المواجهة الإقليمية واردة إذا لم يحسم الوضع في سوريا بسرعة

صالح القلاب

كل هذا التوتر الذي تعيشه المنطقة على مدى الشهور الماضية وكل هذه الغيوم الحالكة السواد التي تتلبد في سماء الشرق الأوسط وكل هذا الاستقطاب لا بد، هذا إن لم تستجد معجزة، من أن يتخذ هيئة حرب إقليمية مدمرة، فهناك جمر بات يعسعس تحت الرماد، وهناك حرب إعلامية محتدمة تجسدت بكل وضوح بالترافق مع معركة جسر الشغور في شمال غربي سوريا، حيث نفذت وحدات الجيش السوري المضمونة الولاء هجوما اجتياحيا ترك هذه البلدة الجميلة خاوية على عروشها وبدون ولو نافخ نار واحد.
هناك ثلاث قوى إقليمية بدأت بتحويل الشرق الأوسط إلى مسرح للتنازع بينها على النفوذ منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، فهذا الحزب بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي حقق فوزا كاسحا في الانتخابات الأخيرة، بدأ يتجه جنوبا بعد أن تأكد من استحالة وعبثية المراهنة التي طال أمدها على الانضمام أولا إلى السوق الأوروبية المشتركة ولاحقا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان عليه في البداية أن يتودد إلى سوريا والاقتراب منها على اعتبار أنها بوابة المنطقة العربية وعلى اعتبار ضرورة كسب حيادها إن لم تكن هناك إمكانية لكسب انحيازها إلى الجارة الشمالية في المنافسة الخفية التي كانت محتدمة بين أنقرة وطهران.
 
كان نظام الرئيس بشار الأسد، الذي ورث عن والده هدنة مع الجارة الشمالية بعد رضوخه لاشتراطات الأتراك وبادر إلى طرد الزعيم الكردي المنشق الذي لجأ إلى حرب العصابات لحمل أنقرة على الاعتراف بحقوق أكراد تركيا الوطنية السياسية، بأمس الحاجة إلى تطوير علاقات بلاده مع جيرانه في الشمال بعد أن أصبح يعيش عزلة عربية باستثناء استثناءات قليلة بسبب ملابسات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وبسبب دعمه غير المحدود لحزب الله إلى أن أصبح يشكل دولة أقوى من الدولة اللبنانية وأيضا بسبب تدخله السافر في الشؤون الفلسطينية وإفشال مصالحة مكة المكرمة بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
 
في تلك الفترة اتخذت حكومة حزب العدالة والتنمية التركي سياسة ذكية تجاه التحالف السوري – الإيراني المتعاظم، فهي بقيت تتعامل مع إيران بأسلوب السياسة الناعمة البعيدة عن أي شكل من أشكال التحدي والخصومة، وكل هذا بينما كانت تواصل تكثيف تقاربها مع سوريا وتعزيزه، ظنا منها أن إعطاء دمشق المزيد من الثقة سيجعلها على الأقل تتخذ موقفا إن ليس محايدا فشبه محايد بينها وبين جمهورية إيران الإسلامية، وهنا فقد ثبت أن مراهنة أردوغان هذه كانت قصيرة النظر، والسبب هو جهله بأن التلاقي السوري – الإيراني يرتكز على أمور أهم وأبعد من السياسة وجهله بأن هذين النظامين، أي نظام الأسد ونظام الولي الفقيه، يمارسان العمل السياسي بطريقة «التقية» المعروفة.
 
كانت إيران قابلة بهذه اللعبة السياسية لكنها لم تكن مطمئنة للحركة التركية السريعة تجاه العرب وتجاه المنطقة العربية وانحياز الأتراك الواضح إلى الفلسطينيين وابتعادهم المتواصل عن الإسرائيليين بعد حرب غزة، فطهران أخذت تشعر بأن المنافسة مع تركيا باتت تتخذ طابعا خطيرا وأكثر حدة، وهذا دفعها إلى المزيد من تمتين علاقاتها مع سوريا وإلى تعزيز ثقلها العسكري والسياسي والأمني في المناطق التي تشكل رؤوس جسور لنفوذها في هذه المنطقة العربية مثل العراق ولبنان واليمن وقطاع غزة الذي لا يزال بمثابة امتداد لدولة الولي الفقيه في الساحة الفلسطينية.
 
