الشارع الكردي ونبضه الضعيف.. هل تقف الأحزاب الكردية حجر عثرة أمام وصول لهيب الثورة السورية إلى المناطق الكردية؟؟

جان دوست

بداية لا بد لي من أن أقدم اعتذاري للشارع العربي في عموم سوريا فقد تجنيت عليه قبل أن تنطلق شرارة الثورة السورية.ففي إطار حوارات عن حال المعارضة السورية أجراها موقع سوبارو قلت رداً على أحد الأسئلة: ”  المعارضة الكردية هي معارضة شارع ونخبة، بينما المعارضة العربية هي معارضة نخبة فقط.

أي أن الشارع في حمص وحلب ودمشق والرقة ودير الزور يبدو غير معني بالتغيير بينما المثقفون العرب السوريون يقضون حياتهم في السجون دون أن يتمكنوا من تحريك الشارع
.

يعني أنه لا تنقصهم الجرأة بقدر ما ينقصهم التنظيم.

المعارضة الكردية معارضة جماهيرية ويمكن للأحزاب الكردية بالرغم من التشرذم والانشقاقات أن تحرك عشرات الألوف، بينما المعارضة العربية لم تنجح حتى الآن في دفع الناس للاعتصام مثلاً
..”

كل هذا الكلام أعلاه أصبح هراء لا معنى له ويبدو أنه سقط مع سقوط أول شهيد قدمه الشارع العربي السوري..
 كما إنني أقر بأنه كان نتيجة دراسة خاطئة أو تصور مسبق الصنع عن حركة الشارع العربي وحالة الكمون الثوري فيه..

أقول هذا الكلام وأنا أتابع باستغراب شديد مجريات الثورة السورية وجغرافيتها الواسعة ونقاط السخونة فيها حيث تبين لي أن الشارع الكردي محكوم بالعقلية الحزبية أكثر من كونه محكوماً بحس وطني عام يدفعه إلى التناغم مع مجمل الحراك الشعبي الوطني في سوريا.

وتبين لي بوضوح أن الشارع الكردي يراوح في مكانه ويتخلف عن نظيره الشارع السوري في حمص وحماة ودير الزور ودرعا وريف دمشق، بل وصار يقلده في شعاراته التي يهتف يها الشباب يوم الجمعة الذي تجاوزه الشارع السوري بشكل عام..

ولا بد من الوقوف على الأسباب التي تقف وراء هذه الحالة الشاذة.

ما هو دور حزب البعث ودوائر المخابرات في ذلك؟
حزب البعث الحاكم منذ قرابة نصف قرن وبسبب توجهاته القومية العروبية العنصرية ونهجه الفاشي في التعامل مع القضية الكردية دفع بالكرد إلى الابتعاد عن الساحة الوطنية والتوجه شمالاً وشرقاً حيث العمق القومي الكردي يعوض العمق الوطني السوري على الأقل من وجهة نظر سائدة.

لقد قضى حزب البعث بفكره العروبي المتطرف على أي شعور بالانتماء الوطني لدى الشعب الكردي وبات المواطن الكردي السوري يعيش حالة انفصام وطني لا تربطه بالدولة التي يعيش فيها أي رابط انتماء ولا يعتبر نفسه معنياً بتغيير الحكم بقدر ما يسعى لتنفذ مطالبه المشروعة تحت سقف أي نظام.

أما بالنسبة للمخابرات..

فيبدو لي أنها وبطرقها الخاصة ألقت في روع المسؤولين الكرد..

أنهم البديل الأفضل، وخوفتهم من مستقبل مجهول ينتظرهم في حال سقوط النظام..

وللاسف فقد توصلت لقناعة أن الأحزاب الكردية تؤمن بهذه النظرية أي مجهولية النظام القادم.

وتبني حساباتها وفق معايير هذه النظرية الخاطئة في الأساس.

قيادات الأحزاب..ألم تبلغ سن التقاعد؟
قيادات الأحزاب الكردية بلغت من العمر عتياً وما زالت على رأس قمة أحزابها..

كثير منها يفكر بعقلية الخمسينيات ويستعير من قاموس الحرب الباردة ألفاظاً متفحمة ومتخشبة ليخاطب شباب الفيسبوك بها..

هذه القيادات كأي قيادة تاريخية في العالم باتت عاجزة عن فهم واستيعاب حركة التاريخ ولا بد من السعي لتغييرها بقيادات شابة تتعامل مع الواقع بمفرداته الخاصة..

والمشكلة أنها تقف حائلاً دون انطلاقة الشباب الكردي ليثور كغيره ويرسم ملامح المستقبل ويساهم في بناء نظام جديد..

بعض هذه القيادات تفكر بعقلية رئيس العشيرة وسمعت بعضها تقول: لماذا لا تقوم باقي المناطق مثل حلب؟ ولماذا نصبح نحن كبش فداء..

وهل قامت جماهير حماة وحمص حينما انتفضنا في 2004؟؟ طبعاً هذه تساؤلات سخيفة ولا معنى لها يمكن أن تصب في خانة مصلحة النظام بشكل غير مقصود..

وهي تشير إلى عدم إيمان بالحراك الشعبي والإصرار على التخلف عنه وتركه لمصيره والوقوف كما قال أحدهم على مسافة واحدة من النظام والمعارضة!!! هذه المسافة التي تحدث عنها القيادي الكردي هي مسافة التخلي عن صنع التاريخ في أهم مفصل منه وأكثر المنعرجات حساسية..

في هذا الظرف لا يجوز الوقوف على مسافة واحدة من طرفين يتصارعان على البقاء..

فأنت إما مع الجلاد أو مع الضحية ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار على حد قول نزار قباني..

