نحو مؤتمر شعبي كردي لحماية الانتفاضة

صلاح بدرالدين
  

  يمرشعبنا السوري بكل مكوناته وبضمنها شعبنا الكردي في أدق وأخطر الأوقات في التاريخ الحديث وهو الآن ومنذ مايقارب الخمسة أشهروجها لوجه مع منظومة الاستبداد في صراع تناحري لامجال فيه للحلول الوسط فالشعب قرر اسقاط النظام عبر انتفاضته السلمية والأخير يماطل ويناور ويقتل باحثا عن فرصة مستحيلة لانقاذ رأسه حتى لو كان على حساب دماء السوريين وتدمير البلاد ومايجري في سوريا الآن حراك وطني شامل ينشد التغيير الجذري في نظام الحكم واعادة القرار الى الشعب عبر القنوات الديموقراطية المعروفة واجراء التبديل العميق في الحركة السياسية لتنتقل من وضعها السكوني الجامد ومن مفاهيمها التقليدية البالية ومواقفها التي أكل الدهر عليها وشرب الى حركة متجددة ناشطة فتية تقود البلاد الى مصاف الدول المتقدمة المزدهرة على قاعدة متينة من الشراكة العادلة بين قومياتها وأديانها ومذاهبها وعلى أساس عقد اجتماعي توافقي ينظمه الدستور الجديد الضامن لارادة شعب سوريا المتعدد القومية والثقافة .
  هناك مشتركات مصيرية تجمع كل السوريين بجميع أطيافهم في هذه المرحلة الانتقالية وفي مقدمتها الانتفاضة الوطنية وشعارها الرئيسي: اسقاط النظام وهناك أيضا خصوصيات فرعية تميز المكون الكردي من حيث هويته القومية وحركته الوطنية وظروفه المشخصة بشأن قضيته العادلة ومعاناته التاريخية وسقف مطالبه وبرنامجه للسلام والتعايش وبالأخير تصليب عود حراكه الانتفاضي ومن الواضح أن العامل الوطني العام يرخي بظلاله على طول البلاد وعرضه والمتجسد بسبل انتصار الانتفاضة الثورية على الطغمة الحاكمة بأقصر الطرق وأقل الخسائر وبناء على ذلك وفي ظل الأهمية الاستراتيجية البالغة لانجاز المهمة الوطنية المركزية السالفة الذكر في جانبها الكردي الخاص أرى التالي :

