«المؤتمر السوري للتغيير»: خطوة هامة لإعداد «البديل» لتفادي السقوط في الفراغ

  د.

رضوان باديني


عدة مسائل تطرح من تلقاء نفسها حينما نبحث عن أهمية “المؤتمر السوري للتغيير” الذي انعقد بين 1 -2/6/ 2011 في مدينة أنطاليا التركية، وهي: هوية المنظمين و مشروعهم المستقبلي لسوريا؛ حلفاؤهم في الداخل والخارج؛ وأخيراً، قدرتهم على التغيير! اوبالأحرى مدى تمييزهم عن غيرهم من جهات المعارضة الأخرى!

ان الرصد الصحيح والموثوق يتطلب وقتاً إضافياً ودراسة مسهبة  على مختلف الأصعدة وفي أكثر من مكان وموقع… لكنني سأكتفي هنا بملاحظة المؤشرات المنمية عن الوقائع وبقراءة ما يطفو على السطح من إحداثيات وما يترشح من معطيات… ضمن مجريات المؤتمر نفسه وسياق تنظيمه وما نتج عنه من نتائج وقرارات.

 بهذه المقاربة، لا بد من التأكيد بان مساعي عقد هذا المؤتمر ترافقت مع مساعي مماثلة لثلاثة مجموعات أخرى (او اكثر) للمعارضة السورية في بلدان الشتات، كانت جميعها تسعى لإقامة مؤتمر مشابه، لكن يبدو ان القائمين على هذا المؤتمر سبقوا غيرهم في تحقيق غايتهم، لأنهم  سبقوهم  في تأمين “عصب الحرب” اي الوسيلة المادية اللازمة وإنتزعوا صفة “الأوائل” في تبني الدفاع عن الثورة السورية وطرح “البديل” القادم لنظام الأسد المتزعزع،.

لكن من “الناحية الشكلية” يبدو ان هذا العامل الحاسم في نجاح هذا النشاط  يرجع لمساهمة عائلة سنقر الغنية التي حضر أربعة أخوة منهم للمؤتمر؛ ثم بالدرجة الثانية مجموعة القبائل المعتمدة على الدعم السعودي ومنهم بالأخص شيخ قبيلة العنزة عبدالإله الملحم؛  وشيوخ قبائل الجبور والحديديين وآخرين المعتمدين على بعض الأوساط المؤثرة في دول الخليج؛ وكذلك دور رجل الأعمال السوري غسان عبود صاحب قناة “أورينت”، ومجموعة نشطة من المثقفين والكتاب والصحفيين.

إذاً هؤلاء إمتازوا على غيرهم من المدعويين بانهم أصحابي المبادرة.
طبعاً كانت هناك آراء  “مفسرة” داخل المؤتمر نفسه تدّعي أن هؤلاء ليسوا إلا الواجهة، والإتفاق الأساسي كان بين أمريكا وتركيا وأطراف أخرى آثرت أن تبقى في الظل ( الممولين الأساسيين)، أي هي بالأساس الأطراف الحقيقية المتخوفة  من ظهور ما لا يحمد عقباه في سوريا إذا سقط نظام الأسد دون تحضير البدائل.


حسب هذا التفسير ان “المعارضين السوريين” بهوياتهم المختلفة،  الذين ظهروا على المسرح السياسي في انطاليا، ليسوا سوى ممثلين يؤدون دورهم حسبما يتطلب منهم الموقف.

بالإضافة إلى كون بعضهم يتبع أجندات ذات ألوان ممتزجة وليست بلون واحد، وقد يستبدلون في المستقبل بالوانٍ أخرى من الطيف السوري.
اما من الناحية السياسية فبات جلياً ان كل الأطراف المشاركة تناولت مسبقاً مسألة تحضير وترتيب إنعقاد هذا المؤتمر وشروطه، وبالأخص ضرورة قبولهم لبعضهم البعض.

اي أن جميع من ينضون تحت سقف هذه المعارضة يتفقون على نبذهم لنظام الأسد ويحيلون مناقشة “ملامح البديل القادم” بينهم لوقت آخر، على أن يحمل هذا “البديل” مبدئياً سمات وقسمات جميع أطراف الطيف السوري السياسي والقومي والإجتماعي… والصيغة المشتركة، المتفق عليها، هامة بنفس الدرجة للأطراف الدولية المتضامنة للتعاطي مع الموقف.

 و
من هنا مقتضيات ان تكون هذه الصيغة ” الأمثل والأكثر موضوعية وشمولية لهذه المكونات”.

لأن  صورة المعارضة السورية، وبالأخص الخارجية، المبعثرة والمشتتة  قبل الآن، كانت لا تشجع مثل هذا التقارب.


