إبراهيـم محمـود
” إلى العزيز علي صالح ميراني، وباسمه الأهلي، تحديداً”
أظن أن عنواناً كهذا سيصدم كثيرين ممن يعرفون الراحل د.
نورالدين ظاظا، ومنذ عام1989، إذ لا صلة بينه وبين الذي جرى من بعد رحيل فقيد ثقافته الكردية المهيبة وأكثر من ثقافة هضمها داخله (كونه تابع دراسته الفلسفية وذات التوجه السياسي في لوزان سويسرا في نهاية أربعينيات القرن الماضي وأوائل خمسينياته)، وكذلك فإنه لا صلة له، بسياسة المحاور البائسة جداً اليوم، في الوسط الحزبي الكردي، تحضيراً لمؤتمر وطني كردي، من خلال لعبة التزكيات الصامتة والمعلومة هنا وهناك، وهي لعبة الأراجيح التي تستهوي المعنيين بها، من إقصاء لهذا المثقف أو تقريب سواه، في مدينة لا يخفى فيها شيء،
نورالدين ظاظا، ومنذ عام1989، إذ لا صلة بينه وبين الذي جرى من بعد رحيل فقيد ثقافته الكردية المهيبة وأكثر من ثقافة هضمها داخله (كونه تابع دراسته الفلسفية وذات التوجه السياسي في لوزان سويسرا في نهاية أربعينيات القرن الماضي وأوائل خمسينياته)، وكذلك فإنه لا صلة له، بسياسة المحاور البائسة جداً اليوم، في الوسط الحزبي الكردي، تحضيراً لمؤتمر وطني كردي، من خلال لعبة التزكيات الصامتة والمعلومة هنا وهناك، وهي لعبة الأراجيح التي تستهوي المعنيين بها، من إقصاء لهذا المثقف أو تقريب سواه، في مدينة لا يخفى فيها شيء،
وفي ضوء ذلك لا يعود المثل القائل (السكوت من ذهب والكلام من فضة) دقيقاً على طول الخط، إنما لا يعود الصمت ممكناً ليكون الوقت متاحاً لذهب الكلام المتنافَس عليه، إثر هذه المقالة:وبالتالي- أيضاً- لا يمكن اعتبار الراحل مسئولاً عن أي حدث جزئي أو أي شاردة وواردة طيات الأحداث السورية المتسارعة، تسارع خطوات حزبيينا وتسرُّع تزكياتهم الموسومة بأسمائها، ولا حتى خارج سوريا.
يبقى السؤال إذاً: أي فانتازيا طرحت اسمه، وأقحمته في حُمَّى الجاري يا ترى؟
رحل ظاظا: الجسد الفاني، وبقي الروح العاني” الأسير” الشغوف بالحرية عموماً وحرية شعبه الكردي خصوصاً، ولعل الذي سعى إليه جاهداً، كما تقول حيثيات مذكراته، وفي عـِلم الكردي الذي لا يعلَم بذلك، وهو مطَّلع عليها، وما تاق إلى تحقيقه، يمكن استخلاصه في مخاض الأحداث سالفة حيث نعيش عنفها ووطأتها.
