الرهان على سوريا ومستقبل شعبها …

محمد سعيد وادي


يبدوا من وقائع الأحداث والتمعن بمجرياتها وقراءة الوضع مابين السطور والجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري من قبل النظام وآلته العسكرية في ظل غياب والصمت العربي بشكل كامل وبعض المحاولات الخجولة من قبل المجتمع الدولي للضغط على النظام بوقف آلته العسكرية ضد الشعب الأعزل المنتفض للدفاع عن  كرامته المهدورة وكبريائه الجريح ولحقوقه المسلوبة وحريته المقموعة.
فالاتحاد الأوروبي وأمريكا لا يرغبون التغير في سوريا حسب أجندات المنتفضين وطموحاتهم رغم تحركهم تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان لدولهم واتخاذ بعض العقوبات بحق المسؤولين السوريين لكنهم يبحثون عن بديل ترضي مصالحهم بسبب موقع سوريا الجيوسياسي في المنطقة ويبدوا أن الظروف المستجدة قد تخدم ما يرمون إليه بعد هذه الهجرة الهائلة إلى تركيا قد تتفاعل وتؤثر على استقرار تركيا المرتبط بدرجة كبيرة باستقرار سوريا الأمر الذي حاول رئيس وزراء تركيا أردوغان أن تقدم النصح و المشورة للنظام السوري للقيام بإجراء إصلاحات جذرية وعميقة تفاديا لتسونامي المنطقة إلا أن النظام كابر وتجبر معتبرا بأن الوضع في سوريا بمنأى عن التطورات في المنطقة متذرعا بأنه دولة الممانعة و المقاومة متجاهلا هشاشة وعدم صدقية هذه الحجة لكنه حصل المحظور وانتفض الشعب مواكبة للتطورات المحيطة في المنطقة وبدلا من استعمال صوت الحكمة والعقل والإصغاء إلى مطالب الشعب اختار النظام الأسلوب الأمني لقمعه وهنا بدأت التحولات الدراماتيكية على سياسة تركيا بعدما كانوا يرفضون التدخل في شؤون سوريا فأردوغان رفع من وتيرة ونبرة خطابه بحق النظام حيث قال : (إن تركيا لا تستطيع الدفاع عن النظام السوري في المحافل الدولية بعد أن أرتكب الفظاعات بحق شعبه بوحشية) أما الرئيس غول فكان اكثر وضوحا عندما قال: (إن تركيا مستعدة لكل السيناريوهات إزاء الوضع في سوريا سواء كانت مدنية او عسكريا)
ويبدوا أن الملف السوري تم تكليفه من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي إلى تركيا لكي تقوم بالدور اللازم لحلها حتى وإن كانت عسكرية وهنا السؤال يطرح نفسه لماذا هذه المهمة تتم تكليفها إلى تركيا وليست غيرها فتركيا لها أجندات ومصالح في سوريا كونها بوابة المنطقة العربية وتمتلك حدودا بطول 800 كم معها ولسوريا علاقات إستراتيجية مع إيران والذي له أزرع في أغلب المناطق العربية وجارتها الشمالية في المنافسة الخفية قديما وحديثا بين أنقره وطهران ولهما طموحات في المنطقة وخاصة بعد غياب العرب وعدم قدرتهم لا للمنافسة ولا للدفاع عن مصالحها مما سهل القوتان الأقليميتان أن تطمعا في إمتداداتهم فتركيا ساعدت سوريا بفك العزلة المفروضة عليها عربيا ودوليا أبان اتهامها بقتل رفيق الحريري ولعبت دور الوساطة بينها وإسرائيل لتحقيق السلام بينهما وتوظيف استثمارات لدعم الاقتصاد السوري وعقد اتفاقيات أمنية معها لمواجهة المسألة الكوردية من الطرفين ….