في هذه الأثناء بدأت عواصف التغيير العاتية تهب على الساحة العربية بدءا بتونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن، وهذا دفع إيران إلى السعي وبسرعة لركوب هذه الموجة مراهنة على الإخوان المسلمين وعلى أن نظام الرئيس بشار الأسد سيبقى في منأى عن هذه الموجة، لكن وبعد فشل هذه المراهنات وجدت إيران نفسها في قلب المعمعة ووجدت أنه عليها أن ترمي بثقلها وبسرعة إلى جانب حليفها السوري الذي بدأت الأرض تهتز تحت أقدامه، مما دفع رجب طيب أردوغان إلى المسارعة لاتخاذ هذا الموقف الذي اتخذه، حيث استضاف أول مؤتمر للمعارضة السورية في أنطاليا، وهو ما جعل أنقرة تلجأ إلى المزيد من التصعيد ضد دمشق وجعل الرئيس التركي عبد الله غل يلوح باللجوء إلى الخيار العسكري إذا استمرت المجموعة السورية الحاكمة بارتكاب مجازر دامية ضد الحركة الاحتجاجية التي بدأت بدرعا ثم ما لبثت أن عمت كل مدن ومناطق سوريا.
 
ولهذا وبعد أن تطورت الأمور في سوريا وفي المنطقة كلها على هذا النحو ووصلت إلى ما وصلت إليه فقد اتخذ التنافس التركي – الإيراني – الإسرائيلي في هذه المنطقة، وعليها، طابع المواجهة السافرة، حيث سارعت إيران إلى دخول معركة المواجهة بين الرئيس بشار الأسد والمطالبين بإطاحته وإسقاط نظامه عسكريا وأمنيا، وهذه المسألة لم تعد مجرد ظنون ومخاوف بعد أن ثبت بالأدلة القاطعة أن وحدات من فيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية قد دخل مسرح القتال فعلا إلى جانب الفيالق والفرق العسكرية السورية.
 
لقد اندفعت إيران إلى هذا التدخل السافر ضد الحركة الاحتجاجية السورية قناعة منها بأن المعركة التي يخوضها الرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه هي معركتها وأن التغيير المنشود في سوريا سيكون على حسابها وعلى حساب توجهاتها ومخططاتها لاستعادة هيمنة الإمبراطورية الفارسية القديمة في هذا الإقليم، والثابت أن دولة الولي الفقيه بدأت تستعد لمعركة أكثر اتساعا وأنها قد تبادر إلى عمل عسكري في الخليج العربي إن انتصرت الثورة السورية وأطاحت النظام القائم وحققت التغيير المنشود.

وبالمقابل فإن تركيا أردوغان بدأت تستعد حتى عسكريا لأي مستجدات مفاجئة، وعلى هذا الصعيد فإن هناك من يعتقد أن فتح الحدود التركية للفارين السوريين من مدن ومناطق الحدود مع سوريا ومن بينها مدينة جسر الشغور هدفه إيجاد كل المبررات لخلق واقع في هذه المناطق يشبه المناطق الشرقية ومدينة بني غازي في ليبيا يكون بمثابة رأس جسر لأي تدخل عسكري تركي وربما دولي أيضا إذا تطورت الأمور في الجارة الجنوبية وتحولت عمليات القمع التي يقوم بها نظام الرئيس بشار الأسد إلى حرب إبادة على غرار ما كان بدأه نظام معمر القذافي عشية تدخل حلف شمالي الأطلسي بقواته الجوية.
 
إن الأمور في هذه المنطقة في ضوء كل هذا الذي يجري في سوريا وفي غيرها تتجه نحو المزيد من التأزيم، ولهذا فإنه غير مستبعد على الإطلاق أن تبادر إيران إلى إرسال قوات محمولة جوا وربما قوات برية أيضا عبر مناطق محددة في العراق لتدخل المعركة إلى جانب قوات الرئيس السوري إذا استدعت تطورات الأمور ذلك، وهذا سيدفع تركيا حتما إلى تحريك قواتها، التي تقوم الآن بعمليات حشد في المناطق الحدودية، في اتجاه عمق الأراضي السورية وسيدفع إسرائيل، التي لا تزال تقاوم أي تغيير في سوريا، إلى اغتنام الفرصة ومهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وربما أيضا إلى دخول مسرح العمليات على الأراضي السورية نفسها..

إن كل شيء جائز وإن الأيام المقبلة حبلى بالتطورات والأحداث وإن منطقة الشرق الأوسط بعد كل هذه الزلازل العاتية ستشهد خرائط سياسية وجغرافية تختلف كثيرا عن هذه الخرائط الحالية.
 
 
الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…