كما لو أن ظاظا المفكر ونباهة رؤاه كائن ينتمي إلى المستقبل، أو يعيش له، وهو في لحده النائي عن وطنه، وأن ما كان يدعو إلى التكاتف حوله هو ما سجن من أجله سنة 1960، وما عاشه من مقاومات جسمانية وفكرية وروحية بعد ذلك ليس بالنسبة لشعبه الكردي في ظروفه الراهنة آنذاك، وإنما للذين كان يعيش معهم من أبناء الشعوب الأخرى: العرب وغير العرب، وأستطيع القول بفانتازيتي المسماة، أن الذي زجه طليقاً في رحابة الحياة وهو كليم الروح والفؤاد من بني جلدته ومن كانوا يتحدثون باسمه، وكان ضحية نظام متجبر حينذاك، وضحية الذين أحالوا دون تسرب فكره النيّر إلى المحيطين به من البسطاء، وهم كانوا رهانه وصمَّام أمانه وبوصلته في تحديد جهة الخلاص النوعي نسبياً، بأكثر من معنى، وفي وقت عصيب للغاية، أعني بهم من كانوا ممثلي الكرد وثمة أحياء منهم حتى اللحظة، وقد اختزلوا فكره وتاريخه وشعلة روحه (الكاويَّة: من كاوا الحداد)، هو الذي أخرجه مقهوراً مهزوماً رغم أنفه، وأن خروجه القسري من دائرة الجغرافيا الكردية شعباً وثقافة وتاريخاً، كان أشبه بالتوقيع على بياض لمن ظلوا يتكتمون على اسمه، لا بل ويشهرون به كلما أشير إليه، وأن استعادته ظاظا من نوع مغاير كلياً قبل سنوات معدودات، كان لتمرير مآرب أخرى، كما هو مفهوم الإطاحة بالمثقف العضوي والعابر للحدود الكردية، ليظل منه بمعايير الأدلجة الكردية المتحزبة ما كانوا يرومون منه وهو بينهم.
إن الحديث عن الحاضر الغائب تحقيقاً، لمـ”مآرب” أخرى ليس من اغتيال مستمر له لصالح ما لم يكن يريده!
سلوا الراهن، يجئكم الجواب: ظاظا الشهيد المتتابع والممثَّل فيه، والمستشهد به وإن لم يُذكر باسمه، من خلال الحراك الكردي- الكردي، الكردي – غير الكردية، وكيف يجري التحضير لأنشطة ذات طابع ثقافي وفق إحداثيات تناسب وقصور الوعي الحزبي الكردي فيما يدعو إليه ويتنادى باسمه، حيث يسود مناخ أقل ما يمكن وصفه هو سديميته، كما لو أن زمن ظاظا يستعاد بكل حمولته الانفجارية وزخمها العنفي المجمَّل بالثقافي!
دققوا في حركية الأحداث الجارية، وكيف يتحرك الكرد عبر ممثليهم، وأي إقصاء يحدث للمثقف في حمَّى التسابقات الذاتية رغم كل المرئي في الجهود المعتبرة تحت يافطات شعبوية واستقدامية كردية هنا وهناك، ومن ثم تحرَّوا خطوط تماسه مع التاريخ، والعبرة المصطفاة من الأحداث، وصِلُوا بين قائمة الخطوط التي تقطع الجغرافيا الكردية والثقافة الكردية ومن هو على رأس عمله الكرديّ الطابع، ومنغّصات الحالة والإحالة، بين الصورة الكردية في مزَقها، والكلمات التي تسمّيها أو تؤرّخ لها في تاريخ مفتوح، ستجدوا العظيم بروحه خارج قيده الكردي الصدىء والمتداول والملوَّح به في وجه كل متطلع إلى ثقافة عابرة لحدودها المحلية، كما لو أنه حاضر في كل جلسة، وكل ركن بيت عامر بصخب الحوار، وكل أمل متوخَّى، كما لو أنه لا يكف عن إقلاق راحة الموتى من أحياء الأمس واليوم، كما يستحقون حق استحقاق، ليكون تذوق الحرية واقعاً فعلياً وعن جدارة، وتتخفف وطأة اغتراب الكردي- الكردي خارج قاعة هذا الاجتماع المحموم أو ذاك، كأني به في حوار هادىء كروحه صاخب وجلي الحركة عنيفها أحياناً كما هو جسمه المأخوذ بناريّة الروح الوقَّادة تلك.
وكل ذلك كان موضوعي كتابي المتواضع عنه، في محاولة إرساء فكر ظاظي مؤمم مما هو ديماغوجي كالذي اعتدناه حتى الساعة، أي (الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا” موجز دراسة حياة مستمرة”-2007).
لقد قلت في بداية حديثي عنه، وأكرر هنا للتنويه فقط (بيننا وبين الدكتور نورالدين ظاظا الذي عاش بين عامي 1919-1989، أقل من عقدين من الزمن، لنحسن التحاور معه، وبيننا وبينه زمن مفتوح متعدد المستويات إذا حاولنا التعرف إليه، كلٌّ من منظور محدد تاريخياً.
