أم الرجال

فدوى كيلاني
 
أثلجت صدري تلك العبارة التي أطلقتها نساء دير الزور ” لن نتراجع حتى تنجح الثورة” وهي في جوهرها “عهد” قطعنه على أنفسهن ، في أن يستمررن في الثورة حتى انتصارها .
العبارة تبدو بسيطة في طرحها لأول مرة ، إلا أن التمعن في جوهرها يبين أنها عميقة المعنى ، وفيها روح الإصرار ، وروح الإباء، وروح الشجاعة وهذا يذكر بالمقولة الكردية الخالدة التي أنصفت المرأة şêr şêre çi jine çi mêre

أي أن الأسد أسد سواء أكان أنثى أم ذكراً) وهي الترجمة الحرفية للعبارة .
والمرأة السورية دفعت ثمنا ًباهظاً من جراء هيمنة الحزب الواحد ، الذي حكم الدولة والمجتمع منذ 8  آذار 1963 وحتى الآن ، وبدأ الظلم مثل كرة الثلج يزداد سنة وراء سنة، ولا سيما بعد ما سمي بالحركة التصحيحية في بداية السبعينات ومروراً بعهد الأسد الإبن الذي تفاءل به أبناء سوريا ، واعتقدوا أنه سيخرج (الزير من البئر) فيما يتعلق بقضايا الكرامة والحرية والديمقراطية والفساد ، إلا أن من يراقب مسيرة سوريا عبر عقد ونيف ، يجد أن الأسد الإبن الذي دخل بعد حملة دعائية إعلامية أمنية واسعة من قبل عدد من المختصين في دراسة سيكولوجية المواطن السوري ، وحاجاته ، وعدوا بأن نكون أمام عصر التحديث والتطوير والإصلاح ، وهذا ما شحن نفوس المواطنين السوريين ، ومنهم النساء ، بالتفاؤل والخير ، إلا أننا وجدنا أن الأسد الابن لم يف بأي وعد تقدم به أمام أعضاء مجلس الشعب ، وبدأ ينكل بالناشطين ، ويزج بهم في السجون ، ولم يفرق بين رجل وامرأة ، فقد عرفت الزنزانات والسجون السورية المرأة الكردية كما عرفت المناضلة د.

فداء حوراني ، التي أودعت السجن ، بسبب رأيها مع عدد آخر من مناضلي إعلان دمشق ، ولا تزال السجون السورية ممتلئة بالنساء ، والنظام السوري لم يفرق في عمليات القمع والإرهاب بين امرأة ورجل فقد وجد العالم كله كيف أن الرصاصة اخترقت امرأة وابنها الذي أسعفها إلى أحد المشافي في مدينة درعا ، وكانت  الشاهدة على مقتل وليدها على باب البيت وأمام بقية أفراد أسرتها .
الجوع ، الإهانة ، الاعتداء ، ومداهمة عناصر الأمن غرف نوم المناضلين لاعتقالهم بوجود نسائهم وبناتهم ، ويصطادونهم وفي ذلك أكبر إهانة للمرأة ، وكرامة الأسرة السورية، بل هناك فظائع يروى عنها في جسر الشغور وغيرها بشكل خاص .
ولقد تعرضت المرأة  للاستجواب ، وللابتزاز ، والتهديد، باللقمة ، نتيجة لموقفها ، البطولي ، وهي التي كانت جنباً إلى جنب مع الرجل أماً وأختاً وزوجة وصديقة وحبيبة .
هذه الأمور كلها والكثير غيرها أتذكرها حين أقرأ أو أسمع هذا الموقف البطولي الذي أعلنت عنه المرأة في دير الزور لتؤكد أنها جزء وركن أساسي في الثورة السورية .
 
أحيي المرأة المناضلة وهي تساهم في الثورة السورية وقد قيل لي أن امرأة كردية طيبة بسيطة كانت تحض أبناءها للوقوف تضامناً مع أبناء درعا ، وهي بهذا تعتبر أن كل شهيد من أية أسرة في درعا إنما هو ابنها هي

النصر لقضية أبناء سوريا البطلة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…