملية.

والمنافسة السياسية في الإقليم ليست بالشكل التقليدي، حيث يسعى كل تيار سياسي إلى الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة في المناطق المسيطر عيلها، بل أن التصارع السياسي يبدو أشد في المناطق غير المسيطر عليها، والتي تتساوى مساحتها مع مساحة المحافظات الكردية الثلاث، وتمثل الكتلة السكانية فيها النسبة الغالبة من سكان الإقليم.

لكن الأهم في الأمر، أن الولاء السياسي لهؤلاء الأكراد الذين يقطنون خارج الإقليم، غير مضبوط تماماً في لعبة المال والولاء، فقد كانوا خارج التنافس السياسي بين الأطراف الرئيسية في الإقليم حتى بداية الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.

.

الخريطة “الجيوسياسية” لتوزع القوى السياسية الكردية   لأسباب متراكمة، تاريخياً وثقافياً، فإن التوزع التقليدي للقوى السياسية على خريطة إقليم كردستان العراق ينقسم بشكل مناطقي كما يلي:

  • ثمة حضور كثيف للحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب رئيس الإقليم مسعود البرزاني) في معظم محافظة دهوك والمناطق ذات الأغلبية الكردية في محافظة الموصل، والجزء الشمالي والغربي من محافظة أربيل وقسم كبير من مدينة أربيل نفسها.


     
  • ثمة حضور كثيف لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الرئيس جلال الطالباني) في محافظة السليمانية والمناطق ذات الأغلبية الكردية في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين، وكذلك في المنطقة الشرقية من محافظة أربيل (في مدينة كوية والمناطق المحيطة بها).


     
  • ثمة حضور مكثف لحركة كوران “التغيير” المنشقة عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في مدينة السليمانية والبلدات الشمالية في المحافظة، وكذلك في مدينة أربيل.

    وتعتبر حركة “التغيير” في بنيتها الداخلية حركة ذات نزعة مدنية، عرفت مجازاً بالنزعة “السليمانجية”.


     
  • لا توجد للحركتين الإسلاميتين الرئيسيتين (الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية في كردستان) سيطرة فعلية مطلقة في أي من مناطق الإقليم[4].

    لكن حزب الاتحاد الإسلامي[5] يزاحم الأحزاب الرئيسية في جميع مراكز المدن الكبرى في الإقليم، وفي المحور الرابط بين مدينتي أربيل وكركوك.

    من جهتها، للجماعة الإسلامية حضور فعّال في المنطقة الجنوبية الشرقية من محافظة السليمانية (محيط بلدة حلبجة التي توصف بأنها “قندهار كردستان”) وبعض مناطق محافظة دهوك والموصل.

كانت خريطة القوى السياسية في إقليم كردستان العراق قبل الانتخابات العامة في تموز/يوليو 2009 تقوم على قاعدة بسيطة، ألا وهي سيطرة الحزبين الرئيسيين على معظم المقاعد البرلمانية (بين 75 و90%)، بينما تذهب المقاعد المتبقية إلى القوى الإسلامية واليسارية، حيث كانت تمارس معارضتها في أحد شكليين إما أيديولوجيا أو خدماتيا، ولم تكن تقارب أبداً القضايا الحساسة في العملية السياسية العامة في الإقليم.

لكن الانتخابات العامة التي جرت في 2009 أثبتت حضوراً قوياً لتيار حركة كوران “التغيير” برئاسة القيادي السابق في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني نيشروان مصطفى.

وبحصول قائمة “التغيير” على أغلبية نسبية في محافظة السليمانية (كبرى المحافظات الكردية الثلاث سكاناً) وعلى عدد كبير من الأصوات في محافظة أربيل[6]، أعيد تشكيل الخريطة السياسية في الإقليم برمته؛ فحصول حركة التغيير على 25 في المئة من المقاعد البرلمانية، وحصول الأحزاب الإسلامية واليسارية على قرابة 20 في المئة، حوّل الأغلبية المطلقة للحزبين الرئيسيين إلى أغلبية نسبية طفيفة، وبذلك جرى التحول من شكل “المعارضة الخدماتية” المهادنة إلى شكل “المعارضة السياسية” الحقيقية.

