الرئيس «خارج التغطية»

إبراهيم اليوسف
elyouseg@gmail.com

تتالى الرسائل الموجهة إلى الرئيس السوري د.

بشار الأسد، سواء أكانت من قبل  بعض حلفاء الأمس، أو من قبل عدد من المفكرين، والحكماء، منذ أول خطاب له، في “مجلس المصفقين” أو ما يسمى ب” مجلس الشعب”،زوراً، وكل هؤلاء كانوا جدّ حريصين على بقاء هذا النظام، على سدّة الحكم، بيد أنّ النظام الذي خيل إليه، بأنه لا يشبه النظام التونسي، أو المصري، من خلال قراءة خاطئة، من قبله، للوحة الواقع، معتقداً أنه من خلال خيوط اللعبة التي يمارسها، بشكل فلكلوري، منذ عقود من الضحك على اللحى، ومنها “ورقة المقاومة والممانعة” أو “الصمود والتصدي” الورقة التي لا يتعامل معها إلا من أجل تثبيت دعامات كرسيه،
 وقد تبين للعالم كله أنها كانت ممانعة ” كلامية” ، ليس أبرع من النظام في تدبيجها، وتمثيلها، بيد أنها كانت عبارة عن مفرقعات، فحسب، شأن الجزء الآخر، من متلازمته، في” الصمود والتصدي” كما بات يقرأ كلّ ذلك الشارعان الفلسطيني واللبناني، وفي طليعة هؤلاء ما يكتب د.

عزمي بشارة، وآخرون، ولم يستطع إعلام النظام الذي تم تمثيله في اللجنة الميدانية العليا، التي يرئسها الرئيس نفسه، وبعضوية عدد من رجالات الأمن، من إقناع أحد، خارج دائرته الضيقة، بتشويه، وتقزيم، وتخوين، الثورة السورية، من خلال ربطها بالأجنبي، ولاسيما أن قراءة شباب الثورة كانت أكثر صوابية، وحكمة، عندما طرح شعاراته الرائعة، ومن بينها” الشعب السوري واحد” وغيرها مما ستتمّ كتابته على لوحات الإعلانات، وفي الشوارع، وقاعات المراكز الثقافية، في سوريا الجديدة، سوريا الثورة الحقيقية، سوريا الثورة السورية، بدلاً من عبارات سئمها المواطن السوري إلى حدّ القرف.

