حينما يكون نهج البارزاني الخالد حكما (الحلقة الرابعة)

عبد الرحمن آلوجي


كان يتردد في أوساطنا السياسية منذ عقود متطاولة حديث مسهب عن الشخصية الأسطورية الخارقة البارزاني الخالد : صبره, قوة احتماله , نقائه وإخلاصه , شجاعته المنقطعة النظير, عبقريته العسكرية , نزوعه إلى السمو والانعتاق من غرائز الدنيا , تفانيه في طموح كوردستاني جسد خلاصة تجربة عريقة عمرها آلاف القرابين , حواره المحكم مع الحكومات المتعاقبة , صلابته وحزمه ومبدئيته الخارقة , مرونته الفذة ما بين الدعوة إلى سلام عادل ومشرف أو قتال بطولي لا هوادة فيه , إخلاصه لمبدأ الأرض وتعلقه المطلق بمقومات الوجود لأمة عريقة تمتد جذرا في الأرض وفرعا متطاولا في السماء…
هذا الحديث المسهب وكثير مثله في ندواتنا ولقاءاتنا , ومنشوراتنا وأدبياتنا في الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا ( اﻠﭙارتي ) شكل ثوابت نضالية يمكن أن تجسد نهجا كوردستانيا عميقا هو ثمرة الشخصية الكوردية المناضلة في حلقات تاريخية متصلة , تبدأ بأعلام النهريين , صناع الثورة الكوردستانية وتهوص في أعماق آرارات وآغري داغ وديرسم وآمد وميافارقين , لتصب في شخصية إحسان نوري باشا والسيد رضا والشيخ سعيد بيران والبرزنجي والشيخ محمود الحفيد وسمكو آغا الشكاكي والقاضي محمد وسيفي قاضي … ليجسد رئيس أركانه البارزاني مصطفى المثل الأعلى لهذا الامتداد المتجذر في تألق قل مثيله ووضوح قل نظيره , مجسدا ملامح شخصية كوردية تتسم بالصلابة والمرونة والإصرار على مواصلة القتال حتى آخر رمق مع جنوح إلى السلم وإيمان مطلق بالإخاء والمدنية وسعي حثيث إلى سلام وتفاوض من أجل الإخاء بين الشعوب واستشراف مشرق لمستقبل إنساني تجاوز حدود المحلية والإقليمية إلى رؤية عالمية مكتنزة , تحدد ملامح نهج يمكن للأكاديميين والباحثين أن يدونوا فيه مجلدات تسجل بعمق ودراية ملامح فكر تجسد نهجا قويما وانتقل بمنهجية ليدرس في أروقة المعاهد والجامعات , مما يجعله رافدا فكريا ومنهجيا يمكن أن يشكل مدخلا حقيقيا إلى هذا العالم الخصب الذي أفرزته ملاحم زوزك وبيطاس وهندرين وبارزان …

إلى جانب وثائق خالدة في أدق مراحل الثورة وأكثرها انعطافا في تاريخ العراق الحديث , يفاوض باقتدار ويقاتل بجدارة مدافعا عن كرامة الأرامل والأيامى والمستضعفين في الأرض , داعية سلام مدرك أبعاد دعوته مستشفا أعماق خصومه مدركا أبعاد مناوراته ومراوغاته والتفافهم على السلام , بارعا في دحض الحجج ونسف الذرائع واضحا في تلمس الأدلة , قويا في الإقناع مستندا إلى خبرة تراكمية وفهم  لمعادلة الحرب الباردة , وإدراك لمقاييسها الدولية , عارفا بدقة موقعه التفاوضي وموقع أمته , وقلة أنصارها , وتهافت الآخرين على المصالح وسرعة تخليهم عن المبادئ والقيم العليا الرفيعة التي كان يؤمن بها , ويحرص عليها , ويجاهد في إقرارها في شخصيات قيادية , وكوادرها المتقدمة وأصغر مقاتليها , مؤمنا بمستقبل شعب أصيل لا يعرف الغدر والخيانة ونكث العهود ونقض المواثيق , مما جعل لنهجه إلى جانب وضوح الرؤية ونصاعة الموقف قيمة أخلاقية عليا .
مما جعل هذا النهج يقف شامخا كأحد معايير القيادة العالمية التي تصلح لأن تكون في الصلب من مراكز القرار الدولي , والسلام العالمي والفكر الإنساني المتحضر كأحد مراجع الثورة التحررية في العالم , والمتسمة بنصاعة ونظافة لن تتلطخا بدماء الأبرياء أو الامتداد إلى الهدم والسحل والحرق كما فعلت القوة المواجهة لهذه الأمة , بفرض الإبادة الجماعية ( الجينوسايد ) مما أفرغ القيادات العراقية من كل مفهوم أخلاقي قيمي , ليكون هذا المفهوم تحت سمع وبصر العالم إرهابا وفتكا وتدميرا لقيم السماحة والإخاء , الأمر الذي جلب غضب شعوب العالم المتمدن ولطخ سمعة الفكر القومي الفاشي لهؤلاء كأحد مصادر فكر معوج ملتو ٍ كان مصيره حفرة وطيئة وقيد إلى قفص الموت في محاكمة تشهد عمق التحول , وبعد نظر الاتجاه المقابل وقدرته على النفاذ إلى أعماق الفكر الإنساني وهو يتصدى لصناعة الإرهاب وزمره البائسة وعصابات الموت السوداء وهي لا تزال تتآكل في الظلام , وتحصد آلاف الأبرياء ليأتي نهج البارزاني الخالد حكما عادلا , وفكرا نافذا وقوة متألقة تصلح فكرا إنسانيا معاصرا وحلا لقضايانا العادلة ومصدرا من مصادر اﻠبارتي في بعديه الوطني والقومي .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…