خريطة طريق أم خريطة قتل؟

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

بالرغم من الرّعب والهلع اللذين أصابا النظام السوري في الصّميم، بعد مرور ثلاثة أشهر، كاملة، والوقوف على عتبة شهر رابع، بثقة عالية، وإيمان عارم، وعزيمة لا تفتر، تأكد لكل متابع أن الثورة السورية التي اندلعت في أكثر من مئتي منطقة سورية- وهي أكبر وأوسع الثورات التي تمّت حتى الآن- لا تزال تتابع السير، غير مبالية بما دفعته من ضريبة غالية، من شهداء،  وضحايا،  بل ولم تروع بنيها الاعتقالات الواسعة التي تتم، ولا التهجير، وكل أشكال التنكيل التي يقوم بها النظام، ضد شعب”ه”، ولا الصمت الدولي الذي يدفع النظام للتجبر،
 وهو في أصله نظام جبان، ولم تتمكن من إيقاف هدير الثورة المستمرة، التي وجدت لنفسها انطلاقة زمانية في كل يوم جمعة، سيظل مكان تقديس لدينا، وكأن الدم السوري أعطى هذا اليوم معنى جديداً و ألقاً خاصاً، فوق ما يحمله من معان ودلالات، ليكون هذا اليوم العظيم بداية “روزنامة” الثورة، من أجل سوريا ديمقراطية،  تعددية، تشاركية،علمانية، يتم فيها فصل الدين والإيديولوجيا عن الدولة.

أمام هذه اللوحة،التي لا تتقبل أي احتمال، غير إعلان النظام هزيمته وانتصار الثورة- والنظام في حالة يرثى لها- مادامت كل أساليبه الوحشية لم ترضخ البطل السوري لرفع يديه، مستسلماً، مع أن “شبيحته” المأجورة تمادت في انتهاك كل ما هو محرم، كما يتم في “جسر الشغور”، بحسب، شهادات بعض أبناء المدينة البطلة-وقس على ذلك في  المدن، والبلدات، والقرى، الثائرة في كل مكان،فهو يتوسل بعض الدول إلى درجة” تقبيل الأيادي”-كما في حالة تركيا-عندما يجد أن هناك تهديداً فيه “بعض” الجدية-وتركيا إحدى دولتين أخذتا بيد النظام الملوثة بدم الكرد لتحتضنه وتخرجه من العزلة المطبقة، وهو ما تنساه ذاكرة النظام المثقوبة- في الوقت الذي يحرك فيه هذا النظام أوراقه البالية، القديمة، المتجددة،في إثارة الفتن والنعرات، داخل الوطن، وخارجه، مادام أن وسائل إيقاعه” بلا حدود” ، وهو لا يبالي بالضريبة التي يتمّ دفعها، من دماء الناس، ليبقى كرسيه في حرز وديمومة.

والغريب، أن النظام الذي لا يفتأ ينادي بالدعوة إلى الحوار، ليس حرصاً على مستقبل سوريا، ولاعلى دماء السوريين، ولا على التراب السوري، ولا على قواعد الحوار، وتهيئة الأرضية المناسبة له، وليس لوقف نزيف الدم، بل لاستمرارية النّظام، وحده،وليأت من بعده الطوفان…!، فها هو في جمعة” الشيخ صالح العلي” يواصل لغته الوحيدة، لغة القتل، ليستشهد حوالي عشرين شهيداً في دير الزور وحلب ودمشق-حتى الآن- ما خلا الجرحى…، بعد أن امتدت ألسنة لهيب الثورة  إلى قلعتين كبريين هما: حلب ودمشق، وسقط في حلب أول شهداء الثورة، لأن القتل كان معبره للوصول إلى هذا الكرسي، منذ أربعة عقود ونيف، مضحياً بأقرب مقربيه، وهو بلغة القتل نفسها يدافع عن كرسيه، وإن كان ثمنه في كل مرة، دماء السوريين الغالية، وقد تواردت الأخبار بأن  هناك شهداء في دير الزور، وفي دمشق، بل ولقد صور بعض المدونين الأبطال لقطات لضباط دمويين، يطلق أحدهم الرصاص على مدنيين عزل، يستهدفهم، بل الآلم من كل ذلك وصول أنباء  عن مواطنين، صدقا دعوة النظام للنازحين في موسم الهجرة السوري، عن طريق مبعوثه التركماني، وعادا إلى-جسر الشغور- ليتم قتلهما ويكون رصاص النظام في لهما بالمرصاد، ينتظرهما، كما أشرت في مقالي السابق*، إلا أن الرصاص لن يفلح في تعزيز قبضة عصابة متحكّمة، لصوصية -من بين ممثليها الداعي للتو في مؤتمر صحفي للقيام بأعمال الخير والبر وتوزيع الصدقات والهبات على أصحاب هذا المال الحقيقيين المجوعين- والإجهاز على الشعب السوري برمته، وها إن الأمهات السوريات ينجبن حتى في –المخيمات- من سيحملون مشعل “حمزة” و”فرهاد” ليكون هناك في كل يوم ألف مولود جديد، ولقد التقطت العدسات صورة لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وهو يزور مشفى تركياً، فيه مولودان سوريان، جسريان، لتكون هذه المدينة ” جسراً” لانتصار الثورة المؤكد،لا يحتاج من العالم المشغول بمصالحه، ومخططاته، وأهدافه، إلا الكلمة الطيبة، الصادقة، التي لا تصل، حيث نحن أمام تواطؤ دولي، عام- كما يخيل إلي- لا يرتقي إلى مسؤولية إنصاف الدم السوري المراق، منذ أربعة عقود ونيف، وحتى الآن، وإن كانت روسيا، كما يراد تصويرها”رأس حربة” الخيانة مع هذا الدم الطاهر، وتبقى أية عقوبة-لرموز النظام الذي يعلن عبر مفرقعات كاذبة إشرافه على الخلاص من” الأزمة” والثورة يشتد أوارها بأكثر- عبارة عن ” تطييب خاطر”، لأسر نكبت بكرامتها، وأبنائها، ودغدغة للقاتل، وإن أية مفاضلة بين هذا الرمز والآخر في “لعبة القتل”، هي محاولة مفبركة لتلميع صورة طرف، من دون آخر، يجمعهما معاً الإيلاغ في الدم السوري، وهي استعادة للعبة مماثلة، تماماً جرت في ثمانينيات القرن الماضي، وإن العقوبة المناسبة، والرحيمة، لهذا النظام الرجيم، هي في  رحيله حالاً، وفق جدول زمني محدد، واضح، لا يخضع للتزوير، وأن يغدو خارج خريطة : السلطة، والقتل، والنهب، والفساد،وهو ما سيشكل عامل أمان في منطقة الشرق الأوسط، برمتها، وإن أية خريطة طريق، لإيقاف الثورة، من دون أن يتم الانتقال السلمي، الحقيقي، للسلطة، إلى أبطال هذه الثورة،كشرط أول، إنما هي خيانة لدماء أبطال الثورة، التي تأتي استمراراً للثورة السورية الأولى التي حررت بلدنا من ربقة الاستعمار،قبل بضعة عقود،وها هو الماضي يتواصل مع الحاضر، من أجل مستقبل سوري لائق بأبنائه بعد كل هذه الضريبة التي لا يزال يدفعها دون إبطاء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…