وجهة نظر بخصوص احداث توازن جديد مرتقب في الشرق الأوسط، وموقع الكورد من ذلك

 

محمد محمد ـ ألمانيا
لقد بات, أكثر فأكثر وضوحا, للعديد من المتتبعين والمهتمين بققضايا الشرق الأوسط، بأن هناك ثمة بزوغ آمال متنوعة جديدة قديمة تلوح في الأفق لدى التكوينات الاجتماعية المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب والمعتقدات هناك, بضرورة احداث توازن جديد في المنطقة, بعد أن عانت العديد من تلك الشعوب والطوائف من الاضطهاد والحرمان عبر التوازن السابق الذي لايزال يسري مفعوله العام حتى الآن، رغم  تحقيق بعض الانجازات ” تحرير افغانستان، العراق …”

 

ذلك التوازن الذي أحدثه بعض الحلفاء الأوروبيين  قبل وعقب الحرب العالمية الأولى, والحفاظ على بقائه دون تغيير يذكر طيلة ظرف الحرب الباردة، عندما تم آنذاك بشكل تخميني سريع، اجبار العديد من الشعوب المختلفة الأعراق والأديان والمذاهب, لتعيش معا في ظل ثقافة وسلطة فئة واحدة في دولة جغرافية معينة هنا وهناك، وما كان ينجم من ذلك التعسف من اضطهاد وآلام للفئات الأخرى.

.

وهن المفيد هنا في سياق الموضوع، أن يتم تبيان بعض العوامل والدوافع المختلفة المهمة التي تستدعي احداث ذلك التوازن الجديد  كالتالي:

 

ـ تصميم الغرب الجدي منذ انتهاء الحرب الباردة, وبنوع من التفاهم مع بعض القوى الدولية المهمةالأخرى (مثل روسيا الاتحادية، اليابان، الهند، استراليا وغيرها)، على ضرورة احداث تغييرات وتعديلات جيوبوليتيكية متدرجة بطيئة نسبيا، وهادئة طبيعية حاسمة في منطقة الشرق الأدنى والأوسط وحتى في بعض مناطق جنوب شرق آسيا أيضا، وذلك انطلاقا من ضرورة ازالة الآثار السلبية التي نتجت عن الصراع البارد الشديد والطويل بين كتلتي المعسكرين الشرقي والغربي السابقين، ذلك الصراع الذي استفادت منه العديد من السلطات الدكتاتورية الشوفينية والهمجية، وذلك بحصولها على الدعم الكبير وحتى أحيانا بدون مقابل في المجال السياسي, الاقتصادي, العسكري والتدريبي من كليهما، بالاضافة الى تغاضيهما النظر عن ما كانت ترتكبها تلك السلطات من اضطهاد وكبت لشعوب المنطقة, من جهة, ومن منطلقات سياسية واقتصادية عولمية- واجتماعية تخص مسائل نشر الحرية والديموكراتية بغية جلب وتعزيز الاستقرار ومحاربة التطرف والارهاب الدولي والممولين والمحركين له من بعض السلطات العروبية والتركية والاسلامية الأخرى هناك من جهة أخرى.

وفي اطار ذلك التصميم، تمكن الغرب بعد حرب تحرير الكويت، من الدفاع بقوة لاصدار قرار دولي لمجلس الأمن سنة 1991 بعد الانتفاضة والهجرة المليونية للكورد الجنوبيين آنذاك, بانشاء بعض المناطق الآمنة لهم هناك، ومن ثم مواصلة الغرب  حماية تلك المناطق ( بشكل أقوى أمريكا- بريطانيا ) حتى تحرير العراق سنة 2003 ، وذلك رغم تكاليف ومعارضة السلطات الغاصبة المجاورة وحتى الغير المجاورة لتلك الحماية, ورغم مقاتلة PDK , YNK ، PKK، لبعضها البعض، وتعامل العديد من قيادات تلك الأطراف مع السلطات الغاصبة، لتضر بالمصالح الاستراتيجية للشعب الكوردستاني، ولتضر بالمشروع الغربي الديموكرتي في الشرق الأوسط أيضا.

