مؤتمر أنطاليا أجندات وتكهنات

د.

وليد شيخو

ستشهد مدينة أنطاليا الساحلية التركية في أسبوع المقبل مؤتمراً تشارك فيه أقطابٌ من المعارضة السورية بغية وقف نزيف المجازر البشعة التي يقوم بها النظام السوري في جميع المدن والمناطق السورية، والبحث عن حلول لإنقاذ سوريا من الحكم الإستبدادي الذي استأثر بالسلطة والثروة ، فأرهق الشعب وساهم في تمزيقه وضرب بنيته الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وألغى الحريات العامة ، وكمم الأفواه مما حوّل سورية إلى سجن كبير منذ ما يقارب الخمسة عقود ، ارتكبت فيها مجازر وحشية أرّقت ضمير الإنسانية ، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، منذ ثمانينات القرن الماضي والسنوات الماضية وعلى امتداد الأرض السورية ، وصولاً إلى اليوم حيث ترتكب مجازر جديدة بالنهج الإجرامي ذاته في سائر المدن السورية .
 وسيشكل هذا المؤتمر نقطة تحول في مسيرة نضال الشعب السوري بكل مكوناته في سبيل نيل حريته.

وتأتي أهمية هذا المؤتمر في أنه يعقد بالتزامن مع إصرار شباب الثورة على المضي في ثورتهم السلمية ومع إستجابة المجتمع الدولي لنداءات النجدة والتحضير لقرارات أممية لمساندة الشعب السوري في الخروج من هذه الأوضاع المزرية ووقف حمام الدم اليومي في البلاد.

وأثناء التحضير لهذا المؤتمر خرجت هواجس هنا وهناك ، منها مبررة ومنها غير مبررة ، تشكك في صدق نوايا القائمين على تحضيره وفي حسن نوايا الحضور وإمكانية نجاح المؤتمر بالرغم العوائق ، التي يضعها النظام ، أمام السوريين للحيلولة دون الحضور والإتفاق بين السوريين.
ولا يغيب عن أحد بأن جهات عدة تحاول تمرير أجندتها في المؤتمر ، وهذا شئ طبيعي في أيّ حراك سياسي سواء الوطني أو الدولي منه.

ومن هذه الأجندات:

أولاً: الأجندة الخارجية
بلا ريب إن الدروس المستوحات من فترات الحرب الباردة والتجربة المريرة علّمت العالم الديمقراطي والحر ، بأن أي إضطراب في أي بقعة من الكرة الأرضية
يشكل تهديداً للسلم العالمي حسب المقولة الإنكليزية لمارتن لوثر:
“Injustice anywhere is a threat to justice everywhere.” Martin Luther King, Jr.

لذلك لن يقف المجتمع الدولي بعد الآن مكتوف الأيدي أمام عجرفة آلة القتل في سوريا ، والتي حصدت أرواح أكثر من ألف شهيد حتى الآن وملئت المعتقلات بالألوف ….الخ.

ثانياً: الأجندة التركية
إن تجربة تركيا مع حرب تحرير العراق من الطاغية صدام حسين علمتها ، بأن سياسة الحياد تجاه التغييرات في منطقة الشرق الأوسط ، أخرجتها من دائرة السياسة الدولية والعودة لها تكون أصعب حينها .
مستقبل سوريا يشكل أهمية بالغة لمستقبل تركيا ، لأن التوجه التركي تجاه الدول العربية يرتكز على إقامة علاقات نوعية وجيدة مع سوريا قبل أي طرف آخر.

فتركيا لها أكبر حدود دولية مع جارتها الجنوبية سوريا ، وسوريا تشكل بوابة لتركيا في علاقاتها الإقتصادية والسياسية مع العالم العربي ، ومن مصلحتها تأمين الإستقرار فيها .

ولكن السؤال المهم هنا ، هل تركيا مع التغيير في سوريا؟
في هذا الصدد أكدت أنقرة وعلى لسان وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو في لقاء إسطنبول ، حيث قال “نحن نريد تغييراً لا ينتج عنه عدم إستقرار” واستطرد قائلاً “تركيا تدعم التغيير في الشرق الأوسط ، ولكن طريقة التغيير مهمة أيضاً”
لذا ترى تركيا مدى أهمية المشاركة في هكذا مؤتمر وتحاول أن  تلعب دور الراعي له ، لعلها تستطيع رسم خريطة التغيير وفق مقاييسها ووضع  سياسية مستقبلية لسوريا وفق أجندتها الخاصة.

ومدى نجاح هذا التوجه التركي وتمرير هذه الأجندة ، يقف على مدى وعي السوريين من الحضور والمؤتمرين .

ثالثا: الأجندة السورية
أ‌-  أجندة النظام السوري
إن نجاح هذا المؤتمر يعني قبل كل شئ وقبل أي اعتبار نجاح المعارضة في جمع شمل السوريين وتشكيل أرضية صلبة لبناء مستقبل سوريا الحر .

فمن الطبيعي أن يسخّر النظام كل إمكانياته للحيلولة دون نجاح مؤتمر أنطاليا من خلال وضع عراقيل أمام الأطراف التي ستشارك فيه ، ومحاولة إفراغ المؤتمر من محتواه ، لكي يرسل من خلال ذلك إشارات إلى الخارج (المجتمع الدولي) مفادها عرض صورة هشة عن المعارضة والإيحاء بعدم وجود قوة حقيقية للمعارضة على الأرض .

وإرسال إشارات إلى الداخل للجم ثورة الشباب والإيحاء بأنه لاشريك للتفاوض سوى النظام .
ب‌- أجندة المعارضة السورية
تريد الأطياف المعارضة السورية من خلال هذا المؤتمر أن تعطي لنفسها فرصة إجتماع بين أطرافها ولم شملها .

