سيدي أكرم البني*

 

ابن الجزيرة


هذه اللهجة الوصائية التي اعتادها العرب منذ أن أتيحت لهم القيادة للدولة الإسلامية ، وبفضل المسلمين من غير العرب – غالبا- حتى في إدارة الدولة(البرامكة مثلا..) أو قيادة الجيش (طارق بن زياد الأمازيغي) أو في ميدان الفكر والعلوم (ابن رشد وابن خلدون الأمازيغيين).

الفارابي (التركي أو الكردي) ربما.

وابن سينا (الفارسي).

وابن الأثير وابن خلكان(الكرديين) وأصحاب المذاهب،الحنفي والحنبلي.و المحدثون(البخاري ومسلم..) وصلاح الدين الأيوبي..وأبو الفداء الذي تنسب إليه مدينة حماة، وربما …

 

ولكن ذلك كله لا يجعلنا نغفل ما كان موجودا واقعيا (على الأرض).

كانت دولة تسمى بالإسلامية ولكن بهوية ثقافية عربية،وهو ما ظهر كثيرا باسم (الدولة العربية الإسلامية) ولكن العروبيون أنفوا من ذلك، فباتت تلفظ أو تكتب فقط الدولة العربية- إلا في حالات خاصة، ولا بد منها لسبب ما-  واستغل حكامها، كون اللغة العربية هي لغة أنزل القرآن بها، وكأنها اختيار خاص ، لهذه اللغة، بينما الواقع أنها كانت الوسيلة الوحيدة للتأثير في قوم جاهلي قبلي التفكير- ولا يزال هذا النمط من التفكير سائدا لدى الكثيرين من المثقفين والساسة- وللأسف-.فما بالك بعامة الناس..!

 

 استغل هؤلاء الحكام هذه الحقيقة فبالغوا في تفسيرات خاطئة، همها خدمة مصالحهم، وانساق مع اتجاههم هذا شعوبهم العربية البسيطة والمختزنة لمفاهيم مشاعرية- ربما تعويضا عن سنين المحكومية التي قضتها تحت حكم  الأكاسرة والقياصرة أورثتهم – سيكولوجيا- روح تقليدهم، وهكذا فعلوا منذ ان أتيح لهم ذلك بعد دخول الإسلام- وللأسف-.

 نقطة أخرى لا تزال مؤثرة في عقلية المثقف العربي- أو العروبي- فنحن نربأ بك أن تكون عروبي التفكير، ألا وهي عدم حساب الزمن وتفاعلاته -المقصودة وغير المقصودة-.
فإذا أخذنا قضية العرب، يمكننا محاسبتهم على ما فرطوا فيه من الفرص لتنمية الإنسان وتنمية الاقتصاد وتنمية القيم الفاعلة والواقعية..الخ.

فهم إذا ينبغي أن يحاسبوا على سوء إدارتهم لبلدان وشعوب مختلفة باسم الإسلام، ولكنهم لم يحسنوا الإدارة، فأنتجت مآسي وويلات لا تزال الشعوب العربية وغير العربية تدفع ثمن سوئها.

وخاصة تلك الشعوب غير العربية- ومنها الكرد -.