وإذا ما تم تجاوز الإشكاليات البسيطة المختلف في شأنها بين قوى المعارضة والسلطة في إقليم كردستان العراق، فإنه يمكن تحديد ثلاث ملفات إشكالية يختلف الطرفان بشكل جوهري في شأنها، وهي: أولا : دور الأحزاب السياسية في الحياة السياسية والعامة موضوعياً، فإن الأحزاب السياسية تعتبر المنظم الرئيس، وربما الوحيد، في مناطق سيطرتها السياسية في الإقليم، وذلك حسب الخريطة السياسية التي ذكرناها من قبل.

وثمة في تلك المناطق تداخلاً واسعاً بين الفعل الحكومي والفعل الحزبي، وعلى كل المستويات؛ فالشخصيات النافذة حزبياّ هي ذاتها النافذة حكومياً، والقرارات التي تصدر باسم الحكومة في تلك المناطق تكون قرارات حزبية بالأساس، والجهاز الاقتصادي العام والخاص في تلك المناطق يسيطر عليه ويدار من قبل الهيئات الحزبية، وحتى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وقوى الجيش يبدو ولاؤها وتابعيتها الحزبية واضحين.

وما تطالب به قوى المعارضة الكردية في الإقليم هو الفصل الشفاف بين ما هو حزبي خاص ونظيره الحكومي العام، لأن المنافسة السياسية الحقة بين التيارات السياسية لا يمكن أن تتحقق دون ذلك الفصل.

ويجدد الحزبان الكرديان الرئيسان سيطرتهما الحزبية بسبب تابعية جهاز الحكومة “الدولة” لهما في مناطق سيطرتهما.

وتتضح ملامح ذلك الخلاف بمطالبة قوى المعارضة بثلاثة مطالب رئيسية في هذا النطاق:

  • توحيد القوى الأمنية والعسكرية في الإقليم، وتحديد تابعيتها الدستورية والقانونية لجهة حكومة محددة متمايزة عن أي جهاز حزبي.


     
  • إعادة المقرات والمرافق العامة التي تشغلها الجهات الحزبية (بما في ذلك التيارات السياسية من غير الحزبيين الرئيسيين) إلى عهدة الحكومة، ومن ثم أن تقوم الحكومة ببيع هذه المقرات والمرافق للأحزاب الراغبة في شرائها وبطريقة شفافة[7].


     
  • الكشف عن ميزان المصروفات في البيانات المالية السنوية والشهرية التي تصدرها حكومة إقليم كردستان العراق[8].

 ثانيا : شكل النظام السياسي في الإقليم بعد مرور سبع سنوات من الاستقرار النسبي لإقليم كردستان العراق عقب الغزو الأميركي، فإن صيغة النظام السياسي في الإقليم لا تزال غير واضحة تماماً حتى الوقت الراهن، وهو ما يمكن رصده في ثلاثة محاور:

  • عدم وجود دستور دائم حتى الآن في الإقليم، فالحكومة السابقة طرحت مسودة دستور للإقليم منذ عدة سنوات، ولم يجر التصويت عليه حتى الآن، وهو ما يشكل حالة نادرة وحرجة في الحياة السياسية في الإقليم[9].


     
  • تنوع الحياة السياسية في الإقليم بين أكثر من شكل تقليدي، فحتى قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة (2009)، كان نمط النظام البرلماني الدستوري هو الغالب في الإقليم، بحيث أن رئيس الإقليم كان ينتخب من قبل البرلمان، وهو ما كان يشابه النظام السياسي المركزي في بغداد.

    إلا أن رئيس الإقليم مسعود البرزاني أصدر قبل فترة وجيزة من الانتخابات التشريعية الأخيرة قانوناً بإجراء الانتخابات الرئاسية بالتصويت الشعبي المباشر، وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وهو ما قرب شكل نظام الحكم في الإقليم للنمط الرئاسي الممتزج بسلطة واسعة للحكومة، شبيه بالنظام السياسي الفرنسي.


     
  • التوريث السياسي، فمعظم الصف الأول من قيادات الحزبيين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، يهيئون أبناءهم لشغل مناصبهم في المستقبل.

    وترى القوى المعارضة أن ذلك ليس ببعيد عن سطوة المال وشراء الولاءات، ويطالبون بإصدار قانون خاص في الإقليم يمنع التوريث السياسي؛ لأن بقاء هذا العرف يكرس المحافظ السياسية والاجتماعية، فهي وريثة قيم العشائرية والقبلية التاريخية.

ثالثا: العلاقة مع الدولة المركزية  يصر الحزبان الكرديان الرئيسيان على أن التصارع السياسي في إقليم كردستان العراق داخلي بحت، ولا يجوز لباقي القوى السياسية والحكومية العراقية التدخل به؛ وذلك تطبيقاً لمبدأ الفيدرالية المطبق في العراق منذ الغزو الأميركي.

