حسين جلبي
jelebi@hotmail.de
قبل أسابيعٍ قليلة بدأت في سوريا و دون مقدمات قصة حُب مستحيلة من طرف واحد، فجأة تغيرت و بأقصى الدرجات سياسة النظام تجاه الشعب الكوردي، إنقلبت هذه السياسة من الإمحاء القسري إلى ما يشبه محاولة إحتواءٍ ناعم لما تبقى من حُطامٍ كردي متناثر تسبب به السياسات الرسمية للدولة السورية، تم التغيير عبر خطوات صغيرة شبه إنفتاحية.
jelebi@hotmail.de
قبل أسابيعٍ قليلة بدأت في سوريا و دون مقدمات قصة حُب مستحيلة من طرف واحد، فجأة تغيرت و بأقصى الدرجات سياسة النظام تجاه الشعب الكوردي، إنقلبت هذه السياسة من الإمحاء القسري إلى ما يشبه محاولة إحتواءٍ ناعم لما تبقى من حُطامٍ كردي متناثر تسبب به السياسات الرسمية للدولة السورية، تم التغيير عبر خطوات صغيرة شبه إنفتاحية.
سياسة قابلها الكورد بشعورٍ هو مزيجٍ من الإرتباك و الإرتياب و الإستغراب و التوجس.
كان كل ما سبق هذا التحول المفاجأ لا يشي بحصوله، و كان النظام يبدو (حتى الربع ساعة الأخيرة) ما قبل إنقلابه الدرامي العاطفي ذاك في قمة إنكار الوجود الكوردي في سوريا، و كان الكورد بمجموع أحزاب حركتهم يبدون و كأنهم قد إستهلكوا لغتهم و أصابهم اليأس من إمكانية زحزحة النظام عن مواقفه المتصلبة التي كانت تفتقد إلى أي مبرر منطقي.
و يمكن تلخيص بعض آخر المشاهد في المسلسل الكوردي السوري قبل الخامس عشر من آذار الماضي على الشكل التالي: مئات الآلاف محرومين من الجنسية السورية إلى أجلٍ غير مسمى، و من يحمل الجنسية السورية من الكورد محروم من ممارسة حقوق المواطنة، المرسوم 49 لعام 2008 يفتك بالبنية الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية للمناطق الكردية و يدفع بالمواطنين للفرار منها، بروز ظاهرة أكراد الخيام حول المدن السورية الكبرى ، حظر تام على اللغة و الثقافة الكرديتين، إعتقالات عشوائية للناشطين و حتى الخامدين الكورد و إيقاع أحكام قاسية عليهم، توالي وصول جثث عشرات المجندين الكرد الذين يخدمون في الجيش السوري و عليها آثار التعذيب و مبرر السلطة في كل مرة إقدامهم على الإنتحار..
و قائمة (الإنجازات) تطول.
عندما بدأت الثورة السورية، خاصة بزخمها الكبير في درعا و التي كان النظام يعتبرها من معاقله التقليدية، شعر هذا بمدى عزلته الشعبية، و بدأ بعملية جرد جديدة لحساباته بعيداً عن قواعد الولاء المعمول بها، و ذلك سعياً منه لكسب فئات مهمشة من الشعب السوري إلى جانبه أو على الأقل تحييدها، حتى و إن كان يعتبرها تاريخياً معادية له.
كان يظن أن الكلمة السحرية في فتح بوابة المغارة الكوردية هي الترديد اللامتناهي لكلمة الكورد في إعلامه، كما كان يظن أن مفتاح باب الحارة الكوردية هو إعادة الجنسية السورية للمجردين منها، و لا ننسى طبعاً العزف على الأوتار الإقتصادية، و منها إلغاء المرسوم العقابي رقم 49 لعام 2008 و الذي سبق و أن أضاع الكورد جهوداً كبيرة على مدى سنوات تطبيقه في محاولات مستميتة لإجراء تعديلات بسيطة عليه، و لكن دون جدوى.
إذاً توجه النظام السوري بنيرانه إلى الجنوب لإشعاله، و وجه مياهه إلى الشمال لأطفاء نيران مشتعلة، لكي يؤمن ظهره و يتجنب في الوقت ذاته الدخول بين نارين، ليس هذا فحسب، إذ إن إجراءاته على الأرض كانت قد ساهمت خلال السنوات المنصرمة في نشر الهشيم الكردي القابل للإشتعال على مساحة سوريا كلها و خاصة في العاصمة، و ليس من المستبعد أن يكون أحد أهداف الليونة التي يظهرها في الشمال هو إعادة الأوضاع إلى ما قبل زحف الكورد إلى خارج مناطقهم، أي لملمة الهشيم الكوردي ثانية في مكانٍ واحد ليستطيع إذا ما أراد إشعاله، فقط بعود ثقابٍ واحد.