الخوف من الحرب الأهلية؟
وهناك أصوات نسمعها تقول: إن النظام قام بتسليح أبناء بعض العشائر العربية..

لذلك لا يمكننا التصعيد.

وهذه حجة لا معنى لها..

فنحن نرى على الشاشات كيف أن النظام دفع بميليشيات الموت إلى الساحات لا لتقمع المتظاهرين بل لتقتلهم بالرصاص الحي وبالخناجر والأدوات الحادة وتمثل بجثثهم أبشع تمثيل..

فهل يجوز للجماهير العربية السورية أن تتقاعس وتقول: هناك شبيحة قتلة مسلحون لذلك لن نخرج للتظاهر؟ لقد خرج الناس وواجهوا الدبابات بصدورهم العارية ولم يتوقفوا عن المطالبة بالحرية..

لقد تحطم حاجز الخوف في عموم سوريا..

بينما لدينا للاسف هناك من يبني جداراً جديداً للخوف..

أين الموقف من خطاب بشار الأسد؟
وكمثال على تخلف الشارع الكردي والأحزاب الكردية عن الحراك العام وعدم تناسق الحركة الجماهيرية الكردية مع مثيلتها العربية في سوريا هو خطاب بشار الأسد الأخير.

فالشارع في حمص وحماة ودير الزور ودرعا واللاذقية خرج للتعبير عن رفض الخطاب.

وكان الخروج في معظم الأحيان عفوياً..

بينما لم نجد أن الشارع الكردي تفاعل مع الحدث ولم نجد أن الأحزاب علقت على الخطاب.

هل رضيت به وبمضمونه؟ أم رفضته؟ أم أنها وقفت على مسافة واحدة من الخطاب ومن المخاطبين؟ هل هذا يعكس حيرة الأحزاب الكردية ووقوعها في مأزق خطير؟ أم أنه رضا ضمني عن النظام تخجل من التصريح به؟؟
لا أريد أن أقول إن الشارع الكردي خذل نظيره العربي فهذا سابق لأوانه..

لكنني أقول إنه تقاعس وتحرك ببطء لا يليق بهذا الشارع ولا بإيقاعاته الثورية المتعاظمة وحصر مظاهراته في يوم الجمعة الذي تجاوزه الشارع العربي إلى كل أيام الأسبوع..

بل إلى كل ساعة من ساعات أي يوم في الأسبوع..

لقد تحررت الثورة السورية من يوم الجمعة حتى في قلب مدينة حماة المعروفة بتشددها الديني..

بينما الشارع الكردي يعيش في الأيام الأولى للثورة..
ما هو دور ضعف الشعور الديني لدى الكرد في بطء حركة الشارع؟
لا شك أن الدافع الديني في ثورة الشباب السوريين دافع قوي جداً.

وأن مفهوم الشهادة لدى العربي المسلم مختلف كلياً عنه لدى الكردي..

فالشهادة لدى العربي ترتكز على قاعدة دينية وموروث ميتافيزيقي يبدد الخوف من الموت ويدفع بالمرء إلى الساحات غير آبه بشيء..

أما مفهوم الشهادة لدى الكردي فيرتبط بمعايير قيمية مجتمعية لا أساس دينياً له.

وبالتالي فإن الاندفاع إلى الساحات قد لا يكون بالضرورة في الحالة الكردية رغبة في دخول الجنة حسب الشعار الشهير عالجنة رايحين شهداء بالملايين.

وهو الشعار الذي سمعناه حتى في المسيرات الكردية وهو ما أثار استغرابي في البداية لكن حينما أدركت أن شعارات الشارع الكردي ما هي إلا نسخة وتقليد لشعارات الشباب العربي حتى أدركت أن الشباب الكردي يهتف بشعارات مستوردة لا علاقة لها بمفاهيمه الخاصة ولا ببنيته الفكرية وتطلعاته وهذا بحد ذاته يثير التساؤل عن مدى قوة وزخم هذه المسيرات وجدية ما يتم طرحه فيها..

إن رجال الدين الكرد يفتقدون للحس القومي حتى..

ناهيك عن الحس الوطني لذلك لا يمكن التعويل عليهم أبداً..

ولو كان شيخ الشهداء معشوق الخزنوي بين ظهرانينا لكان الوضع مختلفاً بكل تأكيد.
خلاصة ما أردت قوله:

الثورة تركت خلفها مئة يوم..

أكثر من ألف وأربعمئة شهيد..عشرات آلاف المعتقلين والمهجرين واللاجئين والمفقودين..

وبتنا نشهد في سوريا حراكاً لا نظير له في تاريخ سوريا الحديث ولا في تاريخ منطقة الشرق الأوسط الحديث..

وإن هذه الثورة لهي معركة حياة أو موت بالنسبة لطرفي الصراع..

فإما الديمقراطية أو الاستبداد..

إما الحرية أو الرق والعبودية..

إما حزب البعث أو نظام تعددي..

وما يبدو جلياً حتى الآن أن كفة الديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية هي الراجحة بالرغم من قساوة القمع والثمن الباهظ الذي يدفعه الناس لقاء نيل مطالبهم..

أما في الساحة الكردية فيبدو أن الناس حائرة في أمرها لم تحسم بعد بالدخول بكل قوة إلى معترك هذه الثورة وتبني شعار إسقاط النظام وإعلان الثورة وعلى الأقل الانضمام إلى الثورة.

ليس لي من عتب على الشباب الكردي على الإطلاق وأنا البعيد عن نيران ثورتهم..

وأعرف أن شباب الكرد هم من أكثر شباب سوريا تشرباً بالروح الثورية الخلاقة ولا بد لي ولغيري من احترامهم واحترام ظروفهم..

لكنني أردت أن أثير بعض التساؤلات التي ربما تجيبني عليها الايام القادمة..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…