بالتأكيد هناك تباين في المواقف بين المؤتمرين ، وكل طرف يضع أمامه أجندته الخاصة ، وهذا شئ صحي في الحياة الديمقراطية لأي حراك سياسي ، والتي نرنوا لها جميعاً .

الأهم سيشكل هذا المؤتمر إمتحاناً صعباً للجميع ، في مدى إستطاعة أطراف المعارضة تقبل رؤى الغير وعلى مدى قدرة المعارضة السورية على وضع إستراتيجية واضحة المعالم لسوريا المستقبل .

كما أن التلون السياسي للمشاركين في المؤتمر ، سيكسبه صبغة جيدة وحقيقية تمثل مكونات أساسية للمجتمع السوري.

رابعاً: الأجندة الكوردية
إن إيجاد حل ديمقراطي لقضية الشعب الكوردي في سوريا ، من خلال الإعتراف به كمكون أساس من مكونات الشعب السوري وتثبيت حقوقه في دستور البلاد يشكل حجر الأساس في أي سياسة وإستراتيجية في المنطقة ، لذا فإن محاولة تهميش الكورد من أي خريطة سياسية جديدة في منطقة شرق الأوسط سيجلب الدمار ليس لسوريا فقط بل سيكون له إنعكاسات في سائر دول المنطقة .

لذلك على المؤتمر الوقوف بشكلٍ جدي على هذه القضية وتثبيت حقوق الكورد القومية المشروعة في قراراته ووثائقه .
وتأتي الهواجس الحالية للكورد (المبررة منها وغير المبررة) تجاه هذا المؤتمر والمستندة إلى:
أ‌- تركيا ، الدولة الراعية للمؤتمر ، تضطهد الشعب الكوردي الموجود فيها ، وحتى الآن لم تستطع أن تقدم حلاً حقيقياً للمسألة الكوردية في تركيا ، رغم تعهداتها المتكررة للأوروبيين وللعالم الحر بذلك .
ب‌- أن الحركة الوطنية الكوردية في سوريا قدمت ورقة تضمنت أسساً وإقتراحاتٍ مشتركة للخروج من الأزمة التي تعيشها سوريا الآن ، والطرف الكوردي يشعر “بأنه استبعد من الحضور ومن بحث ورقته في المؤتمر” .

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من سيناقش هذه المبادرة أوهذه الورقة الكوردية ، إذا لم يحضر ممثلو الكورد إلى المؤتمر؟ وهنا ، كان من الأبدى والأجدر الموافقة على الحضور لكي يتسنى للكورد طرح ورقتهم ومناقشة قضيتهم بجدية ، وإلا ستبقى هذه الوثيقة (رؤية الأحزاب الكورية للحل) حبراً على ورق كما سابقاتها إذ لم تروج ويعمل بها في المحافل السياسية في الداخل وفي الخارج .

في النهاية يبقى السؤال: ما مدى أهمية المشاركة في المؤتمر والعمل على نجاحه؟
الشعب السوري ومنذ إنتفاضته في 15-03-2011 ينظر بشغف إلى إيجاد إطار شرعي ممثل لكل قواه الشعبية والديمقراطية ، بحيث يشكل له سنداً حقيقياً للدعم السياسي والدبلوماسي ، ويشكل اللبنة الأولى للإنتقال إلى سوريا المستقبل وإلى الحرية والمساواة والعدل ، وعدم المشاركة في هذا المؤتمر سيعطي الأخرين فرصة لعب دور الأكثرية ، وهذا سيقود إلى فشل القرارت في المستقبل ، والجهة الوحيدة التي ستخرج هنا منتصرة ، هي النظام الإستبدادي في سوريا ، والذي يراهن دائماً على ضعف المعارضة وعدم قدرتها على رص صفوفها ولم شملها .
إن عدم نجاح المؤتمر سينعكس على مجمل الحراك الديمقراطي والسلمي وعلى التظاهر في البلاد ، وسيجبر المتظاهرين في النهاية إما على سلوك منحى آخر في النضال (نضال لا سلمي) أي مزيداً من العنف والقتل ، أو الإستسلام للأمر الواقع ، أي وقف التظاهرات وحينها سيتمكن النظام من فرض قبضته الأمنية أكثر فأكثر .

وبهذا الصدد أريد أن نتذكر فترة الثمانينات وكيف سحق النظام كل حراك ديمقراطي في سوريا بعد سحق المعارضة .
كما أن عدم المشاركة سيعطي النظام وقتاً إضافياً يقتل خلاله أكبر عدد ممكن من شبابنا المتظاهرين ويحصد أرواح الأبرياء ، والأيام القادمة ستظهر لنا مفاجأت كثيرة ، حينما يصلنا جثامين الشهداء الذين لقوا حتفهم إما تحت التعذيب الوحشي للأجهزة الأمنية أو قتلوا برصاص الشبيحة ، التي تقتل بوحشية كل عسكري شريف يرفض الأوامر الصادرة له بقتل المواطنين المسالمين العزل .

وحسب قراءتي للمشهد ، فإن أي فرصة إضافية تعطى للنظام تعني المشاركة في هذه الجريمة الإنسانية بحق الشعب السوري المسالم والتاريخ سيقف مستقبلاً عند هذه المواقف ولاترحم مرتكبيها .
ومن هنا وفق كل ما ذكرته سابقاً تأتي أهمية المشاركة في كل المؤتمرات والحوارات للقوى الديمقراطية السورية وإنجاحها ، لكي نجعل التغيير الديمقراطي في سوريا حقيقةً وواقعاً يستعيد فيه الشعب السوري حريته وكرامته من جديد.

ألمانيا 27-05-2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…