ص 19).
إنه إرساء لأصول وعي تحرري محيطي!
وفي وسع الناظر في كتاب (حياتي)، أن يتعرف إلى الزمن المناسب للكلام الذي يكون من فضة، ونوعية الفضة، واللحظة المباغتة التي يكون الكلام فيها من ذهب” أصلي” أو من عيار متدن، أو مزيف، وحين يكون الكلام من قصدير، وحين يكون من تنك ناتئ، وتلك مراتب: مقامات المعادن في كتابه لمن لديه باعٌ نسبي من المعرفة الباطنية في عالم المناجم ومعادنه ونقاط انتشارها، وما يقابل ذلك من أشخاص كانوا قبله وظهروا من بعده..
وهو ليس سوى كتاب يفيد أهليه معنى تذوق الحياة، أي معنى أن يعرف كل امرئ نفسه، بجلال قدرٍ سقراطي!
وما تقدم ذكره كان في سياق التاريخ المفتوح، وما نعيشه ونتحاور في القرب والبعد بصدده مفصلياً، وأن الذي قمت به، وما زلت، يدخل في عداد اللعنة الميمونة التي تحل فينا وتتجذر، وتتجدد بنبتها وسمتها، وأعنيني هنا على الأقل، تحت إلحاح شعور متبصر، وهو: إن الذي يعيش ظاظا لا يسلم مما ناء به كلكلُه حتى رمسه!
أشير هنا إلى قول له يتجاوز حدود المحلية ويستحضر المأخوذ بالثقافة الفرنسية وكأن مأهولاً بزخمها بقدر ما يعيش مأساة وطنه وشعبه، وفي مذكراته تلك (وما أعرفه هو أنه مادام الكائن البشري يداس بالأقدام ويُضطهد في كل أنحاء العالم، فإن البشرية لا يمكن أن تحلم بأيام سعيدة أفضل.
ص 196).
أرأيتم إذاً لماذا أنا معني به، محرَّره من سجنه الكردي الرمزي وهو الطليق بروحه، وماذا تعني الفانتازيا بالنسبة لذوي الوعي القاصر هنا؟
نعم، لقد كان سعيي الدؤوب وأنا جريحه الروحي، أن أنصفه، وهو تاريخ كامل بأكثر من معنى، بينما غيري، ولا زال، يحاول أو يريد أن” يقصفه” ليجعله على مقاس أشباحه الليلية، كما هو حال سرير” بروكرست” الأثير، وهأنذا، ومازلت حياً ” ما” أُرزق رزقَ طائر” الباتروس”، وبي من القصف الكثير مما عهده الراحل ظاظا!
أقول ذلك لأحدد موقفي من الراحل ومن أي شخصية اعتبارية، بأن ثمة يقيناً معرفياً كاملاً لدي، وهو أن شهادة أعظم عبقري في التاريخ هيرودوت أو ابن خلدون أو ول ديورانت..الخ، لا تعدل البتة، شهادة طفل في السادسة من عمره وليد الراهن، ومشاهد تلفزيوني ومحاط بتقنيات التحري الحديثة علمياً، أي يكون التعامل مع أي شخصية تاريخية، في عداد الراحلين، بعيداً عن أي تقديس، كون تقويل شخص ما، أو نمذجته إلى درجة إخراجه من تاريخه، لهو بمثابة إفلاس تاريخ المستشهد به، أنَّى كان موقعه، كما هو بمثابة التعدي على حرمته وهو في الدار الآخرة.
إن القضية هي فك الارتباط بين أحياء وأموات برؤيتهم الثاقبة، حيث يتنوع رصيد التاريخ.
وبالتالي، فإن ظاظا مات ومات ومات، واستدعاءه بمثابة عقوبة للأحياء دون تبصر، كما هو وضعه الكردي والمساومة على روحه، وتحديثه من جهتي بمثابة رؤية ما وراء التاريخ الشخصي والمحلي كما تقول كتابته، وهو الفارق الملحوظ هنا، فارق بين النفخ في الشعرة، والنفخ في منطاد لرؤية الأبعاد أوقيانوسياً ومن عل ٍ!