ثم تشكيل دولة ارتيريا، تمكين الوصول الى عقد اتفاقيات أوسلواـ كامب ديفيد بين اسرائيل وبين الفلسطينيين ، تشكيل دولة تيمور الشرقية، حماية دولية لبوسنا ولكوسفو، اهتمام الدولي الديمكراتي النسبي بقضايا دعم عوامل نشر الحرية والديموكراتية في الشرق الأوسط … وغيرها.

وبعد أحداث  11.09.2001 الارهابية في أمريكا، بدأ الغرب يتصميم أكثر و بتسارع أكبر، القيام بتهيئة  تشكيل توازن جديد قادم لصالح التوجه العالمي الساعي الى تأمين عوامل السير في طريق الحريات والديموكراتية,ومكافحة الارهاب ومموليه ومحركيه من بعض السلطات العروبيةـالتركيةـ الاسلامية القوموية المتطرفة المعادية للتوجهات الغربية الجديدة، وليتم جلب الاستقرار الملائم للتواصل وللتطور التجاري والاقتصادي العالمي أيضا.

وبهذا الصدد قام الغرب بتحرير افغانستان، العراق، ونسبيا لبنان، وتأمين حقوق شعب جنوب سودان وفق اتفاقيات دولية قوية، والاهتمام الدولي الديموكراتي المتزايد بقضية شعب دارفور، وخصوصا بعد صدور القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي رقم 1706 الخاص بحمايته، وكذلك لاتزال EU-USA تمارس ضغوط قوية على السلطة البعثية الشوفينية الدكتاتورية في سوريا بشكل خاص، وعلى السلطات الاسلامية القوموية المتطرفة الشوفينية في ايران، السعودية، تركيا أيضا ولو بدرجات متفاوتة بشكل عام.

 

ـ ترحيب العديد من القوى الساعية الى الديموكراتية والرفاهية، وكذلك من الشعوب والطوائف المضطهدة والمهددة الساعية الى الحرية بالمساعي الأوروبيةـ الأمريكية الهادفة الى تحقيق ذلك التوازن الجديد الخير، ” كالكورد والآلويين الكورد في تركيا – سوريا ـ العراق ـ ايران، والشيعة في العراق ـ السعودية ـ البحرين، البلوش في ايران ـ باكستان ,الأرمن الذين يطالبون بتحرير بعض مناطقهم المتبقية المحتلة في شمال شرق تركيا، اليونانيين الذين يطالبون بتحرير بعض مناطقهم المتبقية المحتلة في تراقيا الشرقية في غرب تركيا وفي مناطق بحر ايجة وفي شمال قبرص، شعب جنوب السودان، شعب دارفور، الدروز، الأقباط والنوبيين في مصر, الشعوب الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا… وغيرهم” .

 

ـ المساعي الايرانية الفارسية والشيعية الكبيرة، والهادفة الى استعادة دورها، ليتمكن بقوة أكبر منافسة النفوذ والدور السني العربي والسني التركي في المنطقة، وذلك نظرا الى رجحان تأثير هذا الأخير منذ القرن السادس عشر، عندما استول العثمانيون التورانيون السنة على أقسام كبيرة من المناطق الفارسية ـ الكوردستانية في آسية الصغرى بدءا من اواسط الأناضول ومن سواحل البحر المتوسط والبحر الأسود، وفي بلاد الرافدين وشمال بلاد الشام، ومنذاك قد تعرض الشيعة والآلويين الفرس والكورد خصوصا الى الابادة والتتريك والتسنن بشكل قسري ووحشي.

