الثورة السورية الكبرى الثانية

  غربي حســـــو

لا شك ان هناك علاقة جدلية بين التغيير و عوامل التغيير في تاريخ الشعوب ، فبقدر ما يكون الايمان عميقا بمبدأ التغيير ، سيكون بنفس المقاييس من الطموح و الرغبة في بناء حامل هذا التغيير، خاصة وان المنظومة الفكرية التي تحمل في طياته مبدأ التغيير تنتقل من دولة شرق اوسطية الى اخرى ، و كانها حمى ، لكن ابسط ما يمكننا تسميته هو حمى الحرية … حتى وصل بها المطاف الى سورية ، ذات الطبيعة الاستبدادية ، حيث نظام امني شرس ، لايقبل بغير الصوت الواحد تحت سطوة الحزب الواحد و بقيادة الشخص الواحد .
و لكن في ظل الرفض التام للايديولوجيات من قبل شباب الجيل الناشئ ، و توقه الى الحرية استطاع هؤلاء الشباب الاحرار بنقل الخوف المتوارث للشعوب السورية و من خلال عقود خلت الى النظام الذي بات مرتعبا من هذا الهيجان الشبابي .
فشكلت هذه الموجة ازمة كبيرة في بنية النظام ، والذي تحرك مرتبكا بين طرح حزمة من الاصلاحات و بين تنفيذ هذه الاصلاحات على ارض الواقع ، لان النظام الامني لايمكن له اجراء اصلاحات سياسية ، مما اتاح المجال   لتوسيع رقعة الاحتجاجات ، فالشعب السوري مقتنع تماما بان هذا النظام غير قابل للاصلاح ، و طرح حزمة الاصلاحات من قبل الرئيس السوري ليست سوى حزمة من اكاذيب حكومته ، يتلاعب عليها النظام ليراهن على مسالة الوقت و عليه فان اصوات رفض الواقع المتردي و الحياة القلقة  بات ينتقل من الجنوب الى الشمال و يصل الى وسط سوريا ، و لم يكن من النظام السوري الذي يتخبط في مسيرته الا القمع و التعامل الوحشي مع هذه المظاهرات السلمية، تارة تحت يافطة محاربة الطائفية ، و الذي سقط تماما بالنسبة الى الراي العام العالمي حين شارك الكورد بهذه الثورة ، وتارة باسم محاربة الجماعات السلفية التي في نيتها اعلان امارة اسلامية و اعتقد انه واضح للقاصي و الداني ان هذه الفكرة لا يستسيغها احد فالشهداء الذين سقطوا ليسوا الا من ابناء شعبنا الاعزل و الذين خرجوا سلميا ، و ربما غدا سيكون هناك اتهام باقتطاع جزء من ارض الوطن و ضمها الى دولة معادية ….
فالخوف الذي باغت الاسد و نظامه و احاط بهم نتج عنه صدمة ورعب من سقوطه عن العرش ، و مازال الشعب يريد كسر القيود و لكن الدولة تزيد الطوق.

صورة اهليجية سريالية مؤثرة جدا ومعقدة جدا، تداخل بها السوري واللبناني، الكردي والسني، العلوي على خطوط متحدة في الظاهر، متناقضة في الباطن .
ثلاثة أمور عملت مجتمعه على تصعيد الموقف ميدانيا وهي : أولا : غياب المعارضة المنظمة عن واقع الحراك الفعلي.

ثانيا: غياب الإعلام، له كبير الأثر في إخفاء الحقائق.

ثالثا: دخول قطاع الشباب، كلاعبين جدد للمشهد السياسي الحركي .
و بما ان الثورات لابد و ان يرافقها التضحيات ، فاعتقد ان الشعب السوري و بكامل اطيافه لن يتوانى عن دفع ما هو مطلوب منه ، او يقع على عاتقه ، فيبذل ما يبذله في سبيل الحرية ، و لكن و بنفس القدر لابد من ايجاد ادوات لحماية هذه الثورة من الانزياحات او التململ، فالعيون الطامعة بها كثر، و المتربصين باستمالتها هم اكثر ، سواء في الداخل السوري او من خارج حدودها ، بذرائع كثيرة و من خلال الايادي الخفية التي تمتد الى اعماقها ، من قبل لصوص الثورات ، او من يميعون الحالات الثورية كانزياحها من مسارها الوطني السوري ، برفع هتافات و شعارات ، يرفضها الراهن السوري لان الهدف الاساسي من هذا الحراك المجتمعي هو كسب اكبر قدر من التغيرات التي تصب لصالح الشارع السوري عموما و ليس خدمة اجندة استخباراتية خارجية تنسق مع المنظومة الامنية في الداخل .
لان بعد كل الذي حدث و خلال الايام الماضية لابد لنا ان نعي حقيقة ثابتة و هي :

في سوريا : ازرع ثورة تحصد رؤوس … سيف القمع ..

ورقاب الشعب
أزمة مقابل أزمة، جملة توصف المشهد السوري، شد أنظار العالم اليه، بعد انشغاله في ليبيا، التي تحتاج لطول ترقب ونفس.

 كما ان الحفاظ على الثورة و مسارها اصعب من اندلاعها و خاصة ضد اعتى الدكتاتوريات، و باقي مخلفات الاستبداد و حصنه المنيع .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…