أحمد اسماعيل اسماعيل
لو قدر لأحد أن يجري استبياناً جماهيرياً لا يستثني أحداً من البشر حول ضرورة التغيير وجدواه، أي تغيير، ومنذ فجر التاريخ وحتى الأمس القريب؛ لوجد السائل نفسه محل سخرية أو إشفاق من الجميع ، يستوي في ذلك من يعلمون ومن لا يعلمون ، لبداهة مفادها : بأنه ما كان للإنسان أن يغادر كهفه وينتصر لحريته على أعدائه من وحوش وجيوش وسادة وسلاطين؛ لو رضي بالاستقرار واقعاً، وقنع بما وجد عليه نفسه وآباءه من قبله ، ولكن الآية ستنقلب لصالح السائل لو لم يدرك هؤلاء ويقروا ببداهة مفادها: أنه ما كان للبشر أن يشهدوا هذه السلسلة من التطورات الحضارية والتاريخية لولا خروج بعضهم على عقلية القطيع ،وتحديهم لأنصار المحافظة على الاستقرار وواقع الحال،
فلو قيض لأنصار الاستقرار وأعداء التغيير أن ينتصروا في كل زمان ومكان بدعوى المحافظة على الثقافة السائدة التي تُشكل في نظرهم هوية المجتمع وضمانة أمنه ومنعته ، لما كانت القرابين البشرية ووأد البنات والاستمتاع بقتل العبيد في ميادين المصارعة ، و بيع صكوك الغفران ، و التضرع لقبور الأولياء ، و الإبادة البشرية بدافع ديني أو عرقي، و حرق العلماء ، و أكل الصبي البكر في الصين ، وقتل المرأة بعد موت زوجها في الهند ، والثأر والحيار..
لما كانت هذه العقائد والأعراف والممارسات في يومنا هذا محل استهجان وإنكار بوصفها فعلاً من أفعال الهمجية والتخلف، ولكان كل من يتمرد عليها أو يدعو إلى تغييرها ، قولاً أو فعلاً ، كافراً وعدواً للمجتمع ،تجب محاسبته وإنزال أقسى العقوبات عليه ، من تسفيه أو تخوين أو سجن أو حرق أو قتل.
واليوم ، ورغم تجاوز مجتمعاتنا لتلك الثقافة، وذلك بفضل جهود وتضحيات المجددين ودعاة التغيير الذين جابهوا أولي الأمر وحراس مصالحهم وفقهاء استبدادهم وأنصارهم الصامتين والمحافظين من دعاة الاستقرار ، فإن ذهنية وعقلية القطيع التي تعيد إنتاج الثقافة نفسها بما يتوافق مع طبيعة كل مرحلة تاريخية متجسدة هذه المرة في أعراف وعقائد وأشكال من خرافات لا تختلف إلا في الشكل والتسمية عن سابقاتها في أزمان مضت ؛ خرافات حديثة ومعاصرة ، سياسية وغير سياسية ، من مثل قرابين إهدار كرامة الشعوب وقمع حرية الأفراد، ووأد حقوق المرأة وإرادتها ، وتكفير المثقفين وحرق أحلامهم ومشاريعهم ، واستمرار عبودية العمال من خلال دستور عرفي أساسه الخضوع والولاء لا الكفاءة والاجتهاد ..وما شابه كل ذلك من خرافات وسياسات سيعتبر المتمرد عليها ، قولاً أو فعلاً ، كافراً ومارقاً ومهدور الوطنية.
ومن العجب العجاب أن نرى أنصار المحافظة على واقع الحال يتباهون بتمرد أنبياء وقادة فكر أو ثورات ، ممن يدينون لهم بالولاء ، دون تفكير بأن هؤلاء ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه لو لم يخرجوا على عقلية القطيع ، وارتضوا بواقع الحال طلباً للأمان والاستقرار ، أو لو نجح أنصار المحافظة على بنية وثقافة المجتمع ، لكانوا هم أنفسهم اليوم وثنيين وعبيد وسكان كهوف وخيام ، لا دين لهم ولا عقيدة ولا نظرية تقدمية .