لقد ظهر جلياً ايضاً،  بان اطراف اخرى للمعادلة موجودة على الخط “الخلفي” مدعومة من جهات إقليمية وعربية (غير مكشوفة الهوية)، تملك نفس الهواجس المشتركة مع أمريكا وتركيا وغيرهما، و الذين تقلقهم جداً السقوط في الفراغ،  او”الهاوية” التي قد تنشأ على أثر سقوط النظام ذو الباع الطويل في حبكة عدة مسائل مزمنة ومستعصية على الحل في الشرق الأوسط.

وطبيعي ان جميع الأطراف الإقليمية ودول الجوار السوري لها حساباتها وأجنداتها في مشروع سوريا ما بعد السقوط.

لكن إستمالة أمريكا وتركيا بالأخص بدون شروط مسبقة، (وهما كما يبدو- لاعبان اساسيان في إتجاه تطوير الملف السوري)، أمر صعب توقعه.

فأمريكا، قلقة من خلو الساحة من سلطة قوية سيؤدي  لفرص صعود الإسلاميين المتشددين… بينما تتخوف تركيا من بروز كيان كردي نتيجة الفراغ وتقاسم النفوذ بين الأطراف الجديدة.

 اما الدول الأخرى المؤثرة والواقفه على مسافات مختلفة من الموضوع، كالسعودية والأردن ومعهما مجموعة الدول الخليجية… فتخشى إنعكاسات عدم تبلور صورة “البديل” لنظام الأسد على المنطقة برمتها وبالأخص على لبنان وفلسطين، وما يحتويهما من أبعاد عربية وإسلامية وعالمية.

في ظل هكذا تفاعلات يبقى التكهن بالدور الإيراني والأطراف المتعاونة أهم مفصل “قاتم” في المسألة و موضع قلق شديد للجميع! فهذا الطرف الذي كان إلى الأمس القريب  يشكل “حلفاً” غير مقدساً مع العائلة العلوية الحاكمة في سوريا يبدو انه  يحيك في الخفاء سيناريوهات لم تكشف ملامحها بعد، لكنها بالتأكيد معاكسة في توجهها وأهدافها مع مجموع تصورات المحور الغربي- التركي- الخليجي.

و تصريحات زعماء حزب الله وحماس حول الدور “الممانع والمقاوم” للنظام السوري لا يترك الشك في نوعية عدائهم للتغيير في سوريا.


 شيئ آخر لا يمكن تجاهله وإستبعاده…الإحتقان الجاري على صعيد المنطقة ككل وبالأخص (بين ايران والسعودية) وإحتمالات حدوث عملية تصفية حسابات قديمة بينهما على الساحة السورية المتأزمة، وهوكما يبدو يرضي جزئياً أطراف دولية بعينها، لأنها ستسهم في عزل ايران وبتر أحد ساعديه في المنطقة.

لذلك كله أن تصادم الرؤى  المتناقضة  للاطراف الإقليمية  و تعقيدات أوضاع سوريا الداخلية نفسها حتمت على منظمي المؤتمر البحث عن  ممثلي كل الأطروحات القابلة للتحاور والتفاعل والتحول للبديل على اساس القواسم المشتركة.

ومن هنا برزت مثابرتهم لنزع الأشواك على الطريق والتقليل من التنافر بين الأطراف المتباعدة.
وفي هذا الإتجاه ان أهم إنجاز للمؤتمر هو نجاحه في خلق نقاش حيوي كان مفقوداً منذ الأزل بين أطراف المعارضة السورية.

فقد إستمعت الأطراف المختلفة لأطروحات بعضها البعض وقدرت إستعداداتها وقابلياتها وما يمكن دمجه منها في تركيبة هذا “البديل المشترك المنسوج بخيوط متنوعة” والإتفاق معه على منظومة مبادئ وأسس حتى لا تستبقهم الأحداث وتتجه الأمور إلى ما لا يحمد عقباه للجميع .

هذا ما كان يفهم من رموز وواجهات الحضور و المعنيين الداخليين والخارجيين (الحاضرين والغائبين) والأطراف الدولية والإقليمية المهتمة بشأن المعارضة السورية.

ولذا نجد خطوط التدخل متراصة ومتوازية وتتلون بالوانها .

ولذلك ايضاً وجدنا هذا العدد الكبير من المشاركين ؛ (اكثر من  300 شخص من  جميع أطياف الشعب السوري الإجتماعية والقومية والثقافية).

وبهذا الشكل أو ذاك وجد الجميع موقعه ومصلحته في التعاقد على صيغة مشتركة للبدء بالعمل لمرحلة مستقبلية جديدة.


