الإعلام التضليلي الرسمي في أدواته البائسة

 إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

 إذا كان الإعلام السوري، يعمل على جبهتين هما: التعتيم على حقيقة ما يجري، سورياً، من جهة، والكذب على الثورة، وأهلها الشرفاء، الوطنيين، من جهة أخرى، وكلتا الصفتين تنتميان إلى التزوير الذي يبرع ويبدع هذا الإعلام في إدارته-وإن كان لا يصدقه أحد-ويشكل مدرسة كبرى، بعد سقوط مدرسة مماثلة، كانت الشطر الآخر منها، فإنّ تخبط هذا الإعلام يبدو واضحاً، وهو ما ينفي أمراً ما، حتى يأتي ويقرّبه، وهلم دواليك.
ولعلّ ما يسجل لهذا الإعلام، هو مقدرته البهلوانية، الفائقة، والمدهشة، على التقاط اللقطاء من الشخصيات الموتورة، ليس على مستوى خريطة البلاد، فقط، وإنما على المستوى العربي، بل والعالمي، ممن يساومون على أصواتهم ويبيعونها بأثمان بخسة، غير مكترثين بلعنة التاريخ.
 العالم  الحر برمته، بات يشجب زجّ الجيش السوري، في مهمة قتل أبناء الشعب، بعيداً عن وظيفته الحقيقية، في حماية الحمى، ويتمّ الحديث عن استشهاد أكثر من ألف وخمسمئة مواطن، ناهيك عن جرح الآلاف، واعتقال عشرات الآلاف، وتدبيج قوائم بمئات الألوف من الطلقاء المطلوبين، ما أن يغادر أحدهم، عبر بوابة حدودية، أو مطار-كما حدث مع أستاذي وصديقي الناشط محمد صافي الحمود –فكّ الله أسره، ولذلك فإنّ هذا الإعلام يظهر مجموعة من الأطفال في إحدى المحافظات، وهم يقدمون الورد لعناصر الجيش، ليعانقهم بعض الجنود، في تمثيلية مكشوفة، في اللحظة نفسها التي يشرد آلاف الأطفال، ويتيتم الآلاف، ويتمّ قصف بعض مدننا بالقذائف، عبر الدبابات والطائرات، بل ويتمّ تقديم أسرة بائسة، هاربة من جسر الشغور، يتحدث أبناؤها عن أنهم هربوا بسبب الخوف على أنفسهم من ” جماعات مسلحة”، وهم في الحقيقة “شبيحة” النظام نفسه، كما أن تسمية هذه الجمعة ب” جمعة العشائر” ذكرت النظام بالتوجه إلى بعض رموزها، في هذه المحافظة، أو تلك، لتسول مواقفهم، لينزل حزب البعث “العلماني” إلى اللعب على ورقة نبذها هو،  لإجراء اللقاءات مع بعض الوجهاء، تحت طائلة الترغيب والترهيب، ليعلنوا ولاءهم للنظام، بل إن هذه الفضائية تصور تظاهرة بائسة، صغيرة، في أحد أحياء دمشق، لشبان، أو “شبيحة” يحرقون رمز إحدى الفضائيات، لأنها تعكس بعض حقائق ما يجري في سوريا، لأنّ الحقيقة أدهى من كل رصد لها، من جراء الانتهاكات العدوانية التي يقوم بها النظام، بل إن هذه الفضائية راحت تجري لقاءات مع بعض المواطنين الذين خرجوا إلى أحضان الطبيعة، ليقولوا ” كانت الجمعة عادية”، ولاسيما أن مظاهرة قامشلي، لم يخرج فيها إلا عشرات الأشخاص- لا عشرات الآلاف- وهكذا بالنسبة لعامودا، أو دير الزور، وغيرها، في الوقت الذي لا تزال تتواصل فيه الاحتجاجات بعشرات الآلاف، سواء أكان ذلك في حماة، أو حمص وغيرها.
 وقد عادت الفضائية التي كان الجنود بملامحهم الواضحة -وباللباس المحدد والمعروف من قبل كل أبناء سوريا يقفون، أمام مجموعة من جثث الشهداء المستفزة للضمير الحي، وهم يستهزئون منهم، ويرمون الأسلحة المستوردة قربها، بانتظام، قائلين: نحن ننتظر تصوير الفضائية الفلانية، لتشويه صورة الضحية، وجعله مجرماً، متآمراً، وجعل قاتله وطنياً نبيلاً شهماً، وهي الفضائية نفسها التي قامت  باستضافة أحد كتاب الفتنة وهود.