هذا الأمر الذي يتكرر في كل مرحلة ينهض التغيير وأهله بقوة ، ليس غريباً أن نشهد نهوضه اليوم أيضاً.
وإذا كان من يهتف للتغيير هو الخلف الصالح لمن حمل صليبه وصوته وسار نحو الجلجلة أو المحرقة أو المشنقة، فبماذا يمكننا أن نصف المناهض له ؟
إن الموضوعية تقتضي منا عدم وضع كل من يدعو إلى دوام الحال والحفاظ على الاستقرار في خانة واحدة ،فهؤلاء في ما يذهبون إليه شيع ومذاهب ،ولكل منهم منطلقه وغايته.
فمن هؤلاء من لا يرى في كل تغيير تطوراً وخيراً ، وحجتهم في ذلك ما حدث في العصر الحديث من مآس ومجازر ونكوص تحت يافطة التغيير.
ومنهم من يرى إن إرادة التغيير ليست سوى مؤامرة خارجية ومن ينفذها في الداخل ليسوا سوى عملاء أو أدوات أو أناس سذج ومغرر بهم في أحس الأحوال.
ومنهم أيضاً من يرى أن دعاة التغيير ليسوا سوى طلاب انتقام من سلطة كانت لها معهم جولات ، وسيكونون هم وجماعاتهم المختلفة مع أصحاب الثارات: دينياً أو سياسياً أو طائفياً ، أولى ضحايا حروب بسوس أخرى.
ومنهم من يرى في دعاة التغيير وجوهاً مختلفة لا عقولاً ستخط دروباً جديدة.
ومنهم من ينشد السلامة والآمان خوفاً من القادم المجهول .
ومنهم جماعات وجماعات ..
ناهيك عن ضحايا غسل الأدمغة الذين لا يرون في غير السلطة القائمة سلطة .
وفي كل ما يمكن أن نذهب إليه من تصنيف وتحديد جبهات من هم مع، ومن هم ضد، وفي أية مقارنة يمكن أن تجرى بين طبيعة شخصيات رواد التغيير ومناهضيه ،وبين أجندة كلا الطرفين من جميع النواحي ، والتي ستكون محل أخذ ورد، وتفصيل وشرح قد لا يسمح الزمن اللاهث بأحداثه عقد ذلك.
في كل ما ذهبنا إليه وما قد يذهب إليه الآخرون في هذا المجال، ثمة حقيقة في ناموس التاريخ ومسيرة الحياة لا تقبل الجدل، ولا الأخذ والرد ، وهي أن التغيير حتمية وليس خياراً ولا تقليعة أو تدبير من صنع شيطان أكبر أو أصغر، ولا يملك أحد القدرة على نفيه أو إلغائه.
وإزاء هذه الحقيقة لا تملك أية جهة من أمرها سوى التدبير للتغيير لا رفضه ،وإدارته لا إدارة الظهر له ، وتحويل المخاوف والهواجس منه إلى أشجار للتنقية ، لا للصد أو المنع .
a.smail1961@gmail.com
لما كانت هذه العقائد والأعراف والممارسات في يومنا هذا محل استهجان وإنكار بوصفها فعلاً من أفعال الهمجية والتخلف، ولكان كل من يتمرد عليها أو يدعو إلى تغييرها ، قولاً أو فعلاً ، كافراً وعدواً للمجتمع ،تجب محاسبته وإنزال أقسى العقوبات عليه ، من تسفيه أو تخوين أو سجن أو حرق أو قتل.
واليوم ، ورغم تجاوز مجتمعاتنا لتلك الثقافة، وذلك بفضل جهود وتضحيات المجددين ودعاة التغيير الذين جابهوا أولي الأمر وحراس مصالحهم وفقهاء استبدادهم وأنصارهم الصامتين والمحافظين من دعاة الاستقرار ، فإن ذهنية وعقلية القطيع التي تعيد إنتاج الثقافة نفسها بما يتوافق مع طبيعة كل مرحلة تاريخية متجسدة هذه المرة في أعراف وعقائد وأشكال من خرافات لا تختلف إلا في الشكل والتسمية عن سابقاتها في أزمان مضت ؛ خرافات حديثة ومعاصرة ، سياسية وغير سياسية ، من مثل قرابين إهدار كرامة الشعوب وقمع حرية الأفراد، ووأد حقوق المرأة وإرادتها ، وتكفير المثقفين وحرق أحلامهم ومشاريعهم ، واستمرار عبودية العمال من خلال دستور عرفي أساسه الخضوع والولاء لا الكفاءة والاجتهاد ..وما شابه كل ذلك من خرافات وسياسات سيعتبر المتمرد عليها ، قولاً أو فعلاً ، كافراً ومارقاً ومهدور الوطنية.