حيث يذكر المؤلف الألماني الشهير Peter Scholl-Latour في كتابه Die Türkei in der Zerreißprobe بعد رحلة له سنة 1998 الى تركيا واستنادا الى مصادر متنوعة، بأن القوات العثمانية قتلت في عام 1514 حوالي 40000 شخصا من الآلويين، ويذكر أيضا حسب مصادر رسمية أخرى بأنه تم قتل حوالي 100000 من الآلويين، وابعاد مئات الآلاف منهم ايضا الى قبرص والمناطق البعيدة الأخرى في ذلك الوقت، وكان العثمانيون يجبرون ويرغمون الآلويين بالتحول الى سنة, وتغيير أسمائهم والقاب مرشديهم، لذلك كانوا ينتقلون الى المناطق الجبلية

 

وأحيانا كانوا يخفون هوياتهم وطقوسهم الروحية والثقافية أيضا، انتهى الاقتباس من الكتاب الألماني المذكور.

 

وأعتقد انه رغم ظهور العديد من القيادات الايرانية الأساسية بمظهر معاداة الغرب واسرائيل، فان الهدف الأساسي الكبير لهم هو تشكيل قوة منافسة حاسمة ضد النفوذ السني العربي والتركي في المنطقة، وهذا بالطبع يعلمه الغرب جيدا وربما لا يعارضه أيضا، وخصوصا عندما تبين له بعد أحداث 11.09.2001 الارهابية، بأن العديد من التيارات السنية العروبية الرسمية في الخليج والسودان والعراق السابق، والنظام السني الافغاني السابق، وبتسهيلات ضمنية حتى من السلطات السنية التركية، بالاضافة الى السلطة البعثية العروبية البعثية السنيةـ العلوية في سوريا كانت تدعم وتوجه بشكل غير مباشر ماديا ومعنويا واعلاميا وحركيا مجموعات القاعدة السنية الارهابية قبل  تلك الأحداث، وذلك لانتقام تلك السلطات للغرب وتخويفه، بسبب دعمه منذ انتهاء الحرب الباردة لقضايا نشر الحريات والديموكراتية في الشرق الأوسط، وكذلك بسبب  حمايته منذ بداية التسعينيات لبعض مناطق الكورد الجنوبيين المهددين، علما أن الغرب كان ومنذ عقود داعما للعديد من السلطات السنية الأساسية في مصر والخليج وتركيا وباكستان وغيرها، وتبين لاحقا بعد تلك الأحداث، كيف طعنت  ظهر الغرب بتورطاتها تلك في دعم تلك المجموعات القاعدة السنية الارهابية آنذاك.

فيمكن أن تشكل القوة الايرانية والشيعية المتصاعدة ” طبعا بدون أسلحة نووية” عاملا رادعا آخرا للغرور والتبجح السني العربي والتركي في المنطقة، أي أن يكون التوازن الجديد المرتقب تنوعا متكافئا بين التيار الايراني والشيعي وبين التيار السني العربي، وبين التيارالسني التركي, وبين الغرب الداعم والكورد والعلمانيين الآخرين في المنطقة .

 

وعلى العموم، فان درجة تحقيق هذا التوازن الجديد المنشود، تتعلق قبل كل شيء بمدى قابلية المنظمات والشعوب الساعية الى الحريات والديموكراتية في المنطقة للتعاون الجاد العلمي الصادق مع EU-USA والدول الديموكراتية الدولية الآخرى، لعرقلة حركة المجموعات الارهابية في الدول التي حررها وستحررها هذه الدول، بغية جلب الاستقرار والأمان في المنطقة، لا أن يكون ذلك كما حدث في العراق بعد التحرير.

وهنا لا بد من القول، بأن القيادات الكوردستانية والشيعية والسنية المعتدلة الأساسية في العراق، وللأسف الشديد، لم تتعاون كما هو مطلوب مع قوات الحلفاء بعد تحرير العراق ، مما أدى ذلك الى خلق مشاكل ومتاعب وضحايا كثيرة وأليمة أمام الحلفاء وأمام الشعوب العراقية أيضا، في الوقت الذي تمكن بعض الحفاء الأمريكيين ـ الأوروبيين من تحرير العراق من السلطة الهمجية الصدامية خلال ثلاثة أسابيع وبعدد محدود جدا من ضحايا الحلفاء اثناء الحرب .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…