و لأن مقاربات النظام السوري للشأن الكوردي بقيت على هامش القضية الكوردية في سوريا و لم تتناولها في العمق من جهة، و لأن الثمن الذي يطلبه النظام من الكورد كمقابل لهذه الإجراءات الطارئة المسكنة باهظة التكاليف ألا و هي سكوتهم عن ما يجري من تنكيلٍ بباقي السوريين من جهة أُخرى، و لكون هذه العملية تنطوي على رشوة مستترة تجرح الكرامة، و على مقايضة رخيصة خاسرة بكل المقاييس يرفضها كل ذي ضميرٍ حي، لعل أبسط صورها هي خيانة معاني الخبز و الملح المشترك الذي يجمع السوريين مقابل وعود قد تسحب من التداول في أي وقت، خاصة و ان الكورد قد ذاقوا ما يشبه هذه أثناء إنتفاضتهم في آذار من العام 2004، لذلك شاركوا منذ الأيام الأولى باقي السوريين ثورتهم و رفعوا شعاراتها، و أخذت تزداد أعداد المشاركين يوماً بعد آخر.
و قد كان النظام يغض الطرف في البداية عن المظاهرات الكوردية على أمل أن تتلاشى مثلها مثل غيرها من تلقاء ذاتها، بعد أن يعتبر الجميع بما يجري لأهل درعا و بانياس و حمص و باقي المناطق المشتعلة، لكنه و بعد أن أسقط في يده، بدأ يضيق ذرعاً بها، خاصة حين إكتشف خطأ حساباته تلك، فأخذ يبدي خشونةً تجاهها، و إنتقل من مرحلة الإستدعاءات الأمنية (الروتينية) للناشطين الكورد إلى حملة إعتقالات و مداهمات واسعة لوقف خسائر بورصته عند الحدود التي يتحملها، و زاد من حراجة موقف النظام و من مخاوفه من إحتمال خروج التظاهرات عن حدود التفاهمات غير المعلنة إن كان بالنسبة لتوقيت الخروج أو الشعارات المرفوعة و أعداد المشاركين، و بالتالي في ترجيح كفة الفراق، بدأ وصول جثامين الشهداء الكرد الذين يقتلهم شبيحة النظام على مذبح روايته العظيمة عن المندسين و العصابات المسلحة و السلفيين و التي يستحق لأجلها و بجدارة أوسكار الفشل الأول.
النار التي أشعلها النظام السوري في الجنوب السوري قد بدأت ترتد عليه و تشعله، و المياه التي تخيل أنها قد تطفأ حرائقه الشمالية المزمنة قد بدأت تغرقه، لأن المنطق الذي يحكمه هو كحال من يطفأ النيران بتسليط ألسنة اللهب عليها، و يقاوم الفيضان القادم بضخ المياه عليه.
و يمكن تلخيص بعض آخر المشاهد في المسلسل الكوردي السوري قبل الخامس عشر من آذار الماضي على الشكل التالي: مئات الآلاف محرومين من الجنسية السورية إلى أجلٍ غير مسمى، و من يحمل الجنسية السورية من الكورد محروم من ممارسة حقوق المواطنة، المرسوم 49 لعام 2008 يفتك بالبنية الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية للمناطق الكردية و يدفع بالمواطنين للفرار منها، بروز ظاهرة أكراد الخيام حول المدن السورية الكبرى ، حظر تام على اللغة و الثقافة الكرديتين، إعتقالات عشوائية للناشطين و حتى الخامدين الكورد و إيقاع أحكام قاسية عليهم، توالي وصول جثث عشرات المجندين الكرد الذين يخدمون في الجيش السوري و عليها آثار التعذيب و مبرر السلطة في كل مرة إقدامهم على الإنتحار..
و قائمة (الإنجازات) تطول.
عندما بدأت الثورة السورية، خاصة بزخمها الكبير في درعا و التي كان النظام يعتبرها من معاقله التقليدية، شعر هذا بمدى عزلته الشعبية، و بدأ بعملية جرد جديدة لحساباته بعيداً عن قواعد الولاء المعمول بها، و ذلك سعياً منه لكسب فئات مهمشة من الشعب السوري إلى جانبه أو على الأقل تحييدها، حتى و إن كان يعتبرها تاريخياً معادية له.