والحقيقة، كانت الفرصة متاحة جداً، أمام الرئيس السوري، ليطوي صفحة الاستبداد، من دون أن يأخذ بالوصفات المملاة، من دائرته الضيقة- وما أجدر به أن يشرع هو بمحاكمتها على خطل، وزيف، وصفتها الدموية- بضرورة عدم استعادة تجربة الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي كان كلما قدم تنازلاً ، ارتفع سقف المطالب، وذلك لأن المواطن السوري كان جاداً في مطالبه، مثلهما هو، الآن، فهو لا يتعامل بلغة المراوغة التي يجسدها الإعلام السوري، وأبواقه، في أقصى صوره، وكان ذلك ما سيجنب سوريا الغرق في بحر الدم الذي تغوص فيه، حتى الأذان،ما جعلنا نتكبد أرواحاً بريئة، زهقت، بطريقة بشعة، ناهيك عن آلاف الجرحى والمعتقلين، والمطلوبين والملاحقين، بل وقد بلغ عدد المهاجرين إلى تركيا، وحدها، أربعة آلاف وثلاثمئة مهاجر، من أطفال ونساء وشيوخ، لتنزع ورقة التوت الأخيرة عن عورة الاستبداد، وهي وصمة عار، تدعو إلى الخجل، إذ: ماذا يعني أن يضطر المواطن لترك بيته، وأهله، ووطنه، ويعيش في مخيمات لاجئين، جائعاً، مشرداً، وكل ذلك ما كانت سوريا بغنى عنه، لو تصرف النظام بالشكل المطلوب، واستجاب للنداءات الموجهة إليه، ومن بينها مساهماتنا المتواضعة، كأبناء سوريا من الكتاب، والتي نشرناها، بروح عالية من الحرص على بلدنا وإنساننا،محاولين تجنبيه، ولانزال، المزيد من الدماء البريئة الطاهرة.
ويبدو أن عزلة رأس الهرم السوري، عن أبناء وطنه- وهي عزلة رمزية أمام واقع العزلة الفعلية منذ عقود- بطريقة عبرت عنها قبل أكثر من شهر، وقلت: إنها تدخل في إطار  الحرب المعلنة-زوراً-على مواطننا، وهي لا تزال مستمرة،الأمر الذي يجهز على الخيط الأخير، مما يتطلب من وشيجة وآصرة، بين المواطن المخدوع بالشعارات والنظام، حتى وإن كان هناك ملايين الصامتين، الأكثر توقاً للتغيير، ممن يقدم روحه على مربض الحرية، بيد أن ارتفاع وتيرة القمع، تدعو كثيرين إلى التزام هذا الموقف، إلا أن هذه الوصفة لا أفق، ولا مستقبل لها، مادام أن القمع الوحشي، بأعلى مستوياته، لم ينل من إرادة الثائرين الصوانية، بل يزيدهم، قدماً، على مواصلة الاحتجاجات السلمية.
إن آخر خبر، عن الرئيس، أعلنت عنه الأمم المتحدة، وهي أن أمينها العام، يحاول الاتصال بالرئيس الأسد منذ أيام عدة، ولا يتمّ الردّ عليه، بل يقال له” الاتصال غير متاح”، ولعلّ العبارة كما أحاول تذكّرها، بعيداً عن ترجمتها” الاتصال غير ممكن، أعد المحاولة لاحقاً” وهو ما يذكر بهواتفنا-المحمولة- التي كثيراً ما كانت تصبح-خارج التغطية- أو من دون أرصدة هاتفية، وهي هواتف تابعة لشركة الخليوي التي يمتلكها رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، أحد أكبر رموز الفساد، وكثيراً ما تم استدعاء كثيرين منا، إلى إحدى الجهات الأمنية، المتخصصة، على إثر التنصت الأمني على الحديث الهاتفي، بيننا وبعض الأصدقاء، ما جعلني ذات مرة أرمي هاتفي، لمدة شهر، تحسباً من هذه الاستدعاءات القميئة، ولعلّ الرئيس نفسه لا ينجو من التنصت عليه، وهو ما قيل ذات مرة، على لسان مفكر سوري، التقى الرئيس، وقدم إليه الموعظة الحسنة، غيرة على بلده، فتمت مكافأته في ما بعد بالسجن.
إن” إغلاق خطّ الهاتف” وإغلاق المدن، بالحصار، والدبابات، واستمرار إغلاق سوريا أمام الإعلام، وأمام  منظمات حقوق الإنسان، وإغلاق باب الحوار الفعلي مع اللحظة الصادقة، وليس مع من يأتي ليصفق، ويسبح بحمد السيد الرئيس، فحسب، كل ذلك، لا يحلّ قضية أبناء سوريا الذين لا ينتظرون أيّ منقذ خارجي، لأن إرادته أقوى من كل قوة، وهو ما لا يريد النّظام فهمه، وهو يهرول –الآن- للعبة أخرى وهي ضرب الوحدة الوطنية، لتأليب طرف على آخر، كما يفعل الآن في منطقة الجزيرة، أو من خلال الاعتماد على” بعض” الشيوعيين السوريين الذين يقومون اليوم، في تظاهرة سلمية، استفزازية، في مدينة قامشلي- مخطط لها- بدعوى الدعوة إلى التنديد بالتدخل الخارجي، وهي كلمة حق يراد بها باطل،  فهل سيتمّ فتح كل تلك الخطوط، والاستجابة لأسئلة” شباب الثورة” إنقاذاً لسورية، التي يتطلب الإخلاص لها الإقرار، بأي تنازل، استجابة لنداء الضمير، و إرادة الشعب، الأعلى، والأقدس، دائماً، قطعاً لأي تدخل خارجي، يستعجله النظام بسلوكه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…