المحامي قاسم عسكر
لا شك أن التظاهر في حياة الشعوب والأنظمة هو شكل من أشكال ممارسة الديمقراطية , فحق التعبير بكل مظاهره بما فيه الاعتصام والتظاهر , هو من الحقوق الثابتة اللصيقة بالإنسان ,وقد أدرجت ضمن قواعد القانون الطبيعي التي ولدت نتيجة الفلسفة والثقافة التنويرية التي ولدت في أوربا , وبالتالي فإن الاعتصام والتظاهر هو من الحقوق اللصيقة بالإنسان – كما هو حق الزواج وغيره من الحقوق الأخرى- فهو يلامس شخص الفرد وحريته في التحرك والتعبير, بحيث يتوجب ألا يتقيد إلا بالقدر الذي يسمح بتنظيمها لضمان وتامين ممارستها , وبالتالي لا يجوز الحد منه بصورة جزئية أو بشكل نصوص قانونية.
وقد تم اكتساب هذا الحق بشكل قانوني نتيجة النظريات المتتالية التي ظهرت في الفقه القانوني والدستوري , التي تكرست بسبب الحروب والثورات الشعبية خاصة حروب الاستقلال والثورات على أنظمة الظلم والاستبداد , حيث انه تم وضع أول قانون للتظاهر في المملكة المتحدة عام 1215 الذي سمي الميثاق الكبير, والذي قيد بموجبه الصلاحيات الملكية , ومن ثم تبعه قوانين كثيرة في القارة الأوربية والعالم بهذا الخصوص.
وقد ضمن جميع المواثيق الدولية حق التظاهر كالإعلان العالمي للحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 , وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية عام 1966 كإشارة على احترام حقوق الإنسان في التعبير عن نفسه , وكشكل من أشكال الممارسة السياسية .
وحتى في الشريعة الإسلامية كان التظاهر محل جدل فقهي, فظهر رأيان , الأول يقول أن التظاهر من أمور العادات وليس من العبادات ,والأصل في العادات الإباحة والإجازة ,ما لم يرد الدليل على التحريم, وأصحاب هذا الرأي يرون أن التظاهر وسيلة تأخذ أحكام الوسائل والأصل فيها الحل , فان كان المقصود من التظاهر إظهار الحق ورفض الظلم وكشف الجرائم فهي ممدوحة بل قد تصل إلى حد الوجوب, ورأي أخر يرى عكس ذلك.
في العصر الحديث اغلب دساتير الدول العالم كفلت حق التظاهر بما فيه الدستور السوري الصادر عام 1973 في المادة التاسعة والثلاثون التي نصت على: (يحق للموطنين حق الاجتماع والتظاهر السلمي في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذا الحق).
وقد صدر المرسوم التشريعي رقم 54 عام 2011 الناظم لحق التظاهر, فكان فيه من المآخذ والثغرات التي ما لا يمكن تغطيته بأي غطاء , فالمرسوم الصادر لم يفرق بين التظاهر والاعتصام ,وهما في واقع الحال إن كان يجتمعان في نقاط عدة إلا إنهما يختلفان ايضاً في نقاط عديدة أخرى , فكان من الواجب التطرق إلى هذا الموضوع لإزالة الغموض وعدم فتح باب التأويل والتفسير .
المادة الثالثة من المرسوم أعطى للمواطنين والأحزاب المرخصة حق التظاهر بما يتفق مع مبادئ الدستور.
فإلى الآن لا يوجد أحزاب مرخصة بالمعنى القانوني لعدم وجود قانون لتنظيم الأحزاب والحياة السياسية , ناهيك أن المرسوم اوجب أن يكون التظاهر متفقاً مع مبادئ الدستور حسب المادة الثالثة.