ومن العجب العجاب أن نرى أنصار المحافظة على واقع الحال يتباهون بتمرد أنبياء وقادة فكر أو ثورات ، ممن يدينون لهم بالولاء ، دون تفكير بأن هؤلاء ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه لو لم يخرجوا على عقلية القطيع ، وارتضوا بواقع الحال طلباً للأمان والاستقرار ، أو لو نجح أنصار المحافظة على بنية وثقافة المجتمع ، لكانوا هم أنفسهم اليوم وثنيين وعبيد وسكان كهوف وخيام ، لا دين لهم ولا عقيدة ولا نظرية تقدمية .
هذا الأمر الذي يتكرر في كل مرحلة ينهض التغيير وأهله بقوة ، ليس غريباً أن نشهد نهوضه اليوم أيضاً.
وإذا كان من يهتف للتغيير هو الخلف الصالح لمن حمل صليبه وصوته وسار نحو الجلجلة أو المحرقة أو المشنقة، فبماذا يمكننا أن نصف المناهض له ؟
إن الموضوعية تقتضي منا عدم وضع كل من يدعو إلى دوام الحال والحفاظ على الاستقرار في خانة واحدة ،فهؤلاء في ما يذهبون إليه شيع ومذاهب ،ولكل منهم منطلقه وغايته.
فمن هؤلاء من لا يرى في كل تغيير تطوراً وخيراً ، وحجتهم في ذلك ما حدث في العصر الحديث من مآس ومجازر ونكوص تحت يافطة التغيير.
ومنهم من يرى إن إرادة التغيير ليست سوى مؤامرة خارجية ومن ينفذها في الداخل ليسوا سوى عملاء أو أدوات أو أناس سذج ومغرر بهم في أحس الأحوال.
ومنهم أيضاً من يرى أن دعاة التغيير ليسوا سوى طلاب انتقام من سلطة كانت لها معهم جولات ، وسيكونون هم وجماعاتهم المختلفة مع أصحاب الثارات: دينياً أو سياسياً أو طائفياً ، أولى ضحايا حروب بسوس أخرى.
ومنهم من يرى في دعاة التغيير وجوهاً مختلفة لا عقولاً ستخط دروباً جديدة.
ومنهم من ينشد السلامة والآمان خوفاً من القادم المجهول .
ومنهم جماعات وجماعات ..
ناهيك عن ضحايا غسل الأدمغة الذين لا يرون في غير السلطة القائمة سلطة .
وفي كل ما يمكن أن نذهب إليه من تصنيف وتحديد جبهات من هم مع، ومن هم ضد، وفي أية مقارنة يمكن أن تجرى بين طبيعة شخصيات رواد التغيير ومناهضيه ،وبين أجندة كلا الطرفين من جميع النواحي ، والتي ستكون محل أخذ ورد، وتفصيل وشرح قد لا يسمح الزمن اللاهث بأحداثه عقد ذلك.
في كل ما ذهبنا إليه وما قد يذهب إليه الآخرون في هذا المجال، ثمة حقيقة في ناموس التاريخ ومسيرة الحياة لا تقبل الجدل، ولا الأخذ والرد ، وهي أن التغيير حتمية وليس خياراً ولا تقليعة أو تدبير من صنع شيطان أكبر أو أصغر، ولا يملك أحد القدرة على نفيه أو إلغائه.
وإزاء هذه الحقيقة لا تملك أية جهة من أمرها سوى التدبير للتغيير لا رفضه ،وإدارته لا إدارة الظهر له ، وتحويل المخاوف والهواجس منه إلى أشجار للتنقية ، لا للصد أو المنع .
a.smail1961@gmail.com