في الخشب وبهرجة الأقوال في نفي الأفعال

وليد حاج عبد القادر

” يقول بريخت عن الذي انحرفت رموشه على بشرية بأسرها ـ بماذا نجيب القادمين من صلبنا إذا سألونا : لماذا صمتّم عندما كان الدم يسيل في الشوارع ـ ”

في مقاله المعنون ـ الشارع الكردي ونبضه الضعيف … الخ ـ يتحفنا السيد جان دوست والذي يبدو للوهلة الأولى ممارسا ـ نقدا ذاتيا ـ فيقدم اعتذاره ـ وهو شأن خاص به ـ ليستخدمها مطية ليس إلا !! كما اللاعب في فريق كرة قدم حينما يدّعي الإصابة ولكن ما أن تتحين له الفرصة فيتسلل فقط ليسجل هدفا ، أي هدف ، لايهم ، وهنا مرمى السيد جان دوست هو الشعب الكردي في سورية بمفهومه الواسع كجماهير وقوى سياسية ،
 متناسيا ـ السيد جان دوست ـ تلك الحركة الإطرادية للشعب الكردي ومستبخلا عليها حتى نظرية داروين في النشوء والإرتقاء !! وبالتالي تطورها الموازي ـ كلّ على حدة ـ للحركة العربية المتمثلة بأحزابها الحاكمة ـ كقوة مسيطرة مهيمنة / حاكمة ، حاولت وتحاول منذ تقسيمات سايكس بيكو وشؤم سيفر أن تمارس قمة التعريب والنكران وبالتالي طمر لا بل إلغاء الهوية القومية لكل الأقوام غير العربية وبالتالي فرض سياسة العرب العاربة ، أو المستعربة ..

الخ ..

هذا من ناحية وبموازاتها حركة الشعوب الأخرى ـ الكردية ، الأمازيغية ، الأفريقية …الخ والتي تتدرجت في صيرورتها التاريخية في خط متواز / متصادم وغير متلاق بالمطلق في البعد التصفوي / النزعوي / القومي العروبي ، لابل ومتصدية بإمكاناتها المتواضعة وبصدورها العارية ـ كلغة اشتقاقية من الثورات المعاصرة ، نقرّ بها ـ وجلودها التي تفسخت بفعل المطاردات و ـ الفلقات ـ لتحافظ من جملة ما حافظت على خصائصها القومية ، ومصممة ـ هذه الحركات والأحزاب أقلها غالبيتهم ـ ألا يكون هناك أية تقاطعات مع أية قوى سوى المتوازنات الديمقراطية بموروثاتها وموّرثاتها ، وبالتالي كانت تلك الحزم من الممارسات العنصرية والشوفينية وما رافقتها من مجريات تعريبية للمكان والزمان والبشر يجابهها ـ أحيانا ـ صمت ، وأحيانا جلجلة !! همس بحشرجة ضعيفة ولكنها على الأقل تصدر صوتا وبالتالي تمارس موقفا على أرض أصيلة متحجرة لا هشة تسمعه بعنفوان للآخر رغم جبروته ، وبأسلوب الممانعة الصامدة والمستندة على قاعدة عدمية الإنصهار كقرار مطلق وممارس على أرض الواقع … إن الحركة الكردية في سورية ومع ـ إقراري ـ بكثرة ما عليها من مآخذ ، إلا أنها حقيقة واقعة وموجودة في الساحة تمارس عملا نضاليا قد يتفاوت درجته من حزب لآخر ، لا بل شئنا أم أبينا فقد فرضت احترامها كما تواجدها في وسط جماهيرها والتفافها من حولها ، وإلا ـ وأكررّها هنا ثانية ـ لما كنا سمعنا جعجعة ـ المنظرين !! ـ التي تصدرها طاحونة ـ بروباكندا ـ الفارغة من أية فعل أو ممارسة ميدانية …

 أن يعكس ـ أحدنا ـ سيكولوجيته وحسّه الإنطباعي الشكلاني / المتلون وينسقها بمزاجية شخصانية بحتة لا تستطيع أن ترى أبعد من أنفها وبالتالي يسقطها ـ هذا الإنطباع ـ على الشارع ، الشعب ، الحركة الكردية وبالتالي يستخدمها دريئة لرمي / طرح كل عقده فحتما سينطبق عليه المثل القائل ـ كل إناء بما فيه ينضح ـ وبالتالي فأن من يرى تلك الجموع والإسقاطات المسفهة ليست سوى انعكاس طبيعي لثقافة تعشعشت في ذهن كاتبها وكتناغم مجمّل من قبل الكاتب الهائم في قوانين أوحدية القائد / الفكرة / الضرورة ووحدانية البعث في إرث فكري متهالك ، وأبشع من قالب جليدي متسخ وبالتالي يسقطها على الجموع فوالله قد شطح كاتبه كما مصدره .