في المقابل، تدعو باقي الكتل السياسية إلى أن يناط بالهيئات المركزية في البلاد، وبالذات المحكمة الدستورية، دور الحكم في التصارع السياسي في الإقليم؛ فالسيطرة المادية المباشرة لمن يعتبرون أنفسهم قيٍّمين على السلطة في الإقليم، يمنع وجود أي توازن موضوعي بينها وبين القوى المعارضة، خصوصا أن الإقليم يفتقد لتقاليد وأعراف سياسية تاريخية رصينة[10]، أو دستور واضح المعالم، وكذلك لمحكمة دستورية، والأهم من كل ذلك افتقاد الإقليم لأية قوة عسكرية حيادية بالنسبة للحياة السياسية تحافظ على الشرعية.

غير أن الحياة السياسية في الإقليم تتجه مع التمقبل الزمني إلى نوع من الدفء في التواصل مع الدولة المركزية.

وما جرى من أحداث في مدينة السليمانية في الآونة الأخيرة من تظاهرات سلمية، والرد العنيف الذي جوبهت به من قبل الأجهزة الأمنية في الإقليم، دفع بالقوى السياسية المعارضة إلى طلب لجنة تحقيق برلمانية مركزية، وعلى الرغم من رفضها بداية من قبل الحزبين الرئيسيين، إلا أنه تمت الموافقة عليها فيما بعد.

وهذا الموقف أثبت قضيتين أساسيتين: 1.

   أن السلطة الأمنية الرسمية في الإقليم ليست على مسافة متساوية من جميع مواطني والقوى السياسية في الإقليم ، وتتدخل في الحياة السياسية وتفاصيلها.


  2.

   أن القوى والفعاليات السياسية في الإقليم ليست منفصلة بشكل تام عن سلطة المركز في بغداد، فالدولة العراقية بمؤسساتها السيادية الكبرى (البرلمان والجيش والمحكمة دستورية وهيئة الانتخابات العليا) تعتقد بسلطتها على الحياة السياسية في إقليم كردستان.

وهذا ما يزيد من مستوى التفاعل والاندماج السياسي لمواطني الإقليم في الكل العراقي.

3.

مسارات المعارضة في الإقليم   على الرغم من وجود حياة سياسية وإعلامية حيوية في إقليم كردستان العراق، فإن المسار العام سيُبقي الحزبين الرئيسيين في موقعهما على المدى المنظور.

لكن ذلك لا يعني أن تغيرات جوهرية لا يمكن أن تطال العلاقة بين السلطة والمعارضة في الإقليم في السنوات الأربع المقبلة، وذلك تبعاً للمسارات التي يمكن أن تأخذها ثلاثة مواضيع محددة.

أولا: مستقبل الاتحاد الوطني الكردستاني هذا الحزب الذي تأسس عام 1975، والذي يسجل حضوراً مكثفاً في المناطق الشرقية من إقليم كردستان العراق (تقريبا كل محافظتي السليمانية وكركوك والبلدات الشرقية من محافظة أربيل)، يعاني منذ قرابة أربع سنوات مشاكل تنظيمية حادة، خصوصاً بعد انشقاق حركة “التغيير” بقيادة القيادي السابق نيشروان مصطفى عن التنظيم المركزي.

كما أن الحالة الصحية لزعيم الحزب التاريخي جلال الطالباني وتقدمه في العمر، تؤشر لحدوث تحولات جوهرية في الحزب.

وبانقطاع الطالباني عن ممارسة الحياة السياسية، سيكون الحزب أمام معضلة اختيار زعيم جديد له؛ فنائباه لا يملكان حظوظا كبيرة في أخذ مكانه، والاضطلاع بأدوار توافقية بين التيارات الحزبية الداخلية مثل الطالباني.

ويعاني النائب كوسرت رسول علي من مشاكل صحية كبيرة أيضاً، والنائب الثاني ورئيس الوزراء برهم صالح لا يحظى بموافقة القوى المحافظة ضمن الحزب، ولا يستحوذ كذلك على موافقة الشخصية الحزبية القوية السيدة هيروخان إبراهيم أحمد التي تشغل منصب رئيس المكتب التنظيمي الأول في الحزب في مدينة السليمانية.

وليست هيروخان على علاقة ود مع رئيس الوزراء برهم صالح، لأنها تعتبره سداً أمام طموح ابنها السياسي، ممثل إقليم كردستان العراق في الولايات المتحدة ونجل الرئيس جلال الطالباني قوباد الطالباني.

