قبل و بعد جمعة صالح العلي

عبدالباقي حسيني

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ثورة الشباب السوري، مازال الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته أكثر تحدياً وعزيمة في التصدي للموت من أجل كرامته وحريته، من أجل غد أفضل لأبنائه، يتظاهر من أجل التخلص من هذا النظام الفاسد و ماخلفه من آثار مدمرة لسورية من فساد وفقر وتخلف.

كل جمعة تزداد شجاعة المتظاهرين أكثر قوة وإيمانا و تضحية أمام ظلم وجبروت هذه الطغمة الحاكمة في دمشق، والتي تستخدم كل ماعندها من طاقات حربية وإعلام مزيف لتحطيم تطلعات الشعب السوري الذي يسعى إلى الحرية والديمقراطية.
قبل “جمعة صالح العلي”، كانت مآساة أهالي جسر الشغور و معرة النعمان تزداد سوءً، عندما نزح أكثر من 10000 شخص من ديارهم إتجاه الحدود التركية، هرباً من آلة الحرب و البطش المستخدمة من قبل أزلام النظام بكل فئاته (الأجهزة الأمنية، المرتزقة الشبيحة، وقسم من الجيش).

فما كان على المسؤولين الأتراك إلا أن يعلنوا وعلى الملأ أن الذي يجري في سوريا لم يعد مقبولاً، وأن هذا العدد الكبير من النازحين من مناطقهم، يستدعي تدخلاً دولياً لوضع حد لممارسات النظام.


حالة المهجرين والنازحين السوريين إتجاه تركيا، أصبحت وصمة عار على جبين النظام السوري، هذا النظام الذي يتشدق بروايته الكاذبة حيث يقول: “إن هؤلاء (أي النازحين) هربوا من بلداتهم نتيجة أعمال (العصابات المسلحة) في مناطقهم”.

فما كان من رد فعل الحكومة التركية على هذه الترهات، أن تقول وبالفم الملآن: “أن الذي ترويه السلطات السورية غير صحيحة، وهي عكس روايات النازحين”.

بعد هذا السجال الإعلامي، حاولت دمشق أن تلملم الموضوع فأرسلت مبعوثها والمتمثل بشخص (التركماني) إلى تركيا ولغرضين: أولاً، إعادة اللاجئين السوريين إلى أماكنهم.

وثانياً، إغلاق الحدود التركية أمام الفارين من سوريا.


طبعاً، تركيا رفضت طلبات النظام السوري، كون رواياتها غير مقنعة، ومتعارضة مع روايات النازحين من سوريا، لا بل إشترطت عليها جملة من الشروط، وكان أهمها، التخلص من ماهر الأسد و رامي مخلوف، ووقف جميع أعمال العنف ضد المتظاهرين فوراً.


السلطات السورية بدأت على الفور “تنفيذ” ما طلب منها تركيا، ولكن على طريقتها.

فقد صرح مسؤول عسكري سوري “رفيع المستوى” للإعلام؛ “أن الفرقة الرابعة في الجيش السوري مهمتها حماية مدينة دمشق، وهي غير موجودة في المدن لقمع المتظاهرين، و أن ماهر الأسد ليس بقائد لهذه الفرقة، وليس له علاقة بمايجري في سورية”.

كل هذا لتبرئة شقيق رئيس الجمهورية من كل الإنتهاكات والقتل الذي تم في الوطن منذ بدء الإحتجاجات، وكما هو معلوم لقد تكرر إسم ماهر في أكثر من مناسبة إجرامية وكانت أبرزها، تصريح رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان عندما قال وبشكل واضح:” أن ماهر الأسد شقيق بشار يمارس العنف ضد المتظاهرين بوحشية “.

 
ثم جاءت مفاجأة إبن خال الرئيس وبدون مقدمات، عندما ظهر رامي مخلوف “رجل الأعمال السوري” في مؤتمر صحفي وبقراءته العربية الركيكة يعلن فيه تخليه عن جزء من “أمواله” للشعب السوري ويتنازل عن “أملاكه” لصالح الجمعيات الخيرية في محاولة لتحسين صورته، وإنقاذ نظام إبن خالته بشار الأسد من السقوط.

علماً ان ثروة رامي مخلوف تقارب عشرة مليارات دولار، ويتحكم ب 60% من الاقتصاد السوري بشكل مباشر أو غير مباشر، فهو المسؤول المالي للعائلة الحاكمة.

نسي مخلوف بأن الأموال الذي سيتنازل عنها للشعب، هي أموال الشعب المسروقة والمنهوبة منذ سنوات.

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين، لماذا هذا “الكرم الحاتمي” الذي إنهال فجأة من “رجل الأعمال” رامي مخلوف؟
مخلوف والذين حوله، يثبتون للشعب السوري بتصرفهم هذا، كم هم خونة هذه العصابة الحاكمة، الذي سرقت كل مقدرات سورية لتنعم هي فقط بالحياة الرغيد، وتترك باقي الشعب يعيش تحت خط الفقر.