 أولا – من المطلوب من أجل توفير عوامل القوة والانتصار للحراك الانتفاضي الشبابي الكردي الذي بادر بكل شجاعة واقدام الى الانخراط في مختلف المناطق والمدن والبلدات الكردية وفي أماكن التواجد الكردي في المدن السورية الأخرى والذي وبفضل تراكمات تجربته القصيرة زمنيا حاول تنظيم صفوفه في تنسيقيات باتت معروفة واصبح تاليا هدفا ليس للسلطة وشبيحتها وأمنها وأدواتها القمعية فحسب بل لظلم ذوي القربى الذي أتينا وغيرنا على ذكره مفصلا في مناسبات سابقة لذلك ومن أجل حماية الجزء الكردي من الانتفاضة هناك ضرورة لعقد مؤتمرات شعبية في جميع أماكن التواجد الكردي .
  ثانيا – من المستحسن أن تبدأ تلك المؤتمرات الشعبية من المناطق والريف والمدن وتضم كافة طبقات وقطاعات الشعب والمجتمع المدني من النساء والرجال مستقلين وحزبيين مثقفين وعمالا ومزارعين من الطلبة والشباب والشيوخ والمهنيين والموظفين وشخصيات وطنية ووجهاء المناطق والعائلات وأن يضم جدول أعمال تلك المؤتمرات بندين فقط الأول : السبيل الى دعم وحماية الانتفاضة الشبابية وسبل مدها بالدعم البشري والمادي والمعنوي والثاني : بحث طرق المساهمة الكردية في رسم مستقبل البلاد بعد ازالة الاستبداد من نظام حكم وصياغة الدستور الجديد وتحديد الاستحقاقات الكردية والطريقة الأمثل في حل القضية الكردية .
  ثالثا – أن تتوج المؤتمرات المناطقية – المحلية بالنهاية بمؤتمر شعبي كردي عام لايتمتع بصلاحية تقرير السياسات اليومية أو انشاء مراكز أو مرجعيات قومية أو حزبية بل من مهامه الأساسية تجسيد الارادة الشعبية في تحقيق الهدف الرئيسي وهو مساندة وحماية الحراك الشبابي المنتفض وتحريم المواجهات الكردية – الكردية وانتخاب لجان متعددة منها على سبيل المثال : لجنة لجمع التبرعات للانتفاضة ومساعدة ذوي الشهداء والمعتقلين والملاحقين ولجنة للتعبئة بمد المتظاهرين بالعنصر البشري ولجنة حكماء من عقلاء الشعب الكردي لحماية الانتفاضة الشبابية الكردية من المتجاوزين عليها كرديا ومفرقي صفوفها والخارجين على الاجماع الوطني وفضحهم وتعريتهم وأقترح أن تكون الهيئة المستقلة الداعية الى وحدة الحركة الكردية المكونة من الشخصيات الوطنية جزءا منها ولجنة من المختصين لصياغة مشروع دستور سوريا الجديدة ولجنة لتحديد المطالب الكردية وسبل تحقيق حل القضية الكردية ولجنة طوارىء تعمل من الآن على توفير المستلزمات الضرورية لمواجهة الحالات الاستثنائية وحماية الشباب وجميع المواطنين من سكان المدن والبلدات خاصة اذا ما أقدمت سلطة الاستبداد على حماقات وهجمات عسكرية كما حصل في درعا وحمص وحماة وبانياس واللاذقية وريف دمشق وجسر الشغور وادلب ودير الزور والبوكمال  .


  رابعا – نحن نجتاز مرحلة انتقالية استثنائية يقتل فيها السورييون كل لحظة قد تقصر أو تطول أياما وأسابيعا وشهورا ومثل هذه الظروف لاتنفع على الصعيد الكردي في اعادة تشكيل الحركة السياسية الجديدة تحت أنظار السلطة الشوفينية عبر المشاريع المطروحة التي تهدف تبديل ونقل عقارب الساعة الى الوراء واعادة انتاج هياكل سابقة رسبت في الامتحان بدرجة الصفر وبهذه المناسبة أعلن على الملأ أن المشروع الذي طرحته منذ أعوام باسم ” وحدة الحركة الوطنية الكردية ” وقيمه العشرات من المثقفين الكرد بحثا ونقدا قد تجاوزه الزمن ولم يعد مناسبا لهذه المرحلة ولايعدو الآن عن كونه مجرد وثيقة ويقينا أن المرحلة الثورية هذه ستختتم باسقاط النظام وفتح الباب على مصراعيه لاعادة تشكل حركة سياسية سورية عموما وكردية على وجه الخصوص وهنا نقول أن الانتفاضة الثورية ستصنع الأدوات والسياسات والقوى الحية وليس العكس وأن انتفاضة الشباب الكرد كفيلة بانتاج الحركة السياسية الكردية على مقاس سوريا الجديدة وضمن آفاق مبدأ حق تقرير المصير .

  خامسا – رغم كل الضبابية وعدم الوضوح والتذبذب في المشهد الحزبي الكردي لاأرى مانعا في مضي أي طرف في نهجه اذا ما أصر على ذلك فقد بات أكثر من واضح أن هناك من – توهم– حديثا في امكانية ركوب مركب السلطة على أمل أن لايحاول اغراق الآخرين معه وهناك من يراهن على التواصل مع السلطة على أمل أن لايحاول جر الآخرين وهناك المترددون (عين على النظام وعين على الشارع) الذين لم يحسموا أمرهم تجاه الانتفاضة على أمل أن يلتحقوا بصفوفها وبذلك نكون كمكون كردي جزءا من المشهد السوري العام تسري علينا المعادلة ذاتها وتجعلنا متعددي السياسات والمواقف والتيارات وهو أمر اعتيادي اذا بقي خارج نطاق فرض الآراء والاذعان والتخوين والتشهير والشخصنة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…