أختصر القول: لم يمت ظاظا العتيد وهو الفقيد، ما مات هو الدنيوي الزائل، لم يتوقف عن محاورة ومواجهة من يريدون الاستهتار بشعب كامل، من هم داخلون في سوق نخاسة القضية الاعتبارية لوطن وشعب كامل وأكثر من شعب، حيث إن الدماء النازفة، والضحايا المتتابعة، والأصوات الداعية إلى مخرج جليل لأزمة مستفحلة سورياً، وأكثر استفحالاً كردياً، هي التي تبقي ظاظا خارج قبره، حيث يعيش السياسي على الطريقة الكردية مأزق انبنائه الذاتي المهمش بغيره وبه، ونزقه الصريح كلما لفِظ اسم المثقف، ومدى/ نسبة تداخله مع السياسي..
يبقى السؤال إذاً: أي فانتازيا طرحت اسمه، وأقحمته في حُمَّى الجاري يا ترى؟
رحل ظاظا: الجسد الفاني، وبقي الروح العاني” الأسير” الشغوف بالحرية عموماً وحرية شعبه الكردي خصوصاً، ولعل الذي سعى إليه جاهداً، كما تقول حيثيات مذكراته، وفي عـِلم الكردي الذي لا يعلَم بذلك، وهو مطَّلع عليها، وما تاق إلى تحقيقه، يمكن استخلاصه في مخاض الأحداث سالفة حيث نعيش عنفها ووطأتها.
كما لو أن ظاظا المفكر ونباهة رؤاه كائن ينتمي إلى المستقبل، أو يعيش له، وهو في لحده النائي عن وطنه، وأن ما كان يدعو إلى التكاتف حوله هو ما سجن من أجله سنة 1960، وما عاشه من مقاومات جسمانية وفكرية وروحية بعد ذلك ليس بالنسبة لشعبه الكردي في ظروفه الراهنة آنذاك، وإنما للذين كان يعيش معهم من أبناء الشعوب الأخرى: العرب وغير العرب، وأستطيع القول بفانتازيتي المسماة، أن الذي زجه طليقاً في رحابة الحياة وهو كليم الروح والفؤاد من بني جلدته ومن كانوا يتحدثون باسمه، وكان ضحية نظام متجبر حينذاك، وضحية الذين أحالوا دون تسرب فكره النيّر إلى المحيطين به من البسطاء، وهم كانوا رهانه وصمَّام أمانه وبوصلته في تحديد جهة الخلاص النوعي نسبياً، بأكثر من معنى، وفي وقت عصيب للغاية، أعني بهم من كانوا ممثلي الكرد وثمة أحياء منهم حتى اللحظة، وقد اختزلوا فكره وتاريخه وشعلة روحه (الكاويَّة: من كاوا الحداد)، هو الذي أخرجه مقهوراً مهزوماً رغم أنفه، وأن خروجه القسري من دائرة الجغرافيا الكردية شعباً وثقافة وتاريخاً، كان أشبه بالتوقيع على بياض لمن ظلوا يتكتمون على اسمه، لا بل ويشهرون به كلما أشير إليه، وأن استعادته ظاظا من نوع مغاير كلياً قبل سنوات معدودات، كان لتمرير مآرب أخرى، كما هو مفهوم الإطاحة بالمثقف العضوي والعابر للحدود الكردية، ليظل منه بمعايير الأدلجة الكردية المتحزبة ما كانوا يرومون منه وهو بينهم.
إن الحديث عن الحاضر الغائب تحقيقاً، لمـ”مآرب” أخرى ليس من اغتيال مستمر له لصالح ما لم يكن يريده!