والسيناريو المتوقع لمستقبل الاتحاد الوطني يمكن أن يأخذ أحد شكلين محددين:

  • أن تعود الوحدة التنظيمية في الاتحاد الوطني الكردستاني، بعودة كوادر وقيادات كتلة “التغيير”[11]، وبذلك يعود الصراع المحتدم بين القوتين الحزبيتين في الإقليم، وبأوزان سياسية ومالية وجماهرية متساوية تقريباً، وهو ما قد يعيد النزاع المسلح بينهما، أو قد يدفع إلى صراع سياسي برلماني سلمي.


     
  • أن يتشتت الاتحاد الوطني الكردستاني بين أكثر من تنظيم سياسي، وبذلك يبقى الحزب الديمقراطي الكردستاني قوة سياسية كبرى وحيدة في الإقليم، أو أن يتوحد سياسياً داخل البرلمان مع القوى السياسية اليسارية والإسلامية، لمواجهة كتلة “التغيير” البرلمانية والجماهيرية.

ثانياً: مستقبل الحدود الإدارية للإقليم كما هو محدد في برنامج الحكومة العراقية الراهنة، فإن قضية الحدود الإدارية يجب أن تحل خلال السنوات الأربع السارية من عمرها، وهو أمر يعني دخول ملايين الناخبين الجدد في العملية السياسية في الإقليم.

وطريقة حلها يمكن أن تؤثر على المشهد السياسي الداخلي بأحد ثلاثة أشكال:

  1. لو حلت القضية، وعادت تلك المناطق بتابعيتها الإدارية للإقليم، فإن ذلك سيعني تقدماً مباشراً لمفاهيم المعارضة المدنية والخدماتية والسياسية على حساب الأشكال الأيدولوجية للمعارضة، لأن الحل سيعني سحب غلواء الخطابات القومية من برامج الأحزاب السياسية، كما أنه سيسحب الذرائع التي كانت تمنع أجراء إصلاحات سياسية حقيقية في الإقليم.

    لكن الأهم في الأمر، أن دخول تلك المناطق وسكانها في العملية السياسية ضمن الإقليم سيعني تضخم دور الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة حركة التغيير؛ فمعظم مناطق كركوك ومحافظتي ديالى وصلاح الدين “المتنازع عليها”، لا تزال تحتفظ بولاء تقليدي لتيار الاتحاد الوطني الكردستاني السياسي.

    وهو ما قد يشكل توازناً مريحاً لها مع قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني.


     
  2. لو بقيت الأوضاع الراهنة في تلك المناطق على حالهاً، فمن المتوقع أن يزداد الضغط على تيارات الأحزاب المعارضة لتأجيل مطالباتها الداخلية، إذ قد تصعد هي أيضاً من خطابها القومي، وهذا الشيء سيعني تأجيل ملفات الإصلاح الداخلية في الإقليم.


     
  3. لو حلت هذه القضية جزئياً، فمن المتوقع أن ينتقل التصارع السياسي من صراع حول مناطق الإقليم إلى صراع داخل تلك المناطق، التي لا تستحوذ حتى الآن على أهمية تنظيمية بالنسبة للأحزاب الكردية الرئيسية.

ثالثاً: بقاء الحزب الديمقراطي الكردستاني على وحدته التنظيمية على الرغم من كونه الحزب الأقدم والأكبر في إقليم كردستان العراق، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد حافظ على وحدة تنظيمية محكمة تاريخياً، قائمة على الولاء للعائلة البارزانية المحافظة على نمط الزعامة التقليدية في المناطق التي تسيطر عليها.

لكن تلك العلاقة ليست بمنأى عن التأزم في السنوات المقبلة، خصوصا أن المؤتمر الثالث عشر للحزب الذي عقد في كانون الأول/ ديسمبر 2010 لم يشهد تغيرات بنيوية كانت متوقعة، وبقيت القيادة التقليدية محافظة على مكانتها.

وهذا التأثير على الوحدة التنظيمية للحزب يمكن أن يأتي بأحد شكلين: 1.

   لا يوجد ضمن قيادات الصف الأول في الحزب من هو مؤهل لإحداث انشقاق تنظيمي شبيه بالذي جرى ضمن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلا أن الصراع السياسي بين أبناء الجيل الثاني من عائلة البرزاني يمكن أن يحتدم في الفترة المقبلة، وبالذات بين تيار رئيس الوزراء السابق وابن أخ زعيم الحزب مسعود البرزاني القيادي نيجرفان البرزاني، وبين تيار رئيس مجلس أمن الإقليم ونجل زعيم الحزب مسرور البرزاني.