السؤال هنا كيف يمكن التوفيق بين مبادئ الدستور والتظاهر إذا كان التظاهر ضد الدستور نفسه إلغاءً أو تعديلاً..!؟
– المرسوم في المادة الخامسة منه , فرض قيود إجرائية , منها تقديم تعهد موثق لدى الكاتب بالعدل, يتعهد القائمون على التظاهر بتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي قد يلحقها المتظاهرون بالأموال والممتلكات العامة والخاصة.فهذا القيد غير ملزم ومطلوب في كثير من قوانين الدول المدنية والديمقراطية , فضلا عن أن المسؤولية هنا غير محددة , بمعنى أخر هل المسؤولية هي مسؤولية مدنية أم جزائية..؟ فتضمين المرسوم لهذا البند يتناقض ويتعارض مع الغاية الأساسية من الحصول على الترخيص (تصريح إعلام السلطة) والذي يعني أن تقوم السلطة المتمثلة بوزارة الداخلية وأقسام الشرطة بتأمين التظاهر , ومنع انخراط عناصر قد تكون هدفها التخريب بهدف الإساءة إلى المتظاهرين .
من جهة أخرى يفرض المرسوم مدة طويلة للحصول على ترخيص التظاهر , فهي خمسة أيام على الأقل قبل موعد المظاهرة , سيليها على الأغلب مدة أسبوع للرد من طرف الوزارة , فهذا يعني امتداد مدة الحصول على الترخيص لأكثر من عشرة أيام, يمكن خلال هذه الفترة أن ينقضي موعد المظاهرة , وهذا ما هو غير سائد ومعمول به في كثير من الدول العالم كسويسرا وفرنسا .
– كما أن حصر إعطاء الترخيص بوزارة الداخلية , يعقد إجراءات الحصول ويكرس مبدأ مركزية القرار , الذي يتعارض مع مبادئ الديمقراطية , فيجب أن يكون هذا الإجراء ضمن صلاحيات المحافظة أو دوائر الشرطة .
– أم النقطة الأكثر إثارة للجدل , هي تقديم طلب للحصول على الترخيص , ولهذا دلالة محددة , فالتظاهر حق للمواطنين مكفول بالدستور , وليس منحة من السلطة , فمثلاً السائد في فرنسا هو تقديم تصريح بالمظاهرة, وليس طلب ترخيص .
لان هذا حق أساسي لا يحتاج ترخيص , فكان من الواجب هو تضمين المرسوم عبارة إعلام السلطات المحلية فقط , وذلك لاتخاذ الإجراءات والتدبير اللازمة لتامين المظاهرة والمتظاهرين.
– قرر المرسوم في المادة الخامسة منه للقائمين على التظاهر حق الاعتراض على قرار وزارة الداخلية الذي يجب أن يصدر معللاً , فكان يجب أن يتم تقيد قراره برفض التظاهر بشروط وحالات محددة –كما هو الحال في القانون الفرنسي- ولكن جاء المرسوم مكتفياً بان يكون القرار الصادر عن وزارة الداخلية معللاً , وهذه الكلمة تحمل مفهوماً مبهماً , وفضفاضاَ في ظل غياب وانعدام شروط وضوابط , تستند عليها الوزارة في قرار رفضها للمظاهر.
– المرسوم لم يحدد الوسائل والآليات التي تلجأ السلطات لفض المظاهرات الغير مرخصة كما هو في معظم قوانين الدول الاخرى.
– اما بخصوص العقوبات التي تترتب على مخالفة مواد هذا المرسوم حسب المادة العاشرة من الرسوم, تؤدي إلى تطبيق المواد /335-336-337-338-339/ من قانون العقوبات السوري – الفصل الخامس الخاص بتجمعات الشغب -, وبالرجوع إلى نصوص هذه المواد نرى أنها تتضمن عقوبات قاسية, وقد لا تتناسب مع ما قد يظهر من أفعال قد تشكل جرماً بنظر القانون .
فالأجدى كان على المرسوم أن يحدد وبشكل صريح عقوبة حبس لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة مالية محددة على أساس سليم , أخاذة بعين الاعتبار معايير عدة , وذلك فقط بحق من ينظم تظاهرة غير مصرح ومعلن عنها , وليس بحق من يشترك او يجتمع فيها .