سلوا الراهن، يجئكم الجواب: ظاظا الشهيد المتتابع والممثَّل فيه، والمستشهد به وإن لم يُذكر باسمه، من خلال الحراك الكردي- الكردي، الكردي – غير الكردية، وكيف يجري التحضير لأنشطة ذات طابع ثقافي وفق إحداثيات تناسب وقصور الوعي الحزبي الكردي فيما يدعو إليه ويتنادى باسمه، حيث يسود مناخ أقل ما يمكن وصفه هو سديميته، كما لو أن زمن ظاظا يستعاد بكل حمولته الانفجارية وزخمها العنفي المجمَّل بالثقافي!
دققوا في حركية الأحداث الجارية، وكيف يتحرك الكرد عبر ممثليهم، وأي إقصاء يحدث للمثقف في حمَّى التسابقات الذاتية رغم كل المرئي في الجهود المعتبرة تحت يافطات شعبوية واستقدامية كردية هنا وهناك، ومن ثم تحرَّوا خطوط تماسه مع التاريخ، والعبرة المصطفاة من الأحداث، وصِلُوا بين قائمة الخطوط التي تقطع الجغرافيا الكردية والثقافة الكردية ومن هو على رأس عمله الكرديّ الطابع، ومنغّصات الحالة والإحالة، بين الصورة الكردية في مزَقها، والكلمات التي تسمّيها أو تؤرّخ لها في تاريخ مفتوح، ستجدوا العظيم بروحه خارج قيده الكردي الصدىء والمتداول والملوَّح به في وجه كل متطلع إلى ثقافة عابرة لحدودها المحلية، كما لو أنه حاضر في كل جلسة، وكل ركن بيت عامر بصخب الحوار، وكل أمل متوخَّى، كما لو أنه لا يكف عن إقلاق راحة الموتى من أحياء الأمس واليوم، كما يستحقون حق استحقاق، ليكون تذوق الحرية واقعاً فعلياً وعن جدارة، وتتخفف وطأة اغتراب الكردي- الكردي خارج قاعة هذا الاجتماع المحموم أو ذاك، كأني به في حوار هادىء كروحه صاخب وجلي الحركة عنيفها أحياناً كما هو جسمه المأخوذ بناريّة الروح الوقَّادة تلك.
وكل ذلك كان موضوعي كتابي المتواضع عنه، في محاولة إرساء فكر ظاظي مؤمم مما هو ديماغوجي كالذي اعتدناه حتى الساعة، أي (الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا” موجز دراسة حياة مستمرة”-2007).
لقد قلت في بداية حديثي عنه، وأكرر هنا للتنويه فقط (بيننا وبين الدكتور نورالدين ظاظا الذي عاش بين عامي 1919-1989، أقل من عقدين من الزمن، لنحسن التحاور معه، وبيننا وبينه زمن مفتوح متعدد المستويات إذا حاولنا التعرف إليه، كلٌّ من منظور محدد تاريخياً.
ص 19).
إنه إرساء لأصول وعي تحرري محيطي!
وفي وسع الناظر في كتاب (حياتي)، أن يتعرف إلى الزمن المناسب للكلام الذي يكون من فضة، ونوعية الفضة، واللحظة المباغتة التي يكون الكلام فيها من ذهب” أصلي” أو من عيار متدن، أو مزيف، وحين يكون الكلام من قصدير، وحين يكون من تنك ناتئ، وتلك مراتب: مقامات المعادن في كتابه لمن لديه باعٌ نسبي من المعرفة الباطنية في عالم المناجم ومعادنه ونقاط انتشارها، وما يقابل ذلك من أشخاص كانوا قبله وظهروا من بعده..
وهو ليس سوى كتاب يفيد أهليه معنى تذوق الحياة، أي معنى أن يعرف كل امرئ نفسه، بجلال قدرٍ سقراطي!
وما تقدم ذكره كان في سياق التاريخ المفتوح، وما نعيشه ونتحاور في القرب والبعد بصدده مفصلياً، وأن الذي قمت به، وما زلت، يدخل في عداد اللعنة الميمونة التي تحل فينا وتتجذر، وتتجدد بنبتها وسمتها، وأعنيني هنا على الأقل، تحت إلحاح شعور متبصر، وهو: إن الذي يعيش ظاظا لا يسلم مما ناء به كلكلُه حتى رمسه!