كان يظن أن الكلمة السحرية في فتح بوابة المغارة الكوردية هي الترديد اللامتناهي لكلمة الكورد في إعلامه، كما كان يظن أن مفتاح باب الحارة الكوردية هو إعادة الجنسية السورية للمجردين منها، و لا ننسى طبعاً العزف على الأوتار الإقتصادية، و منها إلغاء المرسوم العقابي رقم 49 لعام 2008 و الذي سبق و أن أضاع الكورد جهوداً كبيرة على مدى سنوات تطبيقه في محاولات مستميتة لإجراء تعديلات بسيطة عليه، و لكن دون جدوى.
إذاً توجه النظام السوري بنيرانه إلى الجنوب لإشعاله، و وجه مياهه إلى الشمال لأطفاء نيران مشتعلة، لكي يؤمن ظهره و يتجنب في الوقت ذاته الدخول بين نارين، ليس هذا فحسب، إذ إن إجراءاته على الأرض كانت قد ساهمت خلال السنوات المنصرمة في نشر الهشيم الكردي القابل للإشتعال على مساحة سوريا كلها و خاصة في العاصمة، و ليس من المستبعد أن يكون أحد أهداف الليونة التي يظهرها في الشمال هو إعادة الأوضاع إلى ما قبل زحف الكورد إلى خارج مناطقهم، أي لملمة الهشيم الكوردي ثانية في مكانٍ واحد ليستطيع إذا ما أراد إشعاله، فقط بعود ثقابٍ واحد.
و لأن مقاربات النظام السوري للشأن الكوردي بقيت على هامش القضية الكوردية في سوريا و لم تتناولها في العمق من جهة، و لأن الثمن الذي يطلبه النظام من الكورد كمقابل لهذه الإجراءات الطارئة المسكنة باهظة التكاليف ألا و هي سكوتهم عن ما يجري من تنكيلٍ بباقي السوريين من جهة أُخرى، و لكون هذه العملية تنطوي على رشوة مستترة تجرح الكرامة، و على مقايضة رخيصة خاسرة بكل المقاييس يرفضها كل ذي ضميرٍ حي، لعل أبسط صورها هي خيانة معاني الخبز و الملح المشترك الذي يجمع السوريين مقابل وعود قد تسحب من التداول في أي وقت، خاصة و ان الكورد قد ذاقوا ما يشبه هذه أثناء إنتفاضتهم في آذار من العام 2004، لذلك شاركوا منذ الأيام الأولى باقي السوريين ثورتهم و رفعوا شعاراتها، و أخذت تزداد أعداد المشاركين يوماً بعد آخر.
و قد كان النظام يغض الطرف في البداية عن المظاهرات الكوردية على أمل أن تتلاشى مثلها مثل غيرها من تلقاء ذاتها، بعد أن يعتبر الجميع بما يجري لأهل درعا و بانياس و حمص و باقي المناطق المشتعلة، لكنه و بعد أن أسقط في يده، بدأ يضيق ذرعاً بها، خاصة حين إكتشف خطأ حساباته تلك، فأخذ يبدي خشونةً تجاهها، و إنتقل من مرحلة الإستدعاءات الأمنية (الروتينية) للناشطين الكورد إلى حملة إعتقالات و مداهمات واسعة لوقف خسائر بورصته عند الحدود التي يتحملها، و زاد من حراجة موقف النظام و من مخاوفه من إحتمال خروج التظاهرات عن حدود التفاهمات غير المعلنة إن كان بالنسبة لتوقيت الخروج أو الشعارات المرفوعة و أعداد المشاركين، و بالتالي في ترجيح كفة الفراق، بدأ وصول جثامين الشهداء الكرد الذين يقتلهم شبيحة النظام على مذبح روايته العظيمة عن المندسين و العصابات المسلحة و السلفيين و التي يستحق لأجلها و بجدارة أوسكار الفشل الأول.
النار التي أشعلها النظام السوري في الجنوب السوري قد بدأت ترتد عليه و تشعله، و المياه التي تخيل أنها قد تطفأ حرائقه الشمالية المزمنة قد بدأت تغرقه، لأن المنطق الذي يحكمه هو كحال من يطفأ النيران بتسليط ألسنة اللهب عليها، و يقاوم الفيضان القادم بضخ المياه عليه.
الحُب على الكورد بمرسوم جمهوري بدأ يتآكل بمفعول رجعي، فما خلفته سياسات السلطة في قلوب الآخرين يشبه ثقب الأوزون، يصعب جبره دون إزالة المسببات التي تنبعث منها الغازات السامات، و هو ما يحتاج إلى أكثر من مراسيم.