من أجل الحقيقة في هذه الظروف العصيبة

حسين عيسو
          

العديد من الأخوة وجهوا لي التهم بسبب البيان الذي نشرته , وبما أن الظرف الحالي دقيق ,  لدرجة لا يمكن معه السكوت عن أي خطأ , أقول : إن الحقيقة هي أن اللقاءات تمت ودون شك والكل يتكلم عنها في الغرف المغلقة , أما سبب نشري لها , فهي أن ما يحكى داخل تلك الغرف تبقى داخلها , وحتى لا تقع الكارثة بسبب عدم فضحها , ولأني أرى أن هذه الأحزاب تمثلني أيا كان رأيي فيها , ولأن أي خطأ ستكون نتائجه كارثية على الجميع , ولأني قرأت التاريخ , وعرفت من خلاله أسباب تشتت الكرد وبقائهم دون دولة تجمعهم , في مرحلة تشكيل الدول الحديثة , في بداية القرن العشرين , بل وتم تقسيمهم بين أربعة أنظمة استبدادية , فهل يعرف من اتهمني سبب ذلك ؟
 ان أهم أسباب ذاك الفشل المهين , يعود الى أننا كنا قبائل يتحكم فيها أغوات لا يعرفون غير مصالحهم , ويهرولون خلفها , مقابل فتات الرشاوى التي لم تدم طويلا , فما أن تمكن أتاتورك من أعدائه مستخدما أغوات الكرد وفقراءهم الذين ساروا خلف زعاماتهم دون أن يسألوا أين ولماذا , تلك الزعامات التي لم تهتم بأعداد قتلى الكرد وجوعهم , لأن المهم عندهم كانت جيوبهم والنياشين الخلبية التي أنعم بها أتاتورك عليهم , ثم انقلب بعد أن استنفذ قواهم لخدمة مصالحه , فأعدم من أعدم منهم ولاذ بالفرار من تمكن من ذلك , وليدخل الشعب الكردي في غيبوبة جديدة لمائة عام آخر ! .

هذا ما يقوله التاريخ , وهذا ما أراه يحصل اليوم , وحتى أحزابنا التي تنتقد أولئك الزعماء وأنانيتهم التي تسببت بالكارثة لكل الكرد والتي لم تفرق بين فقير وأمير , تسير هي نفسها في نفس الطريق .

        اليوم , أتمنى من كل إنسان كردي غيور عانى مثل أبيه وجده من قمع أنظمة الاستبداد التي لم ترحم شيخا مسنا * ولم تعرف شيئا عن كرامة الإنسان , أن يراقب ما يجري بحق الكرد , لا أقصد نظام الاستبداد , فقمع الكرد واضطهادهم جزء من سياسته , لكن ما أعنيه , هو مؤامرات أحزابنا الكردية على شبابنا المنتفضين في هذا الوقت الذي يمكن القول انه قد يكون السبب في كارثة لنا جميعا , ان أخطأنا الاتجاه مرة أخرى .


