في الرابع من شهر أيلول عام 2006 أصدر رئيس إقليم كردستان العراق المناضل مسعود البارزاني مرسوماً كلف بموجبه لجنة من إقليم كردستان للتحقيق في قضايا الأشخاص المتعاملين (المتعاونين) مع النظام الدكتاتوري البائد وأجهزته الأمنية ومن ثم محاسبتهم وفق دستور الإقليم .
قد يعتبر البعض أن القرار جاء متأخراً ، أو يدعي البعض الآخر أن السيد الرئيس قد أصدر عفواً شاملاً في وقت سابق ، فلماذا هذا القرار ؟
صحيح أن الرئيس مسعود بارزاني وفي وقت سابق ( بعد إقامة المنطقة الآمنة وتشكيل أول برلمان وحكومة كرد كرديتين قد أصدر عفواً عاماً ، هذا العفو الذي رسخ ثقافة التسامح وعزز من عوامل الأمن والاستقرار في كردستان ، وأيضاً ساهم في ملء الشواغر والفراغات في مختلف دوائر حكومة ومؤسسات الإقليم ، وكذلك في رفد الإقليم بخبرات إضافية في مختلف المجالات الأمر الذي ساهم في تحقيق التنمية في الإقليم , ولكن إلى جانب كل هذه العوامل الإيجابية التي حققها قرار العفو لا يمكن نسيان أو غض النظر عن الجرائم الكبرى التي ارتكبها البعض أو تسبب بارتكابها في حق الشعب الكردي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو البشري , وكذلك لا يمكن بأي شكل من الأشكال التساهل مع أولئك الذين استمروا في غيهم وضلالهم باستمرار التعاون مع النظام السابق حتى بعد تشكيل المنطقة الآمنة وإقامة نظام فدرالي في كردستان العراق خارج عن إرادة سلطة النظام السابق , وإذا كانت الأوضاع غير المستقرة في الإقليم ( للأسباب الداخلية والخارجية المعروفة ) قد شكلت عقبة كبيرة في محاسبة عملاء النظام السابق وبالتالي تأجيل البت في هذا الموضوع الخطير حتى تتوفر الظروف المناسبة , فأنني اعتقد أن الرئيس مسعود البارزاني قد اتخذ هذا القرار باعتباره رئيساً للإقليم ويستند على قاعدة شعبية عريضة ودعم لا محدود من الشعب والبرلمان والحكومة واستقرار مشهود له ينعم به إقليم كردستان العراق , لذلك جاء هذا المرسوم في منتهى النضج والحكمة والمسؤولية التاريخية ( فالشعب قد يمهل ولا يهمل ) والقادة العظام أمثال مسعود البارزاني الذي سخر كل حياته ووقته وجهده وعقله وتفكيره لخدمة هذا الشعب وقضاياه وطموحاته المشروعة مهما اتسم به من ثقافة التسامح وسعة الصدر والعفو عند المقدرة ( وهو كذلك ) لا يمكن أن يتساهل مع أولئك الذين بنوا أمجادهم وسعادتهم وجاههم وجنوا رواتبهم وأموالهم على حساب مآسي وويلات ودماء أبناء شعبهم وقضاياه المصيرية , لقد كان إصدار هذا المرسوم وهو بداية يوم الحساب لأولئك الذين امتهنوا العمالة والخيانة .
وإذا كان هذا المرسوم سيتم التعامل به على أرض الواقع في كردستان العراق لوحدها في الوقت الحاضر إلا أنه يحمل في طياته رسالة سياسية واضحة يجب أن يتعظ منها أبناء شعبنا في كردستان تركيا وإيران وسوريا , وتلك الشريحة التي تضع نفسها وأموالها وجاهها تحت تصرف الجهات التي تضطهد أبناء شعبها وذلك للحصول على المنافع الآنية ناسين أو متناسين أن الأوضاع لابد أن تستقيم يوماً ما وأن الشعب الكردي لابد أن يحصل على حقوقه طال الدهر أو قصر وأن تلك الشريحة ستجد نفسها يوماً ما أمام محكمة الشعب والتاريخ وأنها ستلعن اليوم الذي أقدمت فيه على ذلك السلوك المشين .
فهل يعيد هؤلاء النظر في سلوكهم وعلاقاتهم ويعودون إلى أحضان شعبهم وجماهيره العريضة قبل أن يأتي يوم الحساب ؟
القامشلي في 8-10-2006