وهذا الصراع المبطن بين الطرفين، والذي مازال مضبوطا بحضور الرئيس مسعود البرزاني، لا يُعرف كيف يمكن أن يتطور مع تزايد القوة النسبية لكلا الشخصيتين في الحزب.


  2.

   أن تسعى إحدى الشخصيات الاقتصادية النافذة في مناطق سيطرة الحزب إلى تكوين تيار سياسي معارض وجامع للكثير من أبناء الطبقة البرجوازية.

وهو أمر متوقع الحدوث فيما لو ارتكز الإقليم على منظومات دستورية سياسية واضحة المعالم.

وترافق ذلك مع وجود ضمانات أكيدة بأن الطموح السياسي لهم لن يعرض أعمالهم المالية لضغوط من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني في مناطق سيطرته.

وما قد يساعد على فعل كهذا هو بقاء الحزب الديمقراطي الكردستاني محافظاً على قيم صلبة من المحافظة الاجتماعية في الحقل العام، وهو ما لا يناسب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها الإقليم.

وإذا تآكلت الوحدة التنظيمية للحزب الديمقراطي الكردستاني أو فقدت سيطرتها السياسية المطلقة على مناطق نفوذها، فإن ذلك سيدفع إلى تحولين مهمين في الحياة السياسية في الإقليم: 1.

   سيعني نهاية “المناطقية” في الحياة الحزبية الكردية، فكل مناطق الإقليم ستغدو مفتوحة بشكل فعلي أمام جميع القوى السياسية الناشطة في الإقليم، وهو ما قد يدفع نحو تحالفات آنية ومتغيرة غير صلبة بين القوى السياسية المختلفة.

2.

   سيفتح المجال أمام صعود أحزاب سياسية حديثة وليبرالية، وهو أمر مفتقد حتى اليوم في معظم المشهد السياسي في كردستان العراق، وذلك لتواتر الحياة السياسية في الإقليم بين روح يسارية تقليدية مسيطر عليها من قبل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وبين نمط من المحافظة السياسية التقليدية التي يحتفظ بها الحزب الديمقراطي الكردستاني.

الخلاصة لابد أن يكون ثمة حياة ديمقراطية، ومعارضة ديمقراطية في الإقليم في الأفق المنظور، فالإقليم الكردي لا يستطيع أن يكون معزولاً عن ربيع الديمقراطية العربي الحالي، كما أن الإقليم الكردي لا يشعر بغربة وتصارع سياسي مع الدولة المركزية في بغداد، والقضية الكردية في جميع المناطق الأخرى تأخذ طريقها للحل عبر عمليات اعتراف ثقافي وسياسي بالإثنية الكردية.

لكن الأهم من ذلك كله، هو مستوى الرفاه الاقتصادي ومعدلات التنمية العالية التي تغمر مواطني الإقليم في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب العائدات الضخمة لميزانية الإقليم من الميزانية المركزية.

وتدفع هذه الإيرادات المواطن الكردي العراقي إلى المزيد من المطالبة بالدور والمكانة والاعتراف السياسي.

وقد كانت هذه مطالبات التظاهرات الجماهيرية في مدينة السليمانية.

وهنا تطرح المعادلة الصعبة في الحياة السياسية المستقبلية لإقليم كردستان العراق: بنى سياسية تقليدية تأسست في أوضاع ومناخات سياسية قديمة، تريد أن تبقى دون تحديث متسلطة على البنى التي تتأسس في المجتمع السياسي الجديد للإقليم الكردي.

      ……………………………………………………………………………………………………….

· 
[1] – لقراءة ومتابعة مطالب حركة “التغيير” البرلمانية الكردية يمكن قراءة الرابط التالي : www.alrafidayn.com/2009-05-26-22-07-53/29332-2011-01-30-09-58-01.html ·  [2] – للاطلاع على تركيبة برلمان إقليم كردستان العراق، يمكن قراءة الرابط التالي : www.perleman.org/default.aspx ·  [3] – لمتابعة مواقف واستراتيجيات الأحزاب الكردية الحاكمة في إقليم كردستان العراق، يمكن فتح الروابط التالية:www.kdp.se,www.pukonline.com ,www.kurdiu.org · 
[4] – ثمة نمط خاص للسيطرة السياسية للأحزاب في إقليم كردستان العراق، فعندما يقال إن حزباً ما يسيطر فعلياً على منطقة جغرافية معينة، فإن ذلك يعني سيطرة قواه العسكرية والاقتصادية والثقافية على تلك المنطقة، أو القوى التي تدور في فلكه، فالأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق تعتبر الجهة التنظيمية الأقوى للحياة العامة في مناطق سيطرتها.

