جُـنَّ النظـام السوري

حسين جلبي

لقد جُنَّ النظام السوري، لقد فقد اليوم آخر ذرة ضمير كان يختفي خلفها، و آخر ذرة عقل كان يراهن البعض على أنه يمتلكها.
اليوم ضرب هذا النظام المنفلت من عقاله بعنف في كل الإتجاهات، فبعد أن كان يوزع الموت بالتقسيط على السوريين طوال الشهور الماضية، أقدم اليوم على إرتكاب جرائم بالجملة بصورة لا يقدم عليها أي إنسان مهما كان غير سوي و يعاني من إختلالاتٍ نفسية.

اليوم تبين بشكلٍ واضح درجة الخطورة التي وصل إليها هذا النظام المريض المتهالك، و كيف أن عزله و الحجر عليه و وقفه عند حده قد أصبحا ضرورةً إنسانية قبل أن يكون ذلك ضرورةً سورية و إقليمية.
صحيح أن شرعية هذا النظام لم تكن على المحك، لأنه لم يمتلك شرعيةً في يوم من الأيام، و لكنه اليوم أسفر نهائياً عن حقيقته، فلا مقاومة و لا ممانعة و لا إصلاحات، بل كل الأسلحة و كل الشعارات و كل الترقيعات في خدمة بقاء النظام، حتى لو لم يبقى في سوريا شعب و لم يبقى من سوريا سوى الأسم.

و إذا كان من السقوطِ بُدٌ فليكن النظام آخر الساقطين، و لكن بعد أن يفترس كل السوريين و بعد أن تصبح سوريا أثراً بعد عين.
اليوم ضرب الحقد الأسود في كل مكان في سوريا، حطم النظام المغرم بالأعلام القياسية رقمه القياسي في عدد ضحاياه ليومٍ واحد، و رقمه القياسي في إحتلال أكبر عدد من المدن و المناطق و القرى السورية في يوم واحد، و تحريك أكبر عدد من الدبابات في يومٍ واحد، و خوض أول معركة حقيقية في تاريخه.
أيُّ حقدٍ مرضيٍّ أسودٍ هذا الذي ينوء تحته أفراد النظام السوري، إنه يستحق حقاً أن يصبح مضرباً للأمثال و مقياساً يقاس عليه على مدى العصور، و مادة للدراسة في كليات العلوم النفسية في العالم، فإذا ما إستعرض المرء كتب التاريخ، و إستعاد مشاهداته و ما تناهى إلى مسامعه من وقائع، و حتى من أفلامِ رعبٍ، فلن يجد في كل ذلك مثيلاً لما يرتكبه النظام السوري هذه الأيام، خاصة أن الشعب السوري الأعزل لم يقم بأي عملٍ يبرر هذا المنسوب المرتفع من الإجرام الذي يتعرض له.
مهما حاول المرء أن يفهم أسباب ما يرتكبه النظام اليوم فلن يستطيع الوصول إلى أسبابٍ عقلانية أو منطقية، فالشعب السوري ليس مسؤولاً عن لا شرعية النظام، و هو لن يستطيع أن يسبغ عليه الشرعية حتى إذا رغب بذلك لأسباب تتعلق بطبيعة النظام و جوهره.

إذاً للتعويض عن عقدة  النقص التي يعاني منها النظام، و بسبب تضخم عقدة الخوف لديه، يقوم بضرب المتظاهرين بلا هوادة، ضرباً قاسياً يهدف إلى نقل عقده إليهم، و تغيير إتجاه الخوف مرةً ثانية إلى الضفة الأخرى، ضفتهم، لكنه لم يفهم بعد أن ضرباته تقوي و لا تضعف، و إن السفينة التي نقلت الخوف من ضفة الشعب إلى ضفة النظام قد أُحرقت، أحرقها الشعب، و إن هذا الخوف قد إستوطن نهائياً في الضفة الأخرى، ضفته، و هو بصدد إلتهام من عليها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…