أكراد سوريا بين الهم الوطني والحلم القومي

عبدالباقي حسيني

رؤية أكرادنا (حزبيين و مستقلين) حيال الأحداث الجارية في سوريا، فيها نوع من الضبابية، و ليعذرني أبناء جلدتي، إن قلت أن فيها نوع من الفوضى وعدم  القدرة على تحليل الأمور بشكل سياسي سليم.

هناك أمور في السياسة العامة تعتبر من البديهيات، فإما أن يكون المرء على قدر من هذا العلم (علم السياسة) أو يترك الأمور للصاحب الإختصاص، وهذا ليس عيباً، فالتنحي عن شيء تجهله، هو الصواب بعينه.

وكما يطلب الآن من الرئيس السوري ” إما الإصلاحات أو التنحي”، بمعنى إذ لم يكن بإستطاعته قيام بشيء ما ليخرج البلاد من أزمتها، فليستقيل و يترك الأمور لغيره، وهذا ينطبق على أكرادنا في سوريا، و لكافة المهتمين بالشآن الكردي.
في هذا المناسبة هناك مقولة مصرية تقول “مالوش في السياسة”، وعلينا أن نتفهم السياسة التي تجري من حولنا و التي تمارسها كل من الغرب والعرب والنظام في الشآن السوري العام ، وأن نحلل كل هذه السياسات بشكل جيد ونرى موقعنا ككورد في هذه المعادلة، وأن لا ينطبق علينا المثل أعلاه.


الغاية من هذه المقدمة، هي مجموع تصرفات شعبنا ومواقفه حيال مايجري في سوريا عموماً، وما يجري في الشارع الكردي خصوصاً، لنبدأ من الحدث الأخير (الدعوة التي كانت من المفترض أن تتم بين الأحزاب الكردية و رئيس الجمهورية).

نبدأ من تصريحات السيد فؤاد عليكو للعربية، والذي عرض “خطة العمل” كلها على التلفزيون وكشف للصحفي عن “خارطة الطريق الكردية” في ثوان معدودات.

هنا يتساءل المرء: ما الذي بقي في جعبته لكي يقولها للرئيس؟ من المفترض أن يكون السياسي (مع إحترامي الشديد للأستاذ فؤاد عليكو) وهنا لا أخصه حصراً، بل كل قياداتنا و مثقفينا، ان يكونوا حريصين جداً في تصريحاتهم، وأن يميزوا لمن يدلون هذه التصريحات.

في السياسة الغربية، السياسي يدلي بتصريح للصحافة بشكل مقتضب جداً، بينما يدع التفصيلات الهامة للمسؤولين والدبلوماسيين والسياسيين الدوليين، وهو لايتصرف بمفرده، بل يأخذ بأفكار المستشارين من حوله.

هنا، على المرء ان لا يضع “جميع بيضه” في سلة واحدة.


ما ترتب على “اللقاء المفترض”، الكثير من الردود و التحرك في الشارع الكردي وفي أكثر من موقع (البالتوك، الفيس بوك، الندوات الجانبية و المواقع الإلكترونية)، لجمع أكبر قدر ممكن من الآراء ولتبيان موقف الكرد بكل شرائحه من هذه الدعوة.

في الحقيقة، وهذا إنطباعي الشخصي، كان هناك نوع من الفوضى في تقييم هذا الأمر، إذ تغلبت العاطفة على العقل عند الكثيرين من المثقفين والسياسيين، وأنا أقدر هذا، كون الشارع السوري عموماً والشارع الكردي خصوصاً  تعيشان حالة إحتقان كبيرة نتيجة الظلم و البطش الذي يمارسه النظام السوري إتجاه المتظاهرين.

ولا ننسى أيضاً في هذا السياق أنه ظهر “شريحة” من الشعب  لينظّر (من النظرية) على القيادة الكردية في سوريا، ويجعل من نفسه “أستاذاً”  على هذه القيادات، لا بل ذهب بعضهم إلى أن هذه القيادات لا تمثلهم، وهي قيادات “خائنة”.

بمعنى كان هناك “تخبيص” في تناول هذا الأمر، وعدم إحترام قيادة الحركة الكردية ونضالها في إتخاذ أمر، هي أدرى بتبعاتها.


هنا ولكي لايفهمني أحدهم بإنني ضد الأخذ بآراء الآخرين، فأنا أيضاً ساهمت ببعض الأفكار فيما يخص الدعوة، عندما أرسل موقع ” ولاتي مه”، مشكورأً، ببعض الأسئلة للمثقفين والسياسيين لإستبيان رؤاهم في هذا الموضوع.

في قناعتي جمع الموقع (ولاتي مه) كماً من الآراء، وكان أغلبها مفيد لأخذ القيادات الكردية الدعوة بشكل حذر و طرح قضيته لرأس النظام في ظروف أفضل.


الحكمة السياسية والعقلانية في هذه الظروف مطلوبة من الجميع، وخاصة من القيادات الكردية.

فقد سمع الكثيرين بأن ثمة خلاف تم بين أطراف الحركة الكردية بخصوص حضور الإجتماع أو عدمه، وربما كانت هذه هي إحدى غايات النظام في الوقت الحالي، لشق الصف الكردي أو تحيده.

