ما لم يقله الشعب الكردي وشبابه بعد

الدكتور عبد الحكيم بشار
 

منذ بدء الاحتجاجات في سوريا وانطلاقتها من درعا في 15/3/2011 كانت بعض المناطق الكردية وخصوصاً عامودا والقامشلي من أولى المناطق التي انطلقت فيها الاحتجاجات بعد درعا ، وأبدى المحتجون تضامنهم الكامل مع درعا مقروناً بمطالب وطنية وقومية مشروعة ، ومع اتساع رقعة الاحتجاجات واعتماد الحل الأمني من قبل السلطة للتعامل معها وبلورة تلك الاحتجاجات وتطورها لتأخذ بعداً آخر وتتحول من مجرد حركة احتجاج والمطالبة بالإصلاحات إلى تنظيم نفسها من خلال التنسيقيات ورفع سقف مطالبها من الإصلاح إلى التغيير ، ثم إلى إسقاط النظام لينعكس ذلك أيضاً في مطالب المحتجين في المناطق الكردية من قبل الشباب الكرد متجاوزين بذلك شعارات الحركة الكردية المطالبة بالتغيير الديمقراطي السلمي ، وكذلك اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل معظم المناطق الكردية وأماكن التواجد الكردي .
ورغم أن الشهداء الكرد لايزالون الأقل عدداً في مسيرة الحراك الشبابي مقارنة لباقي المناطق الملتهبة، ولكن هذا لا ينفي عنهم أنهم انخرطوا في الحراك منذ الأيام الأولى تحت شعارات وطنية عامة تم دمجها بعد بشعارات قومية مشروعة تخص الشعب الكردي ، ورغم أهمية الحراك الشبابي الكردي ودوره الفاعل على الساحة الوطنية سواء من حيث فعالية الحراك وتوقيته واتسامه بالبعد الوطني أو من حيث بعده السياسي والذي يعتبر الطرف الوحيد من مكونات الشعب السوري الذي أسقط رواية السلطة التي تحاول تصوير الأحداث في سوريا بأنها ذات بعد طائفي ، إلا أن اشتراك الكرد فيها قد أسقط عنها هذه التهمة ، ولكن ماذا بعد هذا الحراك ؟
 إن الشعب الكردي وحركته ورغم أنهما يتفقان مع جميع القوى الوطنية والديمقراطية السورية في أن تحقيق تغيير ديمقراطي وسلمي في سوريا هو لمصلحة الجميع وأن بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية هو أيضاً لمصلحة الجميع ، وأن الحركة الكردية تجد نفسها في صفوف المعارضة الوطنية الديمقراطية ولكن ثمة أسئلة مشروعة تطرح نفسها بقوة على الساحة الوطنية عامة والكردية خاصة ، ويمكن اختصارها بسؤالين :
1- من البديل للنظام ؟ هل هو قوى ديمقراطية حقيقية تؤمن بها فكراً وممارسة ؟ أم أنها قوى شمولية ذات تفكير أحادي تختبئ وراء شعارات الديمقراطية والدولة المدنية لكسب الحراك الشعبي ؟
2- ما هو موقع الشعب الكردي وقضيته في مستقبل سوريا المنشودة ، سوريا الدولة ؟
حتى الآن عجزت المعارضة عن تقديم تصور حقيقي عن مستقبل سوريا عامة والقضية الكردية خاصة وإن موقفها يتسم بالمناورة والضبابية كما يفعله النظام حيال الكرد ووعوده غير المحققة وقد جاء مؤتمر استانبول ليس فقط مخيباً للآمال بل ليزيد الهواجس لدى الشعب الكردي بأن هدف بعض أطراف المعارضة ليس بناء سوريا جديدة ديمقراطية تعددية ، وإنما استنساخ نظام شمولي آخر ووفق رؤى جديدة لا يختلف عن نظام البعث ، وإن صراعها مع السلطة ينحصر في قضية الصراع على السلطة ليس إلا .
إننا نؤكد أن حل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً من خلال الإقرار الدستوري بوجوده كمكون رئيسي وثاني أكبر قومية في البلاد ونيل جميع حقوقه القومية على هذا الأساس ، وإلغاء كافة السياسات الشوفينية المطبقة بحقه ومعالجة آثارها وتداعياتها يشكل مدخلاً حقيقياً للديمقراطية المنشودة واختباراً جدياً للمعارضة ، ويشكل أيضاً اللبنة الأولى والأساس لبناء سوريا الجديدة ، سوريا ديمقراطية تعددية ( قومياً وسياسياً ) وإن استمرار المعارضة أو بعض أطرافها المهمة بالمناورة حيال الشعب الكردي وقضيته يجعل من الحركة الكردية والشعب الكردي الذي يجد نفسه جزءاً من المعارضة لا يقول كلمته الأخيرة ، ولكن الأيام القادمة ستدفع بالشعب الكردي وشبابه وحركته إلى النطق بكلمته والتي سيكون لها دور حاسم في تطور الأحداث واتجاهاتها في سوريا .
فهل يدرك المعنيون بالشأن السوري خاصة المعارضة الوطنية مدى دور الشعب الكردي وشبابه وحركته السياسية ؟ أم سيدركون ذلك بعد القول الفصل ؟

1-7-2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…