جاءت “جمعة صالح العلي” لتختبر مدى صدقية النظام في التعامل مع المتظاهرين، ولكي تثبُت لتركيا وغيرها من الدول أي من الطرفين (الشعب أو النظام) على حق، ومن يقتل من؟.

النتيجة كانت 25 شهيدا من المتظاهرين وفي مختلف المناطق السورية على أيدي رجال الأمن والشبيحة.

بمعنى أن هذا النظام الذي أعتمد الأسلوب القمعي منذ بداية الثورة وحتى الآن لا ولن يتخلى عن قتل المحتجين، رغم وعوده للداخل الشعبي والخارج الدولي.

 
في جمعة صالح العلي، تضامن اللبنانيون في مدينة طرابلس اللبنانية والمتاخمة للحدود السورية مع أحرار سوريا وذلك بتنظيم مظاهرة ضد نظام بشار الأسد و تأييداً لحركة الإحتجاجات الشعبية في المدن السورية.

لكن الذي لم يكن بالحسبان، إذ تمت مواجهات دامية بينهم وبين مجموعة أخرى من اللبنانيين من الطائفة العلوية والمؤيدة للنظام السوري.

إذ كانت غاية المجموعة الأخيرة، خلق فتنة طائفية، وعلى أن هؤلاء الذين خرجوا في المظاهرة هم من الطائفة السنية ومؤيدة لجماعة سعد الحريري، محصلة هذه المواجهات كانت 8 ضحايا من اللبنانيين بالإضافة إلى أضرار مادية جسيمة.


المواقف الدولية التي تلت جمعة صالح العلي، كانت كثيرة، أهمها: موقف الإدارة الأمريكية والتي جاءت على لسان وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلينتون عندما صرحت لجريدة الشرق الأوسط قائلةً: ” لا عودة إلى الوضع السابق في سوريا، إن الرئيس الأسد أظهر أن إهتمامه بالتشبث بسلطته أكثر من إهتمامه بشعبه، كون القمع العنيف ضد المتظاهرين في سورية مستمرة”.

كما أعلن مسؤول أميركي كبير البارحة:” أن الولايات المتحدة تدرس إمكانية ملاحقة النظام السوري بتهمة إرتكاب “جرائم حرب”.

وذلك للضغط عليه من أجل وقف قمع المحتجين والإسراع في عملية إنتقال السلطة.


وفي نفس السياق أظهر المجتمع الدولي ومن خلال الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة إغتيال رفيق الحريري، ديتليف ميليس، إتهام الرئيس السوري بشار الأسد بأنه من أمر بقتل الحريري.

وهذا بحد ذاته ورقة ضغط سياسية أخرى، إذ لم تكن القشة التي سوف تقصم ظهر (رأس النظام) في سوريا.


أما بالنسبة للموقف الروسي حيال تصرفات النظام السوري إتجاه المتظاهرين، فباتت هي الأخرى مترددة، ويقال أن هناك إنشقاق في الرؤية بين المسؤولين الروس إتجاه السلطات السورية وممارساتها.


الموقف العربي تجسد اليوم في مؤتمر صحفي للسيد عمرو موسى رئيس الجامعة العربية المنتهية ولايته عندما قال: ” هناك قلق عربي عام إتجاه مايجري في سورية”.


ما الذي يمكننا توقعه في نهاية المطاف، فالنظام مازال يتصرف بذهنيته العسكرية في كل الأمور،ولا يقبل نصيحة أحد، ويرفض دعوات المجتمع الدولي، ويقنع نفسه بقصص واهية، على أن الذي يجري في البلاد هي “مؤامرة”، وهناك “عصابات مسلحة” تخرب البلد، بالرغم حتى ساعة هذا المقال لا توجد جهة معينة تتبنى إنها “عصابة” أو “منظمة” تعمل لأمر ما، سوى في خيال أزلام النظام ومستشاري رئيس الجمهورية.

النظام لا ولن يحاول تقبل ما يجري في البلاد على أنها ثورة شبابية من أجل الكرامة والحرية، إرادة شعبية من أجل التغيير الديمقراطي، ثورة من أجل القضاء على كل رموز الفساد والتخلف.

لذلك يستمر في غيه، و ينشر جيشه ودباباته في كافة المدن السورية.
المجتمع الدولي سوف لن يقف مكتوف الأيدي ومتفرجاً حيال ما يمارسه هذا النظام من قتل وتنكيل ضد الشعب السوري، وسيفرض أمر ما ضده، و ما السيناريو الليبي هو الأقرب لردع هذا النظام، أو المحكمة الجنائية الدولية ستكون في إنتظاره.

أوسلو 18.06.2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…