القضية – الحركة – في الاتجاه المعاكس

الدكتور عبد الحكيم بشار

لا يختلف اثنان أن الحكة الكردية في سوريا نشأت كاستجابة موضوعية أملتها العديد من الظروف الذاتية والموضوعية لتنظيم الشعب الكردي في سوريا وقيادته والدفاع عن قضيته القومية التي هي قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ، والعمل على تحديد اتجاهات التطور والتطوير فيه ، وذلك عن طريق الوعي والتثقيف والإدارة الذكية لمختلف قطاعات وشرائح وفئات المجتمع الكردي ، وتهيئة الظروف الذاتية ودفعها إلى الأمام لخلق شروط موضوعية تساعد على حل القضية الكردية في سوريا .
وقد نجحت الحركة الكردية في إغناء الشعور القومي وتنميته وتحويله إلى وعي قومي مسيّّس ، ونجحت أيضاً في تعبئة المجتمع الكردي وفق الأجندة الثقافية والاجتماعية التي رسمتها الحركة لنفسها في بداية عملها ، إلا أن الحركة لم تنجح في تحويل القضية القومية الكردية في سوريا إلى قضية وطنية عامة ( إلى جانب كونها قضية قومية تخص الشعب الكردي فإنها أيضاً قضية وطنية تخص الشعب السوري عامة ) وبقيت القضية الكردية وأجندة الحركة أسيرة المناطق الكردية فقط وكذلك لم تنجح في الوصول إلى الساحات الدولية وكسب ولو اهتمام دولي بسيط للقضية الكردية في سوريا سواء كان ذلك الاهتمام رسمياً أو على مستوى الشخصيات الثقافية أو المنظمات المجتمعية والحقوقية ، ورغم اهتمام الحركة بالقضايا الوطنية والدولية وإقرارها التام بأن تلك القضايا تؤثر بشكل مباشر في القضية الكردية في سوريا ، فإنها لم تسعى بشكل فعلي إلى التفاعل الإيجابي مع تلك القضايا ، بل كان تفاعلها دائماً منفعلاً ( أي تتأثر الحركة دون أن تؤثر أو تسعى إلى التأثير والتفاعل الإيجابي ) وإذا كانت هناك عراقيل وصعوبات متعددة تعترض سبل تحرير القضية الكردية من واقعها المحلي والمناطقي الكردي إلى الساحات الأخرى ( الوطنية والدولية ) لكننا نستطيع التأكيد أن أية قضية مهما كانت بسيطة لابد أن تعترضها عراقيل فإن الحركة لم تكن لديها برامج فعلية أو لنقل ممارسات فعلية لتحرير القضية الكردية من واقعها المحلي بل انصبت كل جهودها على المناطق الكردية ، فإذا كانت قد نجحت في البداية في تنمية الشعور القومي وتحويله إلى وعي قومي فإنها توقفت عند هذا الحد وبدأت باستنساخ نفسها وأفكارها وأجندتها في الوقت الذي كان المجتمع الكردي يتطور نحو الأمام ويحتاج لا إلى استنساخ الذات بل يحتاج إلى حركة أو فصائل قادرة على التطور والتطوير ، قادرة على الفعل والتأثير إلى قيادات ديناميكية لتتفاعل مع تطورات المجتمع الكردي بعمق وعقلانية .
منذ تأسيس الحركة حتى الآن ثمة تطورات عميقة وجذرية ونوعية حصلت وازدادت هذه التطورات نوعية بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق مما رافقها تطورات إقليمية ووطنية وتطورات تخص الشعب الكردي في سوريا ( أو على الأقل وعي الشعب الكردي ) ، فهل سايرت الحركة أو هل تفاعلت الحركة الكردية بشكل إيجابي مع نفس التحولات ، هل سارت معها أم أنها سارت بالاتجاه المعاكس ؟ ولتوضيح هذه النقطة لابد من سرد موجز لتلك التطورات :
أولاً – على الصعيد الدولي : لم يكن للقضية الكردية في سوريا بل القضية القومية عامة أية اهتمامات دولية ليس على الصعيد الرسمي بل على الصعيد الثقافي والاجتماعي أو حتى الشكلي منه والقضية الكردية في سوريا كانت غائبة تماماً على صعيد الساحة الدولية ، أما الآن – خاصة بعد أحداث آذار الدامية – فقد بدأ الاهتمام الدولي واضحاً بالقضية القومية  الكردية في سوريا وإن لم تبلغ حد تدويل القضية أو أحد أجندة الدول صانعة القرار إلا أن مجيء سفراء العديد من الدول ( كندا – فنلندا – النروج – الدانيمارك ) إلى مدينة القامشلي ولمرات عدة والتقائها بمختلف القيادات الكردية وسعيها التعرف على جوهر القضية الكردية ومطالب الكرد في سوريا لا يمكن القول إلا أنها تندرج في إطار الاهتمام الدولي بهذه القضية ولو على الصعيد الإنساني والثقافي ، وكذلك انعقاد العديد من المؤتمرات في مختلف العواصم الأوربية ( باريس في قاعة البرلمان الفرنسي ، وفي واشنطن وبروكسل ، وألمانيا ) هي أيضاً أحد الجوانب غير المباشرة للاهتمام الدولي بالقضية الكردية ، وكذلك دعوة بعض هيئات البرلمان الأوربي للقاء بعض الشخصيات الكردية ، ومجيء العديد من الصحفيين إلى سوريا وكذلك الاهتمام الواضح من قبل منظمات حقوق الإنسان الأوربية وشخصياتها البرلمانية والثقافية والإعلامية كلها أمور بادية للعيان وساهمت وتساهم في دفع القضية الكردية إلى الأمام وتعزيز مواقعها على الساحات الوطنية وإكسابها المزيد من القوة والمرونة في التعامل مع الأحداث وتعزيز دورها السياسي والمعنوي والإعلامي الأمر الذي يهيئ ويخلق ظروفاً موضوعية في منتهى الإيجابية لصالح القضية الكردية .