أن يتسلح أحدنا ـ بعنجهية ـ ويتمنطح مغتالا في ـ برج عاجي هو صانعه لنفسه ـ وبالتالي في حركة استعراض شبه بهلواني تنقصه براعة لاعبي السيرك فيتماوه مستخفّا بحركة شعب قدّم كثيرون من أعضائها تضحيات لن تنسى ، ومع هذا ؟ السؤال التالي : ولم لا ؟ فهذا حقّه ، أما أن يقفز وينط بموشور ذي تلوينات يستحيل أن ترى فيه سوى الأسود وإن تكرم فالخيار هو الرمادي فيعمم المظهر أو الظاهرة لتشمل الشارع الكردي ، الذي هو نبضه ، وبالتالي ناسه كما جماهيره ـ وأقصد الشعب الكردي ـ ومع هذا يستمر !  وينظّر !!ولنحتار حقيقة في البحث عن دونية تجب علينا أن نعمل بها أو ندعيها حتى يستاهل شعبنا / حركتنا ، لفتة عابرة من بعض ـ أدعياء ـ الثقافة والمتربعين على عروش هم بنوها في مخيلتهم ليس إلا !! ترى : أكوزموبوليتية جديدة هي ؟! ام تسويق وترويج متعصرن ـ من العصر ـ ليتبوأ ـ أقله ـ مرتبة في القيل والقال لا أكثر ؟! أم لعلها تلك النرجسية المغلفة بلبوس غير كهنوتي فتتبدى فيها أممية مبسترة ومبتذلة في دهاليز وطنية لما تصل بعد طور التشكل الجيني ، أو لعلها لم تغادر النزعة المركبة لمفهوم العروبة / الوطن ، أو الوطن / العروبة ؟!! ..

أسئلة ساقها أحد ـ هم ـ ـ متفلسفا ـ وبالتالي يطرح من جملة ما يطرح ، فيتوه الطرح كما السرد في شروحاته ومن جديد : دروب ومتاهات فتتشكل عقد متراكبة تشي بذاتوية البعض ، وليطرح هذا السؤال نفسه وببساطة شديدة : ترى ماذا يريد ، أو ماذا تريد هكذا أنماط ؟ وسرعان ما ينكشف متوالية التأثير والتأثر ب وليد المعلم ـ لا بصفة عمالة فأنا لا أقصدها بالمطلق ، كما وليست بتابعية أيضا ـ وإنما ببوصلة الإتجاهات وبالتالي الدفوعات والحجج الأمنية / المخابراتية والتي تصل الى درجة الإستهتار بقيم وقناعة وبالتالي ، الإنتماء ببعديه الوطني والقومي الكرديين والذي غدا بقدرة قادر وكنتيجة حتمية لممارسات البعث ـ وهذا الشيء الوحيد الذي اتفق فيه معه ـ فيضحى الشعب الكردي في التفسير الجديد مواطن كردي سوري ..

وهكذا ..!! ولئلا يفسر الماء بالماء فكلنا مواطنون سوريون ـ نتمناها صادقين ، ولكن بتنصيص دستوري وبلا مواربة ـ .

ولكن ما يحيّر هو حاجة هذا المواطن / الشعب ـ والمقصود هو الكردي / وبعموم شرائحه الى طبابة نفسية ليتعالج أولا : من حالة الفصام ـ ولا أدري ـ إن كانت بفعل حبوب الهلوثة   أم الجراثيم المتناقلة كعدوى ـ وبالتالي انعكاسات هذه الأمراض وتأثيرها ـ المشوّش ـ على تحديد الإنتماء القومي ـ الإنتماء الكردستاني ـ والذي يبهمه الكاتب حتى يموهه ، أو يجرمه بتناقض ـ مبهم أيضا ـ مع البعد الوطني المتأسس أصلا على اتفاقات سايكس بيكو ومفردات لوزان المحبطة لسيفر ؟ !! ..

قضايا يشهد القاصي والداني , أن الحركة الكردية قد شبعت من سجايا هكذا تنظير ، وإن كانت قد أسّست لتربية وطنية وقومية ، ما استطاعت كل أبواق النظام ـ بالرغم من آلاف المحاولات ـ  من تشويهها , تلك التربية التي لازمت ـ بالضورة بين المقولتين وآلية التحكم بها ، وبدقة كبيرة ، وهنا يلعب الدور السايكولوجي ، ضرورة الشعور وبالتالي التضامن مع الجانب القومي والتي تأخذ أطرا واشكالا متعددة ، لست بصدد التطرق لها الآن .


في السرد العام , كلنا يتفق على مرضية الإنشقاقات المتعددة وغير المبررة , كما نتفق على ضرورة وحدة القرار ، ..

