في «نقد الثورة»: نحو ميثاقِِ وطنيِِّ لمستقبل سوريا

إبراهيم اليوسف

تعالوا انظروا الدم يغرق الإسفلت
               بابلونيرودا”

ثمّة حراك شعبي، واضح، ومبشِّر، بحق، بتنا نجده في سوريا، عموماً، ولاسيما في الأسابيع الأخيرة، مع التباشير الفعلية التي تلوح في الأفق، ب” سقوط النظام، بلا رجعى، وبزوغ فجر سوري، أصيل، حيث باتت تظهر لغة جديدة هي: تنسيقية -تجمّع-مؤتمر- ملتقى..

إلخ- وكان منها ما هو موجود، وشكّل شرارة الثورة في كل مدينة وقرية- إلى جانب ظهور أخرى، على غرار نشوء نويَّات أحزاب جديدة، لم نسمع بها، ظهرت كلها، دفعة واحدة، ما حدا ببعض الأحزاب لتحاول أن توجد لنفسها موضع- تنسيقية- أوغيرها، لتضمن لنفسها التوازن، وإمكان الاستمرارية، في مرحلة ما بعد سقوط النظام، أية كانت دوافع هؤلاء،
 إلا أن هذه الروح التي ظهرت فجأة، وخلال أسابيع، فحسب، بعد أن تمكنت مجموعات شبابية، بكسر سطوة ورهبة آلة الخوف المضاعف، وهو ما لم يكن ليصدق أحد أنهم سينجحون، لأن كل المشاركين، في هذه الاحتجاجات، إنّما كانوا ولا يزالون، يعتبرون أنفسهم مشروعاتِ شهداءَ، ولم يخطر ببال أحدهم أنه سيرجع حياً إلى بيته، لكي يكون تحديهم البطولي، بداية شرارة اندلعت، وتبعهم فرسان آخرون، بروح جادّة، إلى أن أصبح الشارع السوري- الآن- يترجم رؤيته وتطلعاته، ولا يقبل بالعودة إلى الوراء، حيث عهد الظلم، والاستبداد، والبطالة، والجوع، والتَّهميش، وانتهاك الكرامة، والحرية، والوطن.

ومن الضروري، أن تتمّ دراسة هذه الحالة، من قبل الغيارى على مشهد الحراك الثوري الشعبي، في كل بقعة من سوريا، باعتباره الضرورة الحقيقية، وإن كان قد أتى نتيجة تضامن وطني، رفيع، مع مدينة درعا، الباسلة ، وأخواتها الباسلات، اللواتي حاولت القبضة الأمنية أن تخرسها بالحديد، والنار، والإلغاء، وبالذِّهنية نفسها التي قام بها سلفه غير الصالح، سواء أكان في حماة، أو حلب، أو قامشلي، أو الرّقة وغيرها، في تواريخ، ووقائع دموية، معروفة، راح ضحية كل تلك المجازر، الآلاف من أبناء شعبنا السوري،  كي يستمرَّ النظام الأمني، متربِّعاً على سدّة كرسيه.
 وبشيء من الجرأة، فإن أية ثورة شعبية ، لابدَّ من  أن يرافق مسيرتها النقد-ضمن أطر محددة من الحب والحرص والاحترام-  لكي تحقق أهدافها المنشودة، و تزيل أية عثرات، من شأن النظام الحريص على إفشال هذه الثورة، وزحزحتها، ما استطاع عن مساراتها المرسومة، استغلالها، وهو ما لم يقصر عن القيام به، أصلاً، وهو يدلس على الثورة، ويزوّر حقيقتها، ويزيف جوهرها، ويشوِّه صور أبطالها الفاعلين- مع أن لا أخطاء وقعت حتى الآن من قبل أبطالها الميدانيين- أجل، لقد فعل كل ذلك، منذ اللحظة الأولى لاندلاع هذه الثورة، سواء أكان  ذلك من خلال جوقات إعلامييه المضللين، فاقدي شرف الكلمة، والمهنة، والأخلاق،  أو من خلال عيونه، وأبواقه، المأجورين، ناطقين، ومحللين، محليين أو مستوردين، ومن كل الشرائح، بدءاً من الراقصات، والراقصين، فعلياً ومعنوياً، وانتهاء ببعض تجار الدين السياسي، الراقصين على بحر الدم السوري، ومحاولته الدسّ بين المكونات السورية، وهذا ما لم يتمكن من النجاح فيه، نظراً لعلو كعب الروح الوطنية، لدى مواطننا، ولذلك، فإنّ رموز الثورة،  سواء أكانوا مثقفين، أم قادة ميدانيين، أم مناضلين أشاوس، يواجهون الرَّصاص بالورود، وأغصان الزيتون، والصدور العارية، وهذه ثيمة الثورة الظافرة، فقطعوا بذلك، الطريق، أمام مثل هذه الدسائس، وهذا، ما ظهر في شعاراتهم، التي ترجمت حقيقة، وأول هذه الشعارات: واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد، رافضين الرشا، والإغراءات، التي باتت تقدم بسخاء.
 