البعض الآخر فسر أن قبول البعض ورفض الآخر، هو نوع من التكتيك السياسي عند الكورد، و هو نوع من اللعبة السياسية في توزيع الأدوار، فإذا كانت هذه هي الفكرة، فأنا أحيي الحركة الكردية على هذه الطريقة في العمل السياسي، فالكورد يجب ان يمارسوا السياسة بكل فنونها.


لكن الذي حيرنّي في أمر أكرادنا، هو هذا الخلط الكبير في أفكاره، ففي موقفه هذا، والذي كان بمجموعه، عدم قبول اللقاء مع رئيس الجمهورية، وذلك تضامناً مع الأخوة العرب، والوقوف إلى الجانب الوطني، و ترك الجانب القومي بعيداً، وكأن به ينتقل من حالة “التشدد الكردي” إلى “التشدد الوطني”.

في قناعتي، علينا، و مهما تكن حجم الأحداث التي تدور حولنا أن نكون متوازنين في نظرتنا السياسية، وأن لا تتغلب مشاعرنا وعواطفنا على عقولنا، وأن لاننسى في الوقت ذاته ما جرى لنا نحن الكورد في سورية منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا، من الظلم والقهر والحرمان وسياسة التمييز و هضم الحقوق بالإضافة إلى المشاريع العنصرية، وان لا ننسى الحلم الكردي في “روزافايي كردستان”.

علينا أن نكون متوازنين في تصرفاتنا حيال مايجري وأن نكون على الأقل 50% كرديا و50% وطنيا.

أكررها مرة ثانية، على أكرادنا ان ينظروا إلى مصلحة شعبهم أولاً و مستقبل البلد لاحقاً.


الشيء الغير متوقع عند الكورد عندما رفض طلب السلطات السورية، و بين عدم رغبة القيادات الكردية في اللقاء مع رئيس الجمهورية، كانت هذه التداعيات الكبيرة و الخطيرة والجارية حتى الآن في المناطق الكردية.

فقد لملمت الأجهزة الأمنية مجموعة من الشبان العرب (الشبيحة المخابراتية)، وعملوا على إصدار البيان رقم (1) بإسم ” الشباب العربي الأحرار” في 09.06.2011، يتوعدون فيها الكورد بعدم التظاهر، وإن مدينة القامشلي هي ليست ملك للكورد فقط، إلى ماهنالك من تهديدات وبشكل مباشر.


في الجمعة الماضية 10.06.2011، حاولت منسقيات الشباب السوري وبالتعاون مع منسقية الشباب الكردي بالخروج في “جمعة العشائر” وذلك لإستمالة العشائر الموجودة في الجزيرة بشكل خاص إلى جانب “ثورة الشباب السوري” و مشاركتهم في المظاهرات من أجل الحرية والديمقراطية.

لكن الذي تم، كانت الإستجابة قليلة جداً، لا بل الأنكى من ذلك، وبعدها بيوم جمعت الأجهزة الأمنية أغلب العشائر الموجودة في الجزيرة تحت خيمة واحدة، مطلقة عليها “خيمة الوطن”، وبطريقة إستفزازية رداً على “جمعة العشائر”، و المقصود هنا منع العشائر من  الإنضمام إلى صف “المعارضة” أو الصف الوطني على الأقل في تحقيق التغيير الديمقراطي، بل شدها إلى جانب النظام, إما بالترغيب أو بالترهيب.


في يوم 12.06.2011 خرج علينا البيان رقم (2) من “الشباب العربي الأحرار “، يكرر فيه تهديداته لقادة الكورد ويقولون في البيان حرفياً التالي: ” إن ما يقومون به (أي التظاهر) لم يعد مقبولاً ولا بأي شكل من الأشكال، ونؤكد لهم ولمن يساندهم أويقف وراءهم، وبالتأكيد هم معلومون لدينا بأشخاصهم وصفاتهم، بأن صبرنا بدأ ينفذ،… أننا ننتظر إشارة لإيقاف هؤلاء ووضع حداً لهم، وبالإسلوب الذي نراه مناسباً”.


السؤال المطروح الآن، هل سيتكرر سيناريو “جسر الشغور” في القامشلي أيضاً؟ هذا ما أخشاه، لكن الدلالات تشير بأن النظام ينتقل من مدينة إلى أخرى، ويمارس فجوره في   المدن، فإذا كان الدور القادم في دير الزور أو البوكمال، معناه أن قامشلي لن تسلم منها، فما تميهد الشبيحة من الآن و من خلال لغة التهديد في البيانات أكبر دليل على مانذهب إليه.


السؤال الذي يطرح نفسه، هل الكورد على إستعداد لكل الإحتمالات، هل الكورد جاهزون لعدم تكرار ما حدث لآهالي جسر الشغور ومعرة النعمان، هل ستفتح تركيا حدودها أيضاً للكورد إذا ماتعرضوا إلى هجوم من قبل النظام السوري، هل الكورد لهم القدرة على مجابهة القوى الظلامية من الأجهزة الأمنية, الشبيحة و البعثيين الشوفينيين؟ كل هذه الأسئلة برسم  القيادات الكردية والحركة الشبابية في المناطق الكردية.

أوسلو 16.06.2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…