جميعنا يتفق ، أنه يفترض في الحركة الكردية وهي ذات التاريخ النضالي الطويل ، أن تسبق الحدث ، وأقلها ، في التحليلات ، وكلنا يتفق وبالضرورة ، لابل ويشدّد على ـ مثلا ـ الحل الديمقراطي ، ولكننا جميعا نتفق ـ أيضا ـ بأنه لايجوز ـ الحكم ، أو إعطاء الأوامر من بعيد سواءا كانت هذه الأحكام وردت عبر الهواتف العابرة للقارات ، أو بريموت كونترول متحكم ، لأن الساحة العملية واسعة ، وكافية لجميعنا ، هذا أولا ـ ومافي حدا أحسن من حدا ، في تلقي العسف او الظلم دفاعا عن القضية ، ولكن النقطة المركزية التي يتم تجاهلها ـ قصدا من البعض ـ والتي تثبتها الحقائق على الأرض بشكل يومي وهي وحدانية الحركة في تمثيل الشعب الكردي ، والتي فرضت نفسها بالرغم من ـ الهوبرة والضجيج الذي يمارس هنا وهناك ـ فواجب إذن ، على هذه الحركة أن تقدّر درجة الخطورة ، والخطوات المصيرية التي عليها أن تخطو ، خاصة إذا كان الدم الذي سيسال هم ـ أصلا ـ أصحابه وكذلك المعاناة والملاحقات كما الإعتقالات … الخ .


أن التنظير أمر جدّ سهل ، وتنميق العبارات كما المواقف غير المحسوبة عمليا وميدانيا ، على أصحابها ، مثل التضحيات التي سوف لن يقدمها وبالتالي ـ تلك العبارات والمواقف ـ التي لربما تكونت ، أو تشكلت ، بعد جولة استرخاء تامة ، وفي غرف أو مكاتب ، أقلها لا يتوقع لها أية حالة مداهمة واقتحام ، وبالتالي يسهل عليها ومنها وفيها سحب المواقف او تغيير القناعات على شاكلة ـ رجعونا جنا نمزح ـ لتبقى هي اللازمة المترافقة لابل والمتوقعة لمجمل تنظيراتهم ـ ومن هنا   لم استغرب اعتذار الكاتب جان دوست ، للشعب العربي في خاصية بعض من توصيفاته للمشهد السوري المعارض ، ولن استغرب إذا ما ارتوت عيونه بحمامات الدم الكردي الذي يراد لها أن تراق ، أن يعتذر !! هكذا !! ـ ومع كل هذا ستظل الجماهير الكردية بكافة قواها تضغط وستضغط على الحركة الكردية مطالبين منهم زيادة وتيرة النضال بتلازم حقيقي مع الشارع والجو العام في سورية ولكن السؤال هنا : هل في الأمر أية معيبة أن تسعى أو تحافظ على السلم الأهلي في المنطقة من دون المساس بجوهر النضال الديمقراطي ، وفي الحقيقة هي تلك الصرخة التي أرجو أن تطلق في وجه اولئك البعيدين عن الساحة العملية ـ وأنا منهم ـ والذين يزجّون بأنوفهم حتى في آلية عمل شباب الكرد ، مجتهدين بجدارة ، في إيجاد الفرقة وبالتالي زرع الفتن والدسائس فيما بينهم ـ ولدينا الكثير من المعطيات والحقائق المخجلة والتي سنوضحها في القادمات من الأيام ـ ، بترافق متواصل في تهجمهم على الحركة الكردية فيبقى الحالة هذه وحقيقة الشعار ، أنهم يريدون ـ لإسقاط الشعب الكردي ـ .

واختصارا أقول : أن سقف النضال ، وبالتالي تصاعد وتيرتها ، لايحددها كمية الدم المسفوك ، بقدر ماهي الإستمرارية بعواملها في خلق آليات التصعيد وهذا بالضبط ما تمارسه الجماهير الكردية وـ بعض من أحزابها على أقل تقدير ـ واستمرت دموية ـ 2004 و ما تلتها من أعوام ، وسلمية رافقتها موجات اعتقالات مكثفة ـ ، فكم يتبدى والحالة هذه ضرورة الإنصاف في التأسيس ـ لمقالات تحاول التوصيف ـ لحركة شعب مازال يسطر ـ بإمكاناته المتواضعة قصة نضال في سبيل قضية عادلة , مع يقيني التام بسهولة وأريحية ، وبالتالي الكلفة الرخيصة في التغريد خارج السرب وهذه ليست مني ، وإنما هو آخر أو خلاصة ما توصل إليه نخبة من العلماء البريطانيين ، في إحدى دراساتهم عن الطيور ، وتحديدا الحمام ، فقد توضح لهم أن الطيران خارج السرب هو الأقل هدرا للطاقة التي قد تصل الى توفير حوالي 40في المائة في حين أن البقاء في السرب هو الأكثر استهلاكا وهدرا للطاقة والجهد ..

حقا لقد برع الكاتب والناقد البلغاري الرائع ايفريم كارانفيلوف في كتابه الرائع ـ الجذور والعجلات ـ حين قال ـ من لا أول له لا آخر له ـ ومع هذا ستبقى الحركة مثال للطموح ، وسنبقى نضغط عليها ومن خلالها لنخطو بها ومعها الى رحاب وآفاق أوسع ، وأشمل في تلافي الشوائب والأخطاء المتراكمة ، بروح نقدية بناءة ، لا نرجسية أو عقدية , ولا تجسيدا لمحاولات تسلل ، مؤكد ، أنها والحالة الجماهيرية الصاعدة : فأن كل الأوراق باتت ـ حقيقة ـ مكشوفة …

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…