هذا ما تمخض من الثغرات والمآخذ نتيجة التدقيق والتمحيص والمقارنة, ومن الممكن قد فاتنا بعض هذه الثغرات لم نستطع ملاحظتها.
وقد ضمن جميع المواثيق الدولية حق التظاهر كالإعلان العالمي للحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 , وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية عام 1966 كإشارة على احترام حقوق الإنسان في التعبير عن نفسه , وكشكل من أشكال الممارسة السياسية .
وحتى في الشريعة الإسلامية كان التظاهر محل جدل فقهي, فظهر رأيان , الأول يقول أن التظاهر من أمور العادات وليس من العبادات ,والأصل في العادات الإباحة والإجازة ,ما لم يرد الدليل على التحريم, وأصحاب هذا الرأي يرون أن التظاهر وسيلة تأخذ أحكام الوسائل والأصل فيها الحل , فان كان المقصود من التظاهر إظهار الحق ورفض الظلم وكشف الجرائم فهي ممدوحة بل قد تصل إلى حد الوجوب, ورأي أخر يرى عكس ذلك.
في العصر الحديث اغلب دساتير الدول العالم كفلت حق التظاهر بما فيه الدستور السوري الصادر عام 1973 في المادة التاسعة والثلاثون التي نصت على: (يحق للموطنين حق الاجتماع والتظاهر السلمي في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذا الحق).
وقد صدر المرسوم التشريعي رقم 54 عام 2011 الناظم لحق التظاهر, فكان فيه من المآخذ والثغرات التي ما لا يمكن تغطيته بأي غطاء , فالمرسوم الصادر لم يفرق بين التظاهر والاعتصام ,وهما في واقع الحال إن كان يجتمعان في نقاط عدة إلا إنهما يختلفان ايضاً في نقاط عديدة أخرى , فكان من الواجب التطرق إلى هذا الموضوع لإزالة الغموض وعدم فتح باب التأويل والتفسير .
المادة الثالثة من المرسوم أعطى للمواطنين والأحزاب المرخصة حق التظاهر بما يتفق مع مبادئ الدستور.
فإلى الآن لا يوجد أحزاب مرخصة بالمعنى القانوني لعدم وجود قانون لتنظيم الأحزاب والحياة السياسية , ناهيك أن المرسوم اوجب أن يكون التظاهر متفقاً مع مبادئ الدستور حسب المادة الثالثة.
السؤال هنا كيف يمكن التوفيق بين مبادئ الدستور والتظاهر إذا كان التظاهر ضد الدستور نفسه إلغاءً أو تعديلاً..!؟
– المرسوم في المادة الخامسة منه , فرض قيود إجرائية , منها تقديم تعهد موثق لدى الكاتب بالعدل, يتعهد القائمون على التظاهر بتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي قد يلحقها المتظاهرون بالأموال والممتلكات العامة والخاصة.فهذا القيد غير ملزم ومطلوب في كثير من قوانين الدول المدنية والديمقراطية , فضلا عن أن المسؤولية هنا غير محددة , بمعنى أخر هل المسؤولية هي مسؤولية مدنية أم جزائية..؟ فتضمين المرسوم لهذا البند يتناقض ويتعارض مع الغاية الأساسية من الحصول على الترخيص (تصريح إعلام السلطة) والذي يعني أن تقوم السلطة المتمثلة بوزارة الداخلية وأقسام الشرطة بتأمين التظاهر , ومنع انخراط عناصر قد تكون هدفها التخريب بهدف الإساءة إلى المتظاهرين .
