الذين حلفوا , هنا نذكّرهم بـ ” قسم الطبيب ” الذي أدلوا به نعيده عسى أن تنفع من نسي كل حروفه أو بعضاً منه
: ((اقسم بالله العظيم أن أتقي الله في مهنتي وأن أقوم بما استطيع في اختيار أنجع الطرق من أجل التخفيف عن المريض ومساعدته على الشفاء وأن لا أقوم بأي عمل يكون ضرره على المريض أكثر من نفعه وأن احترم كرامة الإنسان حياً وميتاً وأن أحفظ سره واستر عورته وأن أثابر على طلب العلم واحترم وأتعلم ممن هو أعلى مني أياً كانت صفته وألا اكتم علماً اعرفه وأن أتعاون مع كل من يعمل في المهنة الطبية لمصلحة المريض والله على ما أقول شهيد )) .
و للعظماء الذين لا يزالون على قسمهم باقون هؤلاء الأطباء حملة شّعلة المعالجة والنور عبر التاريخ .
وهذا الفاصل ” الثمن ” الذي يكبر مُبعداً إياه عن دوره الحيوي الرفيع في تحويل الألم إلى فرح كما كان الشاعر والطبيب الهندي طاغور يدعوإليه ويفعله ممارسة ً .
فوق الجسد يجتمع مرافقو المريض والطبيب والثمن !!!
تتأرجح اللغة بين أخذٍ و رد ٍ , ويتضح وينتفخ الثمن وتنتفخ معها أحقاد الحاضرين وقلوبهم كبورصة للعملات النقدية
بازارٌ حقيقي أبطاله بعض الأطباء , والمكان المشافي الخاصة والعامة والعيادات , ولوحة البازار والتحفة هي جسد المريض وألمه
بازارٌ على الجسد
الطبيب المختص هو ربّانُ هذا المشهد البازاري ” إن جاز التعبير ” الذي يمارس بازاراً مختلفاً مكانه الجسد المسكين ” طبعاً ” باعتباره الضحية والأساس في هذه اللعبة والمسابقة المحمومة
وكذلك العيادة الخاصة فالطبيب لا يدخل على المريض /الجسد , حتى يقبض ثمن فعله الإنساني!! .
أو متابعته في المشفى الحكومي التي توافيه أصلاً أجره شهرياً مُدّعياً بأنه وفـّر عليهم براكين الأسعار في المشافي الخاصة .
لكنه!!؟
مارس بازاره بصورة مختلفة , موحياً بأنه يخدم الجسد الممدد في المشفى بفعلته تلك , فقد يقوم أحدهم بالطلب من أحد مرافقي المريض بمراجعته في العيادة أو المريض المسجى نفسه , بدعوى الكشف وفتح القطب لعملية كان قد أجراها في مشفى حكومي أو أجراه احد تلامذته المتمرنين ليقبض هو الثمن , مقابل تحريك المشرط وعدة قطب ليقبض آلافاً من الليرات السورية , وما شابه ليبرز صوته البازاري في الطلب والمتاجرة بمعرفته .
وهنا لا ننفي عنهم بأنها مهنتهم ومصدر رزقهم ولكن ؟!
عندما يتعدى الأمر المهنة إلى فعل تجاري وجمع للمال فهنا للحديث كلام آخر .
عندما يوجهك طبيب ما لمشفى خاص , بدعوى إنها أوفر خدمة وأنظف , ليدخل في البازار حينها , كلٌ من المشفى والمخدر و المخبري والصيدلي والممرض وكافة العاملين في صراع القيم هذا فكأنه يصطاد سمكة /مريضاً/من بحر الروتين و المشافي الحكومية وأمثال هؤلاء يسمون المراجع المريض زبوناً .
طرح المرحوم الكبير طاغور ديانته الشعرية واسماها ” ديانة الشاعر ” ليلزم الشاعر الإنسان بالمساعدة وتفضيل إنسانيته على الفردية والجشع , أين طبيبنا من ديانته وقسمه الأبقراطي هذا
أين هم من عبارة تشيخوف الذي قال في رسالته الأخيرة لأخته :(( ساعدي الفقراء , أحفظي الوالدة , عيشوا بسلام )) .
التي حبذا لو علـّقها أمامه كلما بازر على الجسد
وحبذا لو عُلـِّق في مدخل كل مشفى حكومي وخاص عبارة عملاق الإنسانية ميخائيل نعيمة القيّمة علـّها توقظ فيهم شيئاً
: (( من حقر إنساناً احتقر نفسه , ومن بغض إنساناً بغض نفسه , ومن حاول أن يهضم حق الإنسان لا يهضم إلا حقه نفسه ))
عوضاً عن تحديد ساعات الزيارات والفرجة وما شابه من توجيهات عامة لا تفيد ولا يتقيد بها احد .
وهو ما نلمسه ونعيشه في المشهد الصحي والعلاجي , الذي لا زال يحمل الكثير من هذه القصص الملحمية المبكية الدالة على جشع البعض واستهتارهم بأبسط القيم الآدمية .
هذا الجسد بين أيديكم لا تحيلوه مزاداً لشهواتكم المادية
وها نحن نقلد الشاعر الألماني ماورر إذ قال
: (( كي يمتلئ برميلك المثقوب بالماء ألق به في التيار ))
وها نحن نلق هذا البازار وهذه المعضلة في تيار الصحافة الهائج !!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ديرك11/8/2006