حين يحترم «المحلل السياسي الرسمي» نفسه

  إبراهيم اليوسف

 

تأكدت-تماماً- وأنا أتابع الشاعر السوري عصام خليل، وهو يردّ على اتصال فضائية الجزيرة- كمحلل سياسي- رسمي، من قبل الحكومة السورية، ليبدي رأيه في مجريات يوم “جمعة حماة الديار“،  إلى جانب مداخلة آخر، يدعي د.

بسام أبو عبد الله-أستاذ العلاقات العامة في جامعة دمشق، أن المثقف المنصف، صاحب الضمير اليقظ، من الممكن أن يقول كلمته، من دون أن يقبل على نفسه المساومة، على قول الحق، وبيع الضمير في المزاد العلني، بشكل تهريجي، إذ شتّان بين الكلام الجوهري الذي قاله خليل، في موقع يتطلب منه أن يدافع عن وجهة النظر الرسمية، ويترجمها، وهو موقف لا يحسد عليه أحد-في ظل ممارسات آلة القمع التي تتم- عندما يكون المرء نبيهاً، حريصاً، على شرف الكلمة،

وقد أعلن خليل عن بهجته لأنه لم يسمع أنباء عن عمليات القتل حتى لحظة الاتصال به-بالرغم من أن الأنباء الواردة في ما بعد أكدت استشهاد ثمانية محتجين سلميين في أماكن متفرقة من الوطن-   وأن الناس خرجوا حقاً إلى الشوارع، ولا بد من وضع حد لما يجري من قتل، وغير ذلك من الكلام المنطقي-ولو في حدّه الأدنى، من دون إساءة إلى الثوار-ومن يستطع أن يقدم مثل هذا الموقف، وهو في ذلك الموقع الرسمي، من دون أن يزوّر، أو يقزم من أعداد المحتجين،  ومناطق الاحتجاجات، وفقاً لفرضية” وشك الأعمال التخريبية على الانتهاء”،لينفس جهابذة الحل الأمني الصعداء، ومن دون أن يشتم، كما فعل د.

أبو عبد الله، الذي راح يكيل الاتهامات لمن خرجوا في الاحتجاجات السلمية، ورآهم، يخدمون مخططات الخارج، وراح يسميهم تابعين لأمثال: نتنياهو!، وغيره، وفق ذهنية التآمر، وهي تهمة تدعو للمطالبة بمحاكمة كل من يربط بين المتظاهر والخارج، ورأى في المحتجين السلميين حثالة، أجل حثالة!، قالها وبكل وقاحة، وإنهم  من مخربي الديار، لا حماة الديار، لأنه يتوهم أن حماية الديار وقف على أمثاله من المرتزقة ممن يتدربون كيف يجب: أن يردوا،  ويشوهوا الوقائع الموصوفة، طبقاً لإملاءات، ودورات أمنية، كأن تسأله المذيعة-مثلاً- عن إطلاق النار، والقتل،  تحت التعذيب، من خلال تقديم أسماء، وصور واضحة، محدّدة، لا لبس فيها، فيغير وجهة جوابه للاستطراد ببهلوانية مفضوحة عن التضخيم الإعلامي، ودلس الفضائيات، والاستهداف، ومقتل الجنود، بالرغم من أن الجهات الأمنية تصور كل تظاهرة-على حدة-ولم تتمكّن حتى الآن من ضبط مندس، سلفي، واحد، وهو يطلق النار صوب جندي سوري، والحمد لله….!، ونعدّ استشهاده خسارة لنا، جميعاً، كما نفعل ذلك أمام ذلك الطفل، ذي الثلاثة عشر ربيعاً، أعني حمزة الخطيب -هل لاحظنا كيف يتمّ استهداف الطفولة في شخصه؟، ثمّ أيّ فرق بين قاتل محمد الدرة وقاتل  الخطيب- أخلاقاً ووحشية-؟،  كما  وفاقت بشاعة طريقة استشهاده بشاعة استشهاد الدرة نفسه، لمجرد أنه شارك في جمعة الغضب، تضامناً مع درعا المحاصرة، وهو ما يمكن أن يقال عن المربي حسين الزعبي المعلم الذي رفع  أحد تلامذته لافتة، في يوم جمعة حماة الديار، يقول فيها بمرارة، وسخرية جارحة” شكراً لقد قتلتم معلمي” ومن هنا فقد فاقت طريقة تعذيب الاثنين، وقتلهما تحت التعذيب، طريقة تعذيب آل ياسر،ممّن قال فيهم الرسول ص : صبراً آل ياسر…..

وإذا كنت أستهجن أضاليل خالد العبود، وطالب إبراهيم،  والآغا،  والحاج علي، والتكروري، وشحادة، وغيرهم كثيرون، فإنني أحيي الشاعر عصام خليل- ابن طرطوس الأبية في ضوء ما سمعته منه اليوم وبعكس موقف اتحاد الكتاب المخزي،  الذي كان في ما قبل في مكتبه التنفيذي- و الذي لم يدلس-حاشاه- وقال ما يمكن قوله، بلا استفزاز، وضمن دائرة الأدب والأخلاق، مهما كانت ميوله الخاصة: مع ثورة الشباب أو ضدها فهو شأنه، وهو أضعف الإيمان، بل لقد  بلغ أعلى سقف في الشجاعة،  وهو في موقع كموقعه، لأنه يحمل شعوراً سورياً، حقيقياً، يعتبر بموجبه مقتل أي مواطن سوري،  خسارة لكل سوريا، كما أسلفت، خسارة لكل أسرة، وكل مواطن سوري، فطوبى لكل من يقبض على الجمر، ويتغلب على الخوف، وغواية المصلحة، لأن المستقبل الحقيق، هو للكلمة الصادقة-مهما غلا ثمنها- ولكم سيحس رجال الدين، والإعلاميون، والفنانون، والمحللون السياسيون، ممن كذبوا على أنفسهم، وضميرهم، بأن كلاً منهم قد لطخ تاريخه الفكري،  أو الإبداعي، بعار ما بعده عار، لقاء ثمن بخس، لا شأن له.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…