إن الانطلاق من الواقع، ودون حساب ما كان في الماضي يغفل- قصدا أو بدون قصد- أشياء كثيرة:
–  إغفال حقيقة أن كل الجهود والإمكانيات- خلال 14 أربعة عشر قرنا -إنما وضعت في خدمة شعب واحد على حساب غيره.
–  إغفال أن إدارة قومية واحدة – رغم ما كان من الإسلام، قد تختلف أساليب الحكم في بعض الحالات- سببت تضخما في النفسية والذهنية لدى المنتمين إليها، فلم يعد لديهم الاستعداد- عند مختلف شرائحهم ومستوياتها- للقبول بالآخر، ولذا فإن ما يبدو وكأنه تنازل في خطاب المثقف العربي، عندما يتناول الشعوب الأخرى، يدل على ذلك قولك في مقالك المنشور في موقع عامودة بتاريخ………….إذ يرد فيه(( إن القوى الكردية في سورية اجتازت مؤخراً، وبنجاح، امتحاناً عسيراً، وبرهنت للمشككين بها صدق نياتها الوطنية والتزامها الديمقراطي..))
–  أليس هذا القول ينبئ بما تحمله السيكولوجية العروبية من نظرة متعالية وتقييمية نحو الكرد؟ ((صحيح أن هذه الفصائل تعرضت لبعض النقد كونها تقدمت بمذكرة تطالب السلطة بالمسارعة إلى إيجاد حل لمئات الألوف من الأكراد المجردين من الجنسية، والذين يعانون في مختلف مجالات حياتهم، ومحرومون من حق السفر والتملك، وتطبق بحقهم مظاهر التفرقة في شروط العمل والتوظيف، لكن يبقى هذا النقد مغالياً ما دامت هذه الفصائل لا تغفل في خطابها السياسي المطالب الديمقراطية))
– النقد هنا بنظرك مقبول إذا دافع الكرد عن المحرومين من الجنسسية باعتبارهم كردا، بمعنى انه لا يجوز للكردي أن يدافع باسم الكردايتي عن حقوق كردية، وإنما عليه أن يتخلى عن ذلك لصالح مفهوم المواطنة فقط .بعبارة أخرى: الخصوصية الكردية ينبغي أن تذوب في النسيج الاجتماعي السوري- وهو عربي طبعا في واقعه- ((والمعروف أنه لم تتضح في سورية معالم “مشكلة قومية كردية” بمعنى المشكلة، إلا بفعل تعاقب سلطات غير ديمقراطية، استمدت مشروعيتها من أيديولوجية مشبعة بالتعصب القومي، لا مكان في دنياها للتنوع والاختلاف، أو احترام التعددية وحقوق الإنسان ومصالح القوميات الأخرى.
– لا نخالفك الرأي في هذا ولكن دعنا نقول: إن ذلك كان من بعض تأثيرات أعمت البصيرة لدى الكرد عندما نسوا أنفسهم لصالح الاندماج (في قومية عروبية متعالية على الآخرين) بأدوات ساهم في إيجادها هؤلاء الآخرون- وهو خدمة الإسلام ولغة نزل بها القرآن- أليس الكسائي، وسيبويه، وأبو خليل الفراهيدي، والشعراء المولدون- وهم في أغلبهم ليسوا عربا-  مثل أبي نواس، وبشار بن برد، وسلم الخاسر، وأبو العتاهية..الخ.أليسوا  هم الذين أسسوا للغة العربية( نحوها وشعرها وضوابطها المختلفة؟!).

 ومع ذلك فقد وجه أبو الطيب المتنبي – ضمن مسلسله المعروض على التلفزيون- كلاما فيه شدة، وهو يخاطب خالويه: ما أدراك باللغة العربية..

فأنت فارسي، ولست عربيا؟  يقول ذلك بنبرة حاقدة، ومتعالية، اضطرت خالويه إلى صفعه..!!(بحسب المسلسل).