أشير هنا إلى قول له يتجاوز حدود المحلية ويستحضر المأخوذ بالثقافة الفرنسية وكأن مأهولاً بزخمها بقدر ما يعيش مأساة وطنه وشعبه، وفي مذكراته تلك (وما أعرفه هو أنه مادام الكائن البشري يداس بالأقدام ويُضطهد في كل أنحاء العالم، فإن البشرية لا يمكن أن تحلم بأيام سعيدة أفضل.
ص 196).
أرأيتم إذاً لماذا أنا معني به، محرَّره من سجنه الكردي الرمزي وهو الطليق بروحه، وماذا تعني الفانتازيا بالنسبة لذوي الوعي القاصر هنا؟
نعم، لقد كان سعيي الدؤوب وأنا جريحه الروحي، أن أنصفه، وهو تاريخ كامل بأكثر من معنى، بينما غيري، ولا زال، يحاول أو يريد أن” يقصفه” ليجعله على مقاس أشباحه الليلية، كما هو حال سرير” بروكرست” الأثير، وهأنذا، ومازلت حياً ” ما” أُرزق رزقَ طائر” الباتروس”، وبي من القصف الكثير مما عهده الراحل ظاظا!
أقول ذلك لأحدد موقفي من الراحل ومن أي شخصية اعتبارية، بأن ثمة يقيناً معرفياً كاملاً لدي، وهو أن شهادة أعظم عبقري في التاريخ هيرودوت أو ابن خلدون أو ول ديورانت..الخ، لا تعدل البتة، شهادة طفل في السادسة من عمره وليد الراهن، ومشاهد تلفزيوني ومحاط بتقنيات التحري الحديثة علمياً، أي يكون التعامل مع أي شخصية تاريخية، في عداد الراحلين، بعيداً عن أي تقديس، كون تقويل شخص ما، أو نمذجته إلى درجة إخراجه من تاريخه، لهو بمثابة إفلاس تاريخ المستشهد به، أنَّى كان موقعه، كما هو بمثابة التعدي على حرمته وهو في الدار الآخرة.
إن القضية هي فك الارتباط بين أحياء وأموات برؤيتهم الثاقبة، حيث يتنوع رصيد التاريخ.
وبالتالي، فإن ظاظا مات ومات ومات، واستدعاءه بمثابة عقوبة للأحياء دون تبصر، كما هو وضعه الكردي والمساومة على روحه، وتحديثه من جهتي بمثابة رؤية ما وراء التاريخ الشخصي والمحلي كما تقول كتابته، وهو الفارق الملحوظ هنا، فارق بين النفخ في الشعرة، والنفخ في منطاد لرؤية الأبعاد أوقيانوسياً ومن عل ٍ!
أختصر القول: لم يمت ظاظا العتيد وهو الفقيد، ما مات هو الدنيوي الزائل، لم يتوقف عن محاورة ومواجهة من يريدون الاستهتار بشعب كامل، من هم داخلون في سوق نخاسة القضية الاعتبارية لوطن وشعب كامل وأكثر من شعب، حيث إن الدماء النازفة، والضحايا المتتابعة، والأصوات الداعية إلى مخرج جليل لأزمة مستفحلة سورياً، وأكثر استفحالاً كردياً، هي التي تبقي ظاظا خارج قبره، حيث يعيش السياسي على الطريقة الكردية مأزق انبنائه الذاتي المهمش بغيره وبه، ونزقه الصريح كلما لفِظ اسم المثقف، ومدى/ نسبة تداخله مع السياسي..
مباشرة: أيها الحزبيون الكرد، لم يمت ظاظا، إنه بيننا، دققوا إذاً في خياراتكم، في الزواريب التي تسلكها خطواتها، والأعاجيب التي تحْبُكها خيالاتكم، حتى لا تلعنكم روحه علانية مجدداً، وعلى رؤوس الأشهاد هذه المرة، وقبل أن يلفظكم التاريخ وأنتم في النزع الأخير.
هل وصلت الرسالة؟
هل وصلت الرسالة؟