المثقف الكردي بين المرجعيتين (الثقافي – السياسي ) في سوريا

غمكين ديريك

كردستان سوريا هي من الاجزاء الاكثر اهمية من الناحية الثقافية في كردستان عامة ، لانها تتمتع بشخصية مرنة ومتوازنة وطبيعية من الناحية الانسانية ، ولم تعش ظروف قاهرة لتظهر فيها الشخصية الغير العادية او المتقلبة او الازدواجية او المتطرفة ، وقد كانت مركزا لشخصيات كردستانية هاجرت من الاجزاء الاخرى لتستقر فيها وتقوم بدورها في تطوير واغناء او الحفاظ على الثقافة الكردية ، من خلال تدوين هذه الثقافة او احياءها من جديد ، بالاضافة الى وجود العدد الغير قليل من المثقفين الكرد السورين الذين لعبو ويلعبون دورا مهما ورائدا في هذا المجال .

ولكن وفي الظروف الراهنة  التي تمر بها كل من سوريا والمنطقة بشكل عام ، نجد ان الاحزاب السياسية لم تبتعد عن كونها منظمات ثقافية من حيث البرامج والمشروع القومي لكردستان سوريا ، وهذا ما يظهر جليا من خلال الاهداف التي يقومون بمناداتها والنضال من اجلها ، وفي نفس الوقت فهي ( أي الاحزاب السياسية ) تجد في نفسها الخط السياسي المستقل وصاحبة الارادة الجماهيرية  ومن ضمنها تمثيل ارادة المثقفين الكرد السورين ايضا ، وعدم فتح المجال للثقافة والمثقفين للتطور المستقل ، ولعب دورهم في المجتمع كطليعة لابد منها لتنوير وتطوير ودمقرطة المجتمع الكردي في سوريا ، لابل انهم ( أي الاحزاب السياسية ) تحاول ان تقلل من شان المثقفين ونضالهم ودورهم بشكل مباشر او غير مباشر ، وهذا ما حدث عندما قامت مجموعة مثقفين بلقاء نائب الرئيس السوري ، ومن جهة اخرى فان هذه التيارات السياسية لاتستطيع لعب الدور الثقافي لظروف وعوامل خاصة بها ، منها الاستعلاء السياسي واعتماد التفرد بالقرارات والمصلحة الحزبية الضيقة ، وهذا ما يجعلها ان تبتعد عن دورها السياسي والثقافي في ان معا ، وتبقى اسيرة الكاريزما السياسية الغير فعالة ، والتي تؤثر سلبا في التطور الثقافي والسياسي في كردستان سوريا الى الان .

ان الحالة السلبية للحركة الكردية في سوريا هي ليست وليدة الظروف السياسية في هذا الجزء من كردستان ، بل هي نتيجة طبيعية لتوجهها السياسي التي اقصيت وانكرت دور المثقفين في النضال الديمقراطي والوطني والقومي في كردستان سوريا ، وان كانت هذا الاقصاء غير متعمد او غير مباشر الا انها ( أي الاقصاء ) مسفحلة في السخصية السياسية السورية والكردسورية على حد سواء ، لان الطبيعة النفسية للانسان السوري مثقفا كان ام غير مثقف فهو شغوف بالمسائل الوطنية والقومية ولايستطيع الابتعاد عن هموم الوطن ، بل مرتبط بقضايا امته ووطنه ايا كان موقعه ، وبما ان النظام ومن اجل الاستمرار في السيطرة على مقاليد الحكم يستبعد المثقفين من الادارة ويقمع أي تحرك ثقافي نضالي ديمقراطي ، و أي انفتاح حضاري الذي يعتبر المثقف طليعته بصورة لايقبل الشك ، فان الحركة السياسية الكردية ايضا من خلال تاثرها بنظام الحكم في البلاد ، مع العلم انها صفة غير موروثة كرديا ، وبعيدة كل البعد عن الاخلاق والثقافة الكرديتين ، تاخذ نفس المنحى تجاه المثقفين.

ومع وجود هذا الكم الهائل من المثقفين والادباء الكرد في سوريا المناضلين في نفس الوقت من اجل القضايا الديمقراطية والتنوير الاجتماعي ، لايمكنهم لعب الدور المنوط بهم كونهم مهمشين سياسيا ، مع العلم ان الميكانيزما السياسية متوقفه في سوريا ولايمكنها التطور في المراحل الراهنة ، الا ان التطور الطبيعي في سوريا وكردستان سوريا يتم عبر الشخصية الثقافية في الدرجة الاولى ، خلافا للدول والاوطان الاخرى ، وتبقى السياسة العامة رهينة المنحى الثقافي ، وان كانت السلطات الحاكمة تحاول جاهدة تهميش المثقفين وترسيخ مبدأ القمع والانضباط العسكري في كافة مؤسسات الدولة  ونجحت الى حد ما في هذا المنحى ، الا ان التطورات الراهنة تعطي فرصة ثمينة للمقفين لقول كلمتهم ولعب دورهم في المجالات عامة .

وان عدنا الى الشان الكردي في سوريا فان المعادلة مختلفة تماما ، لان المجتمع الكردي السوري الان تحكمها المثقفين وان كانت بطرق غير مباشرة ، والجماهير الشعبية تصغي الى هذه الفئة اكثر ما تصغى الى الفئات السياسية والاحزاب ، وبما ان المسالة القومية لم تحل بعد والمسائل الوطنية عالقة والمشاكل الاجتماعية في تفاقم مستمر ، فان المثقف لايستطيع الابتعاد عن الوضع السياسي ، ولايمكننا ان نعطي اسما لاديب كردي بعيد عن الهم الوطني والقومي في سوريا ، وما يفعلونه في الممارسة العملية الفعلية هي عبارة عن اهداف الاحزاب السياسية ، هذه الاحزاب التي تكتفي بالشعارات ، ولكن المثقف الكردي يمارسها في الساحة العملية وبشكل فعلي ، لان التدريب بلغة الام مستمرة والكتابة والنشر والطبع يقوم بها المثقفون بطرقهم وامكانياتهم الخاصة ، ويقومون بتعريف المجتمع العربي والمثقف العربي ايضا بالثقافة الكردية ، وهذا ما ينادي به الاحزاب السياسية قولا وليس فعلا ، عدى حزبين او ثلاثة احزاب ينادون بالحكم الذاتي لكردستان سوريا (أي ان اهدافهم تتعدى  الحقوق الثقافية للكرد السوريين)، وبقية الاحزاب السياسية تستند الى هدف الاعتراف بالثقافة الكردية والشعب الكردي الموجود على ارضه التاريخية ، وبمعنى اخر فان المثقف الكردي وبجهوده الفردية والشخصية قد خطى الخطوات اللازمة لتحقيق الاهداف القومية ويعمل ليل نهار من اجل تحقيقها ، وان لم يكن في اطار سياسي ، ولكنها بحاجة الى اطار ثقافي كردي سوري ، ينظم هذه الفعاليات ويقوم بتفعيلها قوميا ووطنيا ، بمعنى ان المثقف الكردي السوري مضطر الى ان يكون سيد جهوده وان يحميها من تلاعب السياسيين والسلطة على حد سواء ، وهذا ما يمكن القيام به في اطار ثقافي موحد ( مركز ثقافي – رابطة  – تجمع ثقافي – منتدى ..

الخ ) .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…