          في العام 2004 دبرت السلطة مؤامرة للوقيعة بيننا وبين شركائنا في الوطن , وأفهمتهم أن الكرد انتفضوا للانفصال وحرضت الغوغاء على نهب محلات الكرد , ثم اعتقلت مئات الشباب الكرد وعذبتهم في المعتقلات شهورا , فهل فعلت تلك الأحزاب شيئا لمنع ذلك ! , أو هل اعتقلت السلطة أيا من قادة تلك الأحزاب , سؤال آخر كان يجب أن يكون قبل ذلك بأعوام وهو : هل حاولت تلك الأحزاب رأب الصدع الذي سببته سلطة الاستبداد بيننا وأشقائنا العرب في الوطن , وهل قامت بأي جهد للتقارب مع المعارضة السورية للوقوف الى جانبنا , الا فيما ندر , هل تعلمون أنهم صدقوا أننا نريد “الانفصال” الذي نحن أضعف حتى من أن نطالب به , صدقوا ذلك لأنهم لم يعرفونا سوى من خلال البيانات “الألعاب” النارية التي كان يطلقها البعض في الهواء .
              تكررت نفس المأساة بعد اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي , ومرة أخرى تم نهب محلات الكرد , في القامشلي هذه المرة ! , واعتقل العشرات وعذبوا , ماعدا القادة الذين قيل أن السلطة لا تجرؤ على اعتقالهم , ولكن حين أرادت تلك السلطة اعتقلت من رأت أن من مصلحتها اعتقاله ولم نفعل شيئا ! “لا حاجة الآن الى التفاصيل ” لكن الجميع يعرفون من اعتقل من القادة ولماذا لم يعتقل غيرهم , أي أن السلطة لا تخشى أحدا وإنما لها أجندتها وتتصرف على أساسها , خدمة لمصالحها هي , بعد تلك العذابات وفجأة , حلّت إحدى أميرات الجن في ربوع جزيرتنا الغنّاء” , قالت أنها قادمة من بلاط الرئاسة , للقاء قادة الكرد ودعوتهم للقاء الرئيس , وبدون جهد يذكر سحبت وراءها قاطرة من قادة الأحزاب وأتباعهم الى العاصمة , للقاء الرئيس الذي لم يتم , وإنما بلقاء مسئول أمني أقل من مستوى من إلتقاهم القادة في العام الذي قبله ,  ليعودوا جميعا , وكل يتهم الآخر بالإيقاع به في تلك الورطة , “غير مهم ذكر من كان السبب في الورطة” اذ المفروض أن يجيب التاريخ القريب عمن تسبب فيها , اذا كنا فعلا تجاوزنا أخطاء أجدادنا في بداية القرن العشرين , والا فسيلعن التاريخ قادة اليوم ومثقفيها الذين سكتوا عن أخطائهم , خشية أن يتهموا بأنهم ينشرون إشاعات , وغدا لن يتهمنا الأحفاد بالجهل وتحكم الأغوات والمشايخ , فقط , فلم يعد هناك وجود لتلك التسميات , وإنما أحزاب وأتباع ومثقفون , لذا ستعتبر هذه الأخطاء مقصودة وخيانة بحق الشعب المغلوب على أمره .
       اليوم وفي هذا الوضع السوري والإقليمي الخطير جدا , وحيث أصبح كل تصرف غير محسوب النتيجة , لعبا بالنار , وفي الوقت الذي قام شباب الكرد بالانتفاض من القامشلي وحتى عفرين , وارتفعت كلمة “آزادي” بين نجوم العلم السوري في كل المدن السورية المنتفضة , في جمعة آزادي , ولتتردد كلمة آزادي على كل لسان نتيجة جهود الشباب الكرد وانتفاضتهم التي حققت وحدة وطنية بين كل السوريين , أفشلت ما خططت له السلطة خلال نصف قرن , هل استطاعت أحزابنا خلال تلك الفترة أن تعمل شيئا غير التوالد والتكاثر لدرجة لا يتذكر أحدنا أعدادها فضلا عن أسمائها , أو هل تمكنت من إيصال معاناتنا الى شركائنا في الوطن , لا , بل قامت العديد من هذه الأحزاب بما أدى الى توسيع الهوة بيننا , خدمة للسلطة , أو كي لا تتسبب فيما يزعجها ! .
        الآن ومن خلال ما يجري في سوريا , ماذا تفعل هذه الأحزاب ؟ هل قدرت ما قام به هؤلاء الشباب , بالتأكيد لا, بل حاولت التآمر عليهم في “الهليلية” ثم لم تكتفي بذلك بل تم التسرب , كل يحاول أن يلتقي بجهة ومن خلف بعضهم – كما فعل أغوات الكرد في مجلس الشيخ محمود “ملك كردستان” عام 1919 أيام لجنة “كنج” !!!!, فما أشبه حال بعض قادتنا اليوم بقادة الأمس , وما أشبه اليوم بالبارحة ! .
*كتيب محمد طلب هلال يذكر سادية جلاوزة الأمن مع الشيوخ المسنين الكرد , وكمثال على ذلك والد السياسي الكردي الأستاذ حميد درويش وما عاناه على يد “حكمت ميني” رئيس المكتب الثاني من تعذيب وقهر .
الحسكة في : 24 أيار 2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…