علي شعيبي، وقدمته على أنه-باحث ومفكر-ليوزع اتهاماته الملفقة، على عادته، في كل حدب وصوب، ضد كل من يشترك في هذه الثورة، فيقسمهم على ثلاث فئات هي: مغرَّربه، بفتح الراء الأولى، ومغرِّر،بكسرها، ومتصهينين، متآمرين  يدفعون المال، ويقدّمون السلاح، بل إن  الوقاحة تبلغ به للجزم أن طفل الجيزة ذي الثلاثة عشر عاماً، عمره في الحقيقة سبعة عشر عاماً، وهو في عرفه شاب، وليس فتى كما يجب أن يكون دقيقاً حتى في تلفيقاته- وأن ذلك الطفل كان يستفز النساء المحجبات ربما في تصريح آخر-مع أنه ابن بيئة معينة وإن أمه محجبة- وإن كان قد أخطأ، فليوضع في إصلاحية، حاشاه،لا أن يقتل تحت التعذيب، عموماً نحن أمام اعتراف بين بتصفية هذا الطفل، وهو أمر مهم.

 ولعلّ من أطرف ما قاله الدكتور المدعو أنه كتب مقالاً، منذ أربع سنوات، في إحدى الصحف المحلية، يطالب فيها الوزير الفلاني، أو المدير العام، لتقديم استقالتيهما، مادام أنه لم يحقق” الإصلاح” وكأن في مكنة هذا المسؤول، أو ذاك تحقيق “وصفة الإصلاح” السحرية، إن أرادا، وليس أن النظام كله، من بابه إلى محرابه، فاسد، من دون أن يمضي أبعد، مما هو مرسوم له، ليبين أن نظاماً لم يحقق الإصلاح، فإن عليه أن يستقيل، وهنا جوهر وسرّ استقتال النظام، واسترخاصه للدم السوري من أجل كرسيه، لأن قوائم هذا الكرسي مكونة من الفساد .
لقد كان هذا الباحث يتحدث بطريقة تنمّ عن “عصاب” واضح، إذ يكاد يخرج من الشاشة، وهو مستفز، يريد أن ينقضّ على العالم كله” وهو المجرّب، قبل الآن بالتزوير والفتنة”، ولاسيما أنه بدأ –وهو المثقّف- يناشد القبائل، والعشائر بأسمائها، لمواجهة أخوتهم من الشعب السوري، للوقوف مع الجلاد الطيّب، الملائكي، ضدّ الضحية، الإبليس، والزنديق، والخائن، عشية هذه الجمعة التي استشهد فيها ما يقارب الثلاثين شهيداً، سواء أكان في مدينة أبي العلاء المعري، أو في مدينة إدلب، أو اللاذقية، أو جسر الشغور، أو غيرها، في الوقت الذي تعلن فيه أجهزة إعلام النظام ، أن قوات الجيش نجحت في مهمتها في” جسر الشغور”، بعد أيام فقط من تآمره، على الدم الفلسطيني و السوري، على حدود وطننا مع عدونا الإسرائيلي، وأيّ نجاح يدفع إلى الفخار، عندما يكون ثمنه دم أبناء الوطن، ويكون الاعتماد على أسلحة ثقيلة، وطائرات، وحوّامات، ودبابات، وبأيدي أبناء الوطن، أنفسهم، بل الآلم من كلّ ذلك، أن تلد إحدى نساء-جسر الشغور- وهي في المنطقة الحدودية، أثناء فرارها مع أسرتها، وهو ما أعلمتني إياه سيدة قريبة، من الوطن، وهي تنحب ألماً وحزناً.
لكن، ما يمكن اعتباره من الفظائع، وينتمي إلى مستوى إشعال نار فتنة أهلية، في مدينة ” قامشلي”،  هو قراءة فضائية الدنيا، لبيان على أنها تلقت نسخة منه-إن لم تكن شريكة في كتابته- وأنه  صادر عن ” الشباب العربي الحرّ” فيه الوعيد للفسيفساء الجزري، المتعدّد، وهو ما يدعو إلى إشعال فتيل الفتنة، بين أبناء الأسرة الواحدة، في الجزيرة، وهذا ما لن يجد أيّ استجابة من قبل الشارع الجزري، هذا الشارع الذي لا يزال يتذكر ما رعاه، وأداره النظام من فتنة، في شحن  الضغينة والأحقاد، ليلعب دور المتفرج، بعد أن اعترف بعض ناشري البيانات  بعيد 12 آذار، كيف كانوا قد تورطوا في هذه الجريمة، ضد أهلهم الكرد، إلا أن ما يجري، الآن، هو ثورة شاملة، فيها كل الفسيفساء السوري، ولن تخمد بهذه الأدوات الخسيسة.
أية كانت أساليب الإعلام السوري، التضليلي، الذي يصف سواه بالتضليل، كما أنه يمارس القتل، وينعت سواه بصفته، بل بصفاته، وما أكثرها، لأنها عصية على الحصر، إلا أن العالم الحر كله عارف: ما الذي يجري في سوريا، لأن ورقة هذا الإعلام احترقت، منذ زمن بعيد، وبات الآن رديفاً لرصاصة الموت، بشكل واضح، بعد أن باع حفنة من الإعلاميين ضمائرهم في بازاراته، مساوماً على دم أهله، بل على رأس الوطن، وهو يتحدث عن مؤامرة مفترضة، لا يجسدها إلا النظام نفسه، حيث تآمر على كل ورقة تناولها، على امتداد عقود، من دون أن يكون صادقاً، في أي منها البتة.

10-6-2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…