أعتقد ان منظمي المؤتمر حصلوا على ما كانوا يخططون له وهو جمع تركيبة متنوعة من مختلف المكونات القومية والإجتماعية والسياسية وبولاءات واهتداءات ايديولوجية مختلفة ومتباينة: فمن الأسر الغنية والمؤثرة في الحياة السياسية والإقتصادية لسوريا (عائلة سنقر) إلى مجموعة هامة من المثقفين والكتاب والصحفيين والأكاديميين المعروفين  مروراً بمجموعة من النشطاء السياسيين والحقوقيين البارزين على الساحة الدولية (لا يتسع الوقت لذكر اسماء هؤلاء وأولئك  ولكي لا نثير حساسية البعض) وإنتهاءاً بالقاعدة الصلبة للمعارضة التقليدية القديمة للنظام وهم الأكراد والأخوان المسلمون، بالإضافة إلى شريحة واسعة من ممثلي العشائر السورية المناضلة ( العنزة، الحديديين، الجبور، الشمر، العبيدات… وأعتذر إذا ما فاتتني أسماء) وجدنا فعلاً صورة تحمل كل تعبيرات النسيج الإجتماعي والسياسي والثقافي السوري في المؤتمر.
النقد الأساسي لهذا المؤتمر كان من لدن التيارات العربية القومجية والتي اتهمت المؤتمر بانه تفادى التطرق للصراع العربي الإسرائيلي!؟ … صحيح ان المؤتمر تفادى التطرق علنية لهذا الموضوع لكن موقف المؤتمرين عموماً برز من خلال نقاشاتهم الجانبية وعلى هامش المؤتمر، وتلخص في التأكيد على ان”…أطفال سورية يقتلون على مرأى ومسمع كل العرب ولا يتدخل أحد لنصرتهم …و الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ما تزال ساكتة على جرائم النظام  … ولم تدينه رسمياً حتى الآن اية دولة عربية!؟؟.
اما قوة المؤتمر  فكانت في قدرته على جمع هذا العدد الغفير من مختلف المكونات السورية في إطار واحد مشترك وتحت شعار واحد:” المؤتمر السوري للتغيير“… وكذلك في قدرته على إهمال وإبعاد من كان يعد سابقاً على المعارضة مثل عبد الحليم خدام او رفعت الأسد الذين لم تعد أطروحاتهما مقنعة امام الموجات الجديدة للمعارضة الحقيقية  والعارمة للنظام.

ثم ان المؤتمر حقق غايته الأساس كونه لفت انتباه العالم باجمعه إلى أن الشعب السوري يعشق الحرية وجاهز لدفع ثمنها غالياً، وأعطى صورة حضارية واضحة على أن مطالبته هذه “بإسقاط  النظام ومطالبته بشار الأسد  بـ “الاستقالة الفورية”، مطالبة سلمية لا لبس فيها.


وأخيراً، بالنسبة للشعب الكردي في سوريا كان المؤتمر إنتصاراً حقيقياً فقد أعترف في بيانه الختامي بأن: “الشعب السوري يتكون من قوميات عديدة عربية وكردية وكلدو آشورية وشركس وأرمن، ويؤكد المؤتمر تثبيت الحقوق المشروعة والمتساوية لكل المكونات في دستور سوريا الجديدة” وأكد بان :”سوريا المستقبل ستحترم حقوق الإنسان، وستكون دولة مدنية تقوم على مبدأ فصل السلطات، وتعتمد الديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع

كل تلك النتائج  لايستهان بها وهي ما لم تحققه من قبل اية جهة معارضة بوحدها او مجتمعة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

حمدو يوسف من أجل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا، ولتفادي اندلاع حرب أهلية وإقليمية جديدة تؤدي إلى تقسيم البلاد، والتي تعاني أصلًا من أزمات طويلة الأمد أثقلت كاهل شعبها، أصبح من الضروري العمل بجدية على إيجاد حلول سياسية شاملة. الحوار والتفاوض كأساس للحل على الشعوب والمكونات السورية المعنية أن تجلس معًا للتفاوض وإيجاد حلول سياسية للصراع بعيدًا عن العنف. يجب…

أحمد خليف في سورية الجديدة، حيث يقف الوطن على أعتاب مرحلة تاريخية مفصلية، تطفو على السطح اتهامات خطيرة تُطلق جزافاً ضد الحكومة السورية الجديدة، أبرزها اتهامها بما يُعرف بـ”الدعدشة”، أي محاولة ربطها بنهج ديني متطرف يشبه الأساليب التي تبنتها الجماعات المتشددة، وبينما تتصاعد هذه الأصوات، تبرز تحولات لافتة في شخصيات وأطراف لعبت أدواراً بارزة في المشهد السوري، ومن…

بوتان زيباري ‎‎‏ الشعوب بكل تعقيداتها وآمالها وتطلعاتها. وما القضية الكوردية إلا نموذج صارخ على معاناة شعب يناضل من أجل الاعتراف بهويته وحقوقه المشروعة على أرضه. منذ عقود، عانى الكورد من التهميش والإقصاء، حيث تم طمس هويتهم الثقافية ومنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية. لكن إرادة الشعوب لا تُكسر، بل تزداد قوة مع الظلم والقهر. إن القضية الكوردية تتجاوز كونها مجرد…

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…