من جهة أخرى يفرض المرسوم مدة طويلة للحصول على ترخيص التظاهر , فهي خمسة أيام على الأقل قبل موعد المظاهرة , سيليها على الأغلب مدة أسبوع للرد من طرف الوزارة , فهذا يعني امتداد مدة الحصول على الترخيص لأكثر من عشرة أيام, يمكن خلال هذه الفترة أن ينقضي موعد المظاهرة , وهذا ما هو غير سائد ومعمول به في كثير من الدول العالم كسويسرا وفرنسا .
– كما أن حصر إعطاء الترخيص بوزارة الداخلية , يعقد إجراءات الحصول ويكرس مبدأ مركزية القرار , الذي يتعارض مع مبادئ الديمقراطية , فيجب أن يكون هذا الإجراء ضمن صلاحيات المحافظة أو دوائر الشرطة .
– أم النقطة الأكثر إثارة للجدل , هي تقديم طلب للحصول على الترخيص , ولهذا دلالة محددة , فالتظاهر حق للمواطنين مكفول بالدستور , وليس منحة من السلطة , فمثلاً السائد في فرنسا هو تقديم تصريح بالمظاهرة, وليس طلب ترخيص .
لان هذا حق أساسي لا يحتاج ترخيص , فكان من الواجب هو تضمين المرسوم عبارة إعلام السلطات المحلية فقط , وذلك لاتخاذ الإجراءات والتدبير اللازمة لتامين المظاهرة والمتظاهرين.
– قرر المرسوم في المادة الخامسة منه للقائمين على التظاهر حق الاعتراض على قرار وزارة الداخلية الذي يجب أن يصدر معللاً , فكان يجب أن يتم تقيد قراره برفض التظاهر بشروط وحالات محددة –كما هو الحال في القانون الفرنسي- ولكن جاء المرسوم مكتفياً بان يكون القرار الصادر عن وزارة الداخلية معللاً , وهذه الكلمة تحمل مفهوماً مبهماً , وفضفاضاَ في ظل غياب وانعدام شروط وضوابط , تستند عليها الوزارة في قرار رفضها للمظاهر.
– المرسوم لم يحدد الوسائل والآليات التي تلجأ السلطات لفض المظاهرات الغير مرخصة كما هو في معظم قوانين الدول الاخرى.
– اما بخصوص العقوبات التي تترتب على مخالفة مواد هذا المرسوم حسب المادة العاشرة من الرسوم, تؤدي إلى تطبيق المواد /335-336-337-338-339/ من قانون العقوبات السوري – الفصل الخامس الخاص بتجمعات الشغب -, وبالرجوع إلى نصوص هذه المواد نرى أنها تتضمن عقوبات قاسية, وقد لا تتناسب مع ما قد يظهر من أفعال قد تشكل جرماً بنظر القانون .
فالأجدى كان على المرسوم أن يحدد وبشكل صريح عقوبة حبس لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة مالية محددة على أساس سليم , أخاذة بعين الاعتبار معايير عدة , وذلك فقط بحق من ينظم تظاهرة غير مصرح ومعلن عنها , وليس بحق من يشترك او يجتمع فيها .
هذا ما تمخض من الثغرات والمآخذ نتيجة التدقيق والتمحيص والمقارنة, ومن الممكن قد فاتنا بعض هذه الثغرات لم نستطع ملاحظتها.
إذاً الديمقراطية كلٌ لا تتجزأ , والقوانين كأداة لممارستها يجب تصدر بما يتفق مع مبادئ الديمقراطية , والقوانين الناقصة أو المشوهة تؤدي دائماً إلى ديمقراطية ناقصة.
وتلك القوانين حينما تصدر يجب أن تخضع إلى نقاش وحوار وافين من كافة وجهات النظر المختلفة خاصةً من ذوي الاختصاص للإحاطة به من كل الجوانب قبل ان تصدر وتصبح قوانين ملزمة.
وتلك القوانين حينما تصدر يجب أن تخضع إلى نقاش وحوار وافين من كافة وجهات النظر المختلفة خاصةً من ذوي الاختصاص للإحاطة به من كل الجوانب قبل ان تصدر وتصبح قوانين ملزمة.