((وزاد المشكلة تعقيدا انتعاش المشاعر القومية لأكراد سورية تأثراً بالحراك الكردي الخارجي، وتنامي أجواء الشك والريبة التي خلفها انجرار بعض القوى الكردية وراء “لعبة” الصراع على النفوذ الإقليمي، الأمر الذي عزز الاندفاعات العربية الشوفينية ضد الكرد السوريين، وشجع غلاة التطرف القومي على ابتكار أساليب قسرية لتمييز الأكراد، وسلبهم حقوقهم كمواطنين، وتغييب دورهم))
– ما دامت هناك لعبة  الصراع على النفوذ الإقليمي، ما الذي تنكره على الكرد أن عندما يبحثون عن موقع لهم فيها؟ مثلهم في ذلك، مثل جميع القوى القومية والإقليمية، وعلى رأسهم العروبيون..!! أليس الكرد – في حصيلة الأمر- شعب له حق الحياة،؟ وحق تقرير المصير كما ورد في جميع المواثيق الإنسانية؟ وبدلا من توجبه اللوم إلى الكرد ، الأحرى بك أن توجه اللوم إلى الاندفاعات العروبية – وهي سيكولوجية قديمة لا اندفاعات بنت اللحظة؟! ((لكن برغم تأثر المزاج والحراك الكردي في سورية بالحراك الكردي في بلدان الجوار، من قبيل حركة التطوع الواسعة لأكراد سورية من أجل دعم البشمركة في شمال العراق (1974 – 1975)، ثم انجذاب أغلب الشباب والفتية الأكراد للقتال في جبال كردستان إبان الوجود شبه العلني لحزب العمال الكردستاني في الساحة السورية أواخر القرن الماضي،..))
–  ليتك تعمقت في واقع الأحداث أكثر،  لوجدت – وبكل بساطة – أن الدافع إلى الأمرين كان سببه ظلم الأنظمة المتعاقبة، وخاصة النظام البعثي ذو(الأيديولوجيا العروبية) والذي حاول اجتثاث كل ما هو غير عربي، وبكل الوسائل المتاحة، بغض النظر عن مدى توافقه مع القيم الإنسانية، أو مخالفتها، ولا تزال هذه الممارسات على قدم وساق..!
– انظر ماذا يقول هؤلاء العروبيون: من حق الدولة أن تقوم بعملية الأنفال مادام هؤلاء كانوا منحازين إلى إيران- كما يدعون-..يبررون بهذا القول ما تفعله إسرائيل بالحجة نفسها ضد الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم.!
– ما هذه المعايير المزدوجة بالله عليكم؟ ((وإذا ما استثنينا قلة من الأصوات المغالية في التطرف التي تروج لأفكار طفولية لا تمت إلى الواقع بصلة))
–  ماذا تعني يا سيدي بالأفكار الطفولية؟ هل ترى في أفكار الناس طفولية وأنت تنادي بالديمقراطية؟ لو لم تكن معارضا للحكم، ماذا كان ممكنا أن تفعله حيال هؤلاء الأطفال؟
– ما الذي يميز – في هذا المقام –  بينك وبين أهل النظام الذين يرون – أيضا- في كل الأفكار المعارضة، إما طفولية أو مغرضة أو مدفوعة الأجر من الخارج..؟! فكل ما لا يتوافق مع الذهنية العروبية هو واحد من هذه الأحوال أو ما يشابهها..!!
((وهو “إحداث وزارة خاصة، لها مديرياتها في المحافظات المعنية، تهتم بشؤون القوميات والأقليات القومية”)).
– عندما تصبح سقوف المطالب محددة بهذه الطريقة، تتنفسون السعداء، وترتخي عضلات مفاهيم من مثل( الحقوق) و (الخصوصية) والتكافؤ) والعدالة ) و (حق تقرير الشعوب لمصيرها)…الخ.

ترتخي عضلات الدفاع لديكم عن الحقوق،  وحق الاختلاف،  وربما تبتسمون تحت شواربكم هامسين : إجت منهم ..!
ما هذا الدفاع عن الحقوق؟ ألا يعني هذا أن الذين لا يستطيعون المطالبة بحقوقهم- لضعف أو جهل، أو غيره ذلك- سيبقون بدون حقوق في شرعتكم هذه أبد الدهر؟!
وأخيرا كل هذا لا ينسينا ما أوردته من أفكار، نقدرها لكم ولأمثالكم…فقط نقول لكم:
تحرروا من ذهنية أوردتكم – كقومية عربية- موارد الهلاك، وقطعت أوصالكم، وحولتكم من أمة كان ينبغي لها أن تكون – مع الأمة الإسلامية-:
((خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر!!)) إلى أمة (( القيء والسعال)) بحسب شاهد من أهل العروبة وهو الشاعر المرحوم (نزار قباني) الذي ربما شطبت من مسلسله العبارات التي أراد أن يعبر بها عن شعوره المحبط في قصيدة (هوامش من دفتر النكسة) وقصيدته(بلقيس) ..!!
فهكذا تفعل السيكولوجية العروبية…! ، تحاول أن تصوغ التاريخ كما يحلو لها..!
ولكم تحياتي وتقديري، آملا أن تسعفك نفسية معارض ومدافع عن الحقوق، لتتقبل ملاحظاتي بصدر المستنير، و لك الحق كله أن تحاورني في آرائي إذا شئت، وسأكون ممتنا لذلك..!

 

………….
* حوار مع مقال في موقع عامودة بتاريخ 29/8/2006 بعنوان: الحركة الكردية السورية عامل توحيد لا تفرقة

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…