وهذا شيء لم تستطع القوى التقليدية الإسلامية واليسارية ممارسته حتى الوقت الراهن، لذا فإن مناطق حضورها تبدو نسبية دوماً، مقارنة مع قوى الأحزاب الرئيسية.

·  [5] – يمثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني التيار الإسلامي لأفكار حركة الإخوان المسلمين، بينما تعتبر أيدلوجية الجماعة الإسلامية الكردستانية أقرب لأفكار السلفية.

·  [6] – لقراءة تفصيلية عن نتائج الانتخابات التشريعية في تموز/ يوليو 2009 في إقليم كردستان العراق، يمكن فتح الرابط التالي: ·   http://en.wikipedia.org/wiki/Iraqi_Kurdistan_legislative_election,_2009 ·  [7] – يشمل هذا الملف على المطالبة بإعادة آلاف المباني الحكومية التي تشغلها الهيئات الحزبية أو المنظمات المدنية التابعة لها، وكلها تقع ضمن المدن والبلدات الرئيسية في الإقليم.

كما أن الملف يتصل من جهة أخرى بقضية “المناطق المغلقة”، حيث عبرت الكثير من المنظمات الحقوقية في الإقليم عن امتعاضها من وجود مناطق جغرافية مغلقة في الإقليم تتبع الهيئات الحزبية، ولا يمكن للقوى الحكومية مراقبتها.

ومن هذه المناطق ثلاث تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظتي اربيل ودهوك، ومنطقة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني على بحيرة دوكان في محافظة السليمانية.

·  [8] – ثمة معضلة مالية كبيرة في الإقليم، فالكثير من الأجهزة الخدمية والإعلامية تتبع الهيئات الحزبية، لكن موظفيها يتقاضون رواتبهم من الميزانية الحكومية.

والأمر الآخر هو عدم الوضوح التفصيلي للمصروفات، فالميزانية تصرف للهيئات، لكن لا يتم التحديد الدقيق لطرق صرفها.

·  [9] – لقراءة مسودة مشروع دستور إقليم كردستان العراق، يمكن فتح الرابط التالي: www.krp.org/arab/do*****ents/default.aspx?gid=1&sm=39 ·  [10] – ثمة شبه عرف سياسي في الإقليم بأن يتحول الصراع السياسي في فترات أزماته إلى نزاع مسلح مستميت بين الأطراف المتصارعة.

  [11] – على الرغم من الانقطاع التنظيمي التام بين كتلتي الاتحاد الوطني الكردستاني، وكتلة “التغيير” المنشقة عنه، إلا أن حبال التواصل بين قيادات الصف الثاني في التيارين لم تنقطع بعد، فثمة شعور دفين بين الطرفين بأن المصير لكليهما واحد في مستقبل الحياة السياسية في الإقليم.

 

نبذة عن الكاتب :

باحث سوري مهتم بقضايا الأكراد في المنطقة.

حاصل على بكالوريوس في الإعلام من “جامعة دمشق” .

وهو طالب بـ”المعهد العالي للعلوم السياسية” بمدينة التل السورية، قسم الدراسات الدولية والدبلوماسية .

عمل كاتبا في القسم السياسي في صحيفة “الحياة” و”المستقبل” و”السفير” وموقع “الأوان” لعدة سنوات.

وهو باحث تحت الأشراف في مشروع “سوريا 2025” لدراسة تحولات المجتمع السوري، تحت إشراف الباحث محمد جمال باروت، كما عمل باحثا في مركز “فلورنسا – باريس ” .

واشتغل قبل ذلك باحثا في مؤسسة الفكر العربي ببيروت، وأعد لصالحها بعض الأعداد الخاصة من دوريتها الفكرية السياسية:”حوار العرب” عن “الإشكالية الكردية في الذهن العربي الراهن” و” العرب بعيون تركية” و” أين العرب من العملاق الروسي”.

ساهم في إعداد و إخراج سلسلة من الأفلام الوثائقية عن واقع “المهمشين” سياسيا في مناطق الشرق الأوسط.
  2011/08/04
 عن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…