وما يظهر الآن،  تماماً، هو أن بعض الرموز التي تم إيلاؤها الثقة من قبل شارع الثورة السورية-وهم فئة جدّ قليلة- بات ينظر إلى هذه الثورة بعين واحدة، بعد أن كان ينظر إليها ب”كلتا”  عينيه،  إذ راحت عينه الثانية تتابع طريقة ظهوره- أو هكذا ما يخيل للمتابع- والظفر بثمار الثورة، وهذه لحظة ضعف، لمّا يتمّ التخلص منها، من قبل أضراب هؤلاء طبيعي التواجد-  وهذا ما يعدُّ عامل وهن، وتراخ، لديهم، لا سيما وأن بعضهم يحاول التعكز على نضالاته الشخصية، سواء كان عمرها سنوات من السجن، أو مجرد أسابيع من النضال الفعلي، عملياً أو معنوياً،  ليهرول إلى عقد المؤتمرات، أو الشروع بالتلويح، بأن سوريا القادمة، يجب أن تكون وفق رغبته، هو، الأمر الذي سيرفضه السوريون الذين يدعون إلى دولة مدنية تعددية تشاركية،  لئلا تحمل “فيروس” سقوطها، تحت هيمنة الاستبداد، مرة أخرى، وهناك مثال كاف، شاخص، أمام الأعين، وهو ما يحدث الآن في مصر، حيث يراد حرف الثورة عن مسارها الحقيقي، ليقطف بعضهم نتائج الثورة، وكأنّها ثورتهم وحدهم، من دون الملايين الثمانين، في هذا البلد العريق، ليتمَّ استبدال مجرد فرعون، بسلسلة فراعنة جدد.


من هنا، فإن المقترح الصائب، الأكثر عقلانية، في مجال تصور سوريا الجديدة، هو أنَّ يتم تدوين أسماء كل من قاد الثورة،عملاً لا قولاً، أو كل من كتب، أو غنى لها،  ليكون هؤلاء-جميعاً- موطن احترام سوريا الغد، أو حتى أن يكونوا مرجعاً لقادة جدد، هم عقول” شبابية”، و” غيرها”، لم تخضع لتلوث وسموم النظام، وكانت من عداد جلّاس المقاعد الخلفية في المؤتمرات،  إلا أنها تتمتع بقدر عال من الروح الوطنية، ونكران الذات، والحكمة، والانفتاح على الآخر، والحنكة، والبسالة، وخدمة الثورة.

إن المتداعين إلى أيّ مؤتمر، أو لقاء، أو مجلس انتقالي، مطالبون بأنهم -لكي يكسبوا رضا الشعب عنهم- بالتوقيع على “ميثاق شرف”، يقضي بأنهم لن يقبلوا بأية مسؤولية، صغرت، أو كبرت، مستقبلاً، لتنصبَّ الجهود على إسقاط النظام، وليتمّ  خلق حالة وطنية، عالية، نظيفة، ديدنها الإيثار على النفس، الملغيُّ في قانون الاستبداد، والوفاء لدماء شهداء سوريا، الأنبل، والأسمى، والأشجع منا جميعاًُ.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

زاكروس عثمان ما كاد الكورد ينتشون بهروب الرئيس السوري السابق بشار الاسد وسقوط نظام حكمه الدكتاتوري، حتى صدموا سريعا بمواقف و تصريحات مسؤولي مختلف اطراف ما كانت تسمى بالمعارضة السورية والتي غالبيتها بشكل او آخر تتبنى الموقف التركي من قضية كوردستان ڕۆژئاڤا و هو الرفض والانكار. السوريون من الدلف إلى المزراب: اذ بعد هيمنة هيئة تحرير الشام على…

شكري بكر لو أردنا أن نخوض نقاشًا مستفيضًا حول الواقع السياسي لحزب العمال الكوردستاني، يمكننا إعطاء صورة حقيقية لكل ما قام ويقوم به الحزب. سنجد أن الأمور معقدة للغاية، ومتورطة في مجموعة من الملفات الدولية والإقليمية والكوردستانية. يمكن تقريب الصورة عبر معركتي كوباني وشنكال، حيث يتضح أن “كل واحد يعمل بأصله”، دون الدخول في تفاصيل وقوع المعركة في مدينة كوباني…

في اللقاء الأول بعد سقوط الاستبداد ، والأخير للعام الجاري ، للجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، تم تناول التطورات السورية ، وماتوصلت اليها اللجان مع الأطراف المعنية حول المؤتمر الكردي السوري الجامع ، والواردة في الاستخلاصات التالية : أولا – تتقدم لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” بالتهاني القلبية الحارة…

بعد مرور إحدى وستِّين سنةً من استبداد نظام البعث والأسدَين: الأبِّ والابن، اجتمعت اليوم مجموعةٌ من المثقَّفين والنّشطاء وممثِّلي الفعاليات المدنيَّة الكرديَّة في مدينة «ڤوبرتال» الألمانيّة، لمناقشة واقع ومستقبل شعبنافي ظلِّ التغيُّرات السياسيّة الكُبرى التي تشهدها سوريا والمنطقة. لقد أكَّد الحاضرون أنَّ المرحلة الحاليَّة تتطلَّب توحيدالصّفوف وتعزيز العمل المشترك، بعيداً عن الخلافات الحزبية الضيِّقة. لقد توافق المجتمعون على ضرورة السّعي…