الخ كل ذلك كان متأملا بحياد سوريا أو انحيازها إليه عندما تفرض الظروف توتير العلاقات بين أنقرة وطهران لكنه تبين بأن العلاقة بين سوريا وإيران أبعد من السياسة و المصالح الآنية فنظام الأسد ونظام الولي الفقيه في طهران يمارسان العمل السياسي بطريقة مختلفة لا نود الدخول في تفاصيلها فإيران تطمح تحت ستار المذهب الشيعي والدفاع عن القضية الفلسطينية إنشاء أزرع لها في المنطقة لإحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية حيث أنها تشعر بأن المنافسة مع تركيا باتت تتخذ طابعا خطيرا وأكثر حدة وخاصة بعد النهوض التركي ودخوله على الساحة العربية وانحيازه إلى حد كبير إلى القضية الفلسطينية فإيران لا تروق لها أن تجد دولة إسلامية كتركيا خليفة الإمبراطورية العثمانية العدوة اللدودة لها أن تنافسها حول القضية الفلسطينية المركزية بالنسبة للشعوب العربية ولها أجندات عثمانية يمكن أن تعيق امتداداتها , وعندما بدأت عواصف التغيير تجتاح المنطقة العربية بدءاً من تونس ومرورا بمصر وليبيا واليمن , مما دفع إيران الركوب على الموجة مدعيا بأنه مع التغيير لصالح الشعوب ضد الأنظمة الدكتاتورية , لكنه اصطدم عندما اجتاحت الموجة سوريا , فقد ارتبك عليه الموقف الذي لم يكن له بالحسبان , لكنه انجرف إلى الموقف المساند للنظام السوري ضد الثورة الشعبية , وهنا بدأ يكيل بمكيالين , ويرمي بكل ثقلها إلى جانب النظام ,بعد إدراكه بأن الأرض تهز تحت أقدام حليفه , ولم يكتفي بذلك بل أرسل قوات من فيلق القدس وبعض أزرعها كحزب الله إلى جانب فرق الموت السورية ضد المنتفضين قتلا وتدميرا , مما دفع أردوغان إلى الإسراع لاتخاذ الموقف بعد أن شعر بأن القوات الإيرانية أصبحت على حدودها , وعلى هذا المنحى أصبح التنافس التركي الإيراني واضحا وعليها طابع المواجهة , فقد أعتبر إيران أن المعركة بين النظام السوري والمحتجين , هو معركنه وإن أي تغيير منشود في سوريا سيكون على حساب مصالحه وتوجهات مخططاته.
أما تركيا فلها حجة مشروعة للدخول على الخط وذلك لإعادة الاستقرار إلى حدودها وأكثر ما تخشاه في سوريا ما بعد الأسد هو القضية الكوردية التي تشكل امتدادا لقضية الكورد في تركيا الذين يقارب تعدادهم / عشرون مليونا / فتركيا تتذكر جيدا ندمها لعدم تدخلها في العراق ما بعد صدام , وهو الأمر الذي ادخلها في مشاكل مع نشطائها من الكورد بعد أن أصبحت كوردستان العراق إقليما مفروضا عليها بحكم الأمر الواقع و وجوب التعامل معها والمتاخم لحدودها , لذلك وهي لا تريد الوقوع في فخ كوردستان أخرى محتملة في سوريا , فهي تتخوف من تكرار النموذج العراقي ما بعد الأسد , بالإضافة إلى قضية العلويين لديها فإذا استفحلت الوضع في سوريا ستبرز قضية العلويين وهي تعاني منها أيضا لذلك فهي ستحاول جاهدا أن تضع يدها على الوضع في سوريا ما بعد التغيير لكي لا تسمح بدولة لا مركزية ويتفرد الكورد في إدارة ذاتية بمناطقهم وتطوير ثقافتهم وبذلك ستنعكس على وضعها الداخلي والقضية الكوردية المزمنة لديها بعد عجزها عن الحل حتى الآن , وستلعب دورا بكل ما لديها من أوراق متاحة وستستخدم كل الخيار بما فيها الخيار العسكري للحؤول دون فرط العقد السوري , والفوز بجارة ترضيها وتحقق لها اكبر قدر ممكن من مصالحها , وتستأصل الدور الإيراني في المنطقة التي ترى خطرا على مستقبلها فالتقاطعات بين مصالحها ومصالح الإتحاد الأوروبي وأمريكا متقاربة , والطرف الآخر الإيراني لن تسكت على هذا الدور والمواجهة بين الطرفين محتملة وإن لم يكن علنا , ولكن الأمور متجهة باتجاه خطير طالما النظام السوري لا يصغي إلى الحكماء وحل الأزمة المستعصية والصراع بين قوتين طامعتين ومستقبل سوريا وشعبها بين فكي كماشة .
قامشلو

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…