الإصلاحات تتنحى جانباً … لتفسح المجال لفوهات البنادق

  صوت الأكراد *

سارت الأوضاع في سوريا بوتيرة متسارعة , حيث شهدت معظم أنحاء البلاد مظاهرات شعبية مطالبةً بالحرية والديمقراطية التي طالما افتقدوها جـراء استئثار النظام الشمولي في سوريا لكل مقدرات البلاد لنفسه وبسط سيطرته على سدة الحكم بقبضة الأجهزة الأمنية القمعية, فلم يتركوا للشعب متنفساً للحرية أو التعبير عن آرائهم أو المساهمة في بناء وطنهم … فكان بالمحصلة أن ساد الفقر والفساد والجريمة والمحسوبيات والتسلط على الشعب وإهانة المواطن في كل شاردة وواردة … فكان ما نشهده اليوم من حراك الشعب السوري المطالب بالإصلاح والتغيير الديمقراطي.
وبعد شلال الدم الذي أريق في شوارع البلاد أقدم النظام على خطوات إصلاحية, والتي رغم تأخر صدورها إلا أنها اعتبرت خطوة في الاتجاه الصحيح, كزيادة الرواتب والأجور، وصدور المرسوم /49/ القاضي بمنح الجنسية للأكراد المجردين منها نتيجة الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962، وكذلك تم إصدار المرسوم رقم 161 القاضي بإنهاء العمل بحالة الطوارئ المعلنة بالقرار رقم 2 الصادر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة بتاريخ 8/3/1963, كما أصدر المرسوم التشريعي رقم 53 القاضي بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا على أن تحال جميع الدعاوى المنظورة لدى محكمة أمن الدولة العليا والنيابة العامة فيها بحالتها الحاضرة إلى مرجعها القضائي المختص وفق ماتنص عليه قواعد أصول المحاكمات الجزائية, وأيضاً صدر المرسوم التشريعي رقم 54 القاضي بتنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها الدستور السوري , وأيضاً المرسوم التشريعي رقم 55 القاضي بأن تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها باستقصاء الجرائم والاستماع إلى المشتبه بهم ….
إلا أنّ الوقائع أثبتت أنّ هذه المراسيم إلى الآن لم تزل مجرد حبر على ورق, فما أن أعلن عن إنهاء العمل بحالة الطوارئ حتى أستقبل السوريون يوم الجمعة بحمامٍ من الدم تجاوز عدد الشهداء فيها عن المائة شهيد والاعتقالات بالمئات , وها هي درعا تعاني حصاراً شديداً وهجوماً عنيفاً, كما أن إلغاء محكمة أمن الدولة لم ينتج عنها إلى الآن أية معطيات ملموسة سواء من إفراجٍ عن المعتقلين أو الموقوفين أو تعويض المظلومين لما لحق بهم من ضرر مادي وجسدي ومعنوي ..

إذ أن الأمر لن يختلف كثيراً مع استمرار تدخل الأجهزة الأمنية وسيطرتها على القضاء الذي تحول بدوره إلى بؤرة من البؤر شديدة الفساد وكذلك نفس الأمر بالنسبة لموضوع السماح بالتظاهر السلمي في سوريا على أن تكون مرخصة , حيث لم يتم منح أي ترخيص للتظاهر لأحد رغم أن هناك من تقدم بترخيص للتظاهر في محافظة الحسكة.

أما بالنسبة لمرسوم منح الجنسية للأكراد فقد جاء أصلاً مشوهاً, فأولاً , كان لا بد أن يكون نص المرسوم بصيغة إعادة الجنسية وليس منحها , ثم أنه إلى الآن لم يحصل أي شخص على الهوية الوطنية , والأمر الآخر أن هناك فئة من المجردين تم إبعادهم من المرسوم وهم المكتومون الذين لم ترد لهم أسماء في السجلات الرسمية … وحتى أن مرسوم زيادة الأجور والرواتب للموظفين والعاملين في الدولة احتاج إلى مرسوم آخر لتوضيحه وتعديله بعد أن أثار لغطاً في مضمونه بخصوص الـ 1500 ل.س …
نعم إن من يريد الإصلاح الحقيقي , لا بد له من الإيمان بنهج الإصلاح والعمل على تنفيذ إستراتيجيات الإصلاح في جميع الظروف, والانطلاق من قاعدة أساسية وهي أن الشعب هو الحكم الحقيقي في أية تحركات وإجراءات , وأن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد إلى الحل وليس اللجوء إلى فوهات البنادق لإسكات الشارع أو اللجوء إلى التضليل الإعلامي في تشويه الحقائق … فكل ذلك عبارة عن بارود يرش على النار … فالدعوة الفورية في هذا الوقت إلى انعقاد مؤتمر وطني شامل يضم جميع مكونات البلاد القومية والسياسية والدينية والاجتماعية للتحاور من أجل وضع حلول لما تمر به سوريا , ورسم صورة واضحة لمستقبلنا, يكون فيه الوطن وطناً للجميع, لعل الحلّ عبر الحوار ما زال مطروحاً إلى هذه الساعة, ولكن كون الأحداث متسارعة جداً وتطرأ مستجدات  كبيرة بين لحظة وأخرى قد يلغى هذا الحل, وخاصةً أنه مع كل قطرة دم تراق يوصد باب من أبواب الحل للخروج من هذا المأزق أمام النظام , فعلى النظام ألا يراهن على الشعب أو الوقت .

*
لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) العدد (438) نيسان 2011 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو لم تُكتب الحقوق يومًا على أوراق الهبات، ولا وُزّعت بعدلٍ على موائد الأقوياء. الحقوقُ لا تُوهب، بل تُنتزع. تُنتزع بالصوت، بالكلمة، بالفعل، وبالإيمان الذي لا يلين. نحنُ الكُرد، أبناء الجبال والريح، لم نكن يومًا طارئين على هذه الأرض، ولا عابرين في ليلِ الخرائط. نحن الأصل، نحن الجذر، نحن الذين إذا تحدّثوا عن النكبات كان لحنُها لغتنا،…

صلاح عمر   في كل مرة تلوح فيها تباشير الأمل في أفق القضية الكردية في كردستانسوريا، تظهر إلى العلن أصوات مأزومة، تأبى إلا أن تُعيدنا إلى الوراء، أصوات لا تُتقن سوى صناعة الضجيج في وجه أي محاولة صادقة للمّ شمل البيت الكردي الممزق. الحقد، يا سادة، ليس موقفًا سياسيًا، بل مرض نفسي. الحقود هو إنسان معتقل من الداخل، سجين قفصه…

اكرم حسين في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ، يقضي برفع…

عزالدين ملا بعد ما يقارب عقد ونصف من الحرب والتشظي والخذلان، وبعد أن استُنزفت الجغرافيا وتفتتت الروح، سقط بشار الأسد كأنّه خريفٌ تأخر كثيراً عن موعده، تاركاً وراءه بلاداً تبدو كأنها خرجت للتو من كابوس طويل، تحمل آثار القصف على جدرانها، وآثار الصمت على وجوه ناسها. لم يكن هذا الرحيل مجرّد انتقال في السلطة، بل لحظة نادرة في…