العلمانية والدين والدولة والمجتمع

حواس محمود

أعتقد أن الجدل الكبير حول العلمانية وعلاقتها بالدين جدل تزييفي مصطنع ، بمعنى أن هذا الجدل يحاول التركيز على أشياء تبدو متناقضة متناحرة متصارعة لإبعاد عملية الوفاق والتوفيق والمواءمة بين مفهومين المفهوم الأول هو : العلمانية مفهوم وضعي يخدم المجتمعات المتدينة وغير المتدينة وكذلك يخدم الأفراد المتدينين وغير المتدينين وينظم الحياة الاجتماعية والسياسية ويضع قانونا عصريا للبلاد يخدم حرية الانسان الفرد بما فيها حرية التدين 

، لذلك فالمناقشة حول الدين والعلمانية في المجتمعات العربية يأخذ طابع الاصطناع القصدي بغاية تنفير الناس من العلمانية ومفهومها من خلال تبيانها أنها ضد الدين أو تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة ، والحقيقة أن العلمانية تتجاوز مسألة فصل الدين عن الدولة وبالتالي عن السياسة بكونها تقوم بفصل الخاص عن العام فصل الحريات الفردية والطقوس الفردية عن الإطار الاجتماعي والسياسي العام ، فهل تمنع العلمانية مثلا في انجلترا أن يذهب الناس الى أماكن عباداتهم مهما كانت أديانهم ، علما انه يتوفر في المجتمعات الغربية من معابد ومساجد مالم يوجد في الدول الاسلامية- بل تكاد لاتوجد – من كنائس
ان علاقة العلمانية بالدولة تعني في حيثياتها وتجلياتها ومعانيها العامة الحداثة والعقلانية والتنوير وحتى الليبرالية ، ولكن ما هو موجود في منطقتنا مما تسمى بالدول العلمانية والمقصود بها الدول المحكومة من قبل العسكر انقلابات الستينات والسبعينات في الدول العربية الخارجة توا من فترة الاستعمار التقليدي أعتقد أن هذه التسمية – المقصود: العلمانية الخاصة بالدول العسكرية الشمولية الدكتاتورية – خاطئة فالعلمانية الموجودة هي علمانية مجزأة أي علمانية العسكر من دون المجتمع هي مظاهر وقشور للعلمانية أو الوجه الخاطئ للعلمانية أي سيطرة تيار يعادي التطلعات الدينية ويصل به الأمر  الى محاربة الحرية الدينية الفردية وهذا غير موجود كما أسلفنا في العلمانية الحقيقية ، ماذا نقول عن علمانية العسكرالتركية (التي تعيش ازدواجية النظام الديني/ العلماني علمانية العسكر ودينية المجتمع وهذه هي أزمتها مع أوروبا والمعرقل الأساس للدخول في السوق الأوروبية المشتركة ) طالما أن الدولة التركية  تحارب شعبا آخر ضمن تركيا هو الشعب الكردي ، نعم إنها علمانية العسكر..
العلمانية إن تم فهمها فهما حقيقيا غير ملتبسا دواء اجتماعي للمجتمعات العربية وغير العربية فهي تتيح للجميع أن يعبر عن نفسه وتمنع التناحرات بين جميع الطوائف والشرائح والأثنيات ، أنظروا ماذا يجري في العراق باسم الدين أليس الدين نفسه مستهدف ألم يتم قصف المساجد والأماكن المقدسة والحسينيات ألم يتم قتل رجالات الدين السنة والشيعة على حد سواء بحجج دينية صرفة ، اذن كيف لنا أن نثق بالطروحات الدينية المتشددة وهي تحارب نفسها ؟!
نحن الآن نعيش المخاض العسير ومطلوب من المثقفين والمتنورين في المنطقة أن يساهموا في إرساء مفاهيم العلمانية والعدل والتسامح لإخراج المنطقة من الانتحار الذاتي الكبير .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…