ثانياً – على الصعيد القومي : بعد أن كانت القضية القومية بشكل عام في طي النسيان إلا على صعيد كردستان العراق  حيث كانت الثورة الكردية مشتعلة ومتقدة بقيادة الخالد مصطفى البارزاني ومن بعده الرئيس المناضل مسعود البارزاني إلا أن الاهتمام الدولي بها كان شبه غائب ولم يكن يتجاوز نقل الخبر في بعض المعارك ، والآن وبعد نجاح الكرد في تحقيق الفيدرالية وإقرار ذلك في دستور العراق الدائم وتحول مدينة هولير إلى العاصمة الثانية للعراق حيث الوفود السياسية الرفيعة المستوى تزور عاصمة الإقليم تباعاً ، كما أن استقبال الرئيس مسعود البارزاني وبصفة رسمية في العديد من عواصم القرار العالمي وخاصة البيت الأبيض ، كل ذلك أكسب الفيدرالية بعداً دولياً وبالتالي القضية القومية العامة بعداً دولياً أيضاً وما ينعكس ذلك من تأثير إيجابي هام على القضية الكردية في سوريا وكذلك فإن الفيدرالية بواقعها الحالي ودعمها السياسي والإعلامي للقضية الكردية في سوريا تكسبها بعداً استراتيجياً يساهم إلى حد كبير في دفع القضية القومية الكردية في سوريا إلى الأمام وتعزيز مواقعها وإكسابها المزيد من الدعم والقوة .
ثالثاً – على الصعيد الوطني : لقد طرأ تحول نوعي على مواقف المعارضة الوطنية السورية تجاه القضية الكردية في سوريا بعد أحداث آذار 2004 إذ انتقلت المعارضة السورية من مواقف الشك والريبة تجاه القضية الكردية إلى مواقف التأييد والمطالبة بالحلول الديمقراطية للقضية الكردية في سوريا ومن التعامل الحذر مع الحركة الكردية إلى تشكيل جبهات معها ( إعلان دمشق مثلاً ) ورغم أن موقف المعارضة السورية لم يرتقي بعد إلى الإقرار بجوهر القضية الكردي باعتبارها قضية( شعب يعيش على أرضه التاريخية ) ورغم أن حلولها المطروحة لا تلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب الكردي في سوريا إلا أنه يجب الإقرار بأنه حصل تطور نوعي على مواقفها يتجاوز كثيراً برامجها ومناهجها الحزبية والتنظيمية وإن جل هذه التطورات جاءت بفضل تضحيات الشعب الكردي في آذار 2004 والوحدة الرائعة التي ظهرت في تلك الأحداث مما جعل معظم القوى العاملة على الساحة السورية تعيد النظر في مواقفها وحساباتها تجاه القضية الكردية ، مما هيات العوامل والظروف التي تدفع القضية الكردية خطوات إلى الأمام وتكسبها المزيد من الأصدقاء والمؤيدين في صفوف الساسة والمثقفين السوريين .
رابعاً – على صعيد الشعب الكردي : إن التضحيات الكبيرة التي بذلها الشعب الكردي والوحدة الرائعة التي تجلت في صفوفه والتي تجاوزت كل الحسابات والتوقعات ، تلك الوحدة التي تجسدت في خروج الشعب الكردي عن بكرة أبيه أطفالاً وشيوخاً ونساء ورجالاً وشبابا وفي جميع مناطقه والمناطق الكردية ( الجزيرة – كوباني – عفرين ) وأماكن تواجده خارج المناطق الكردية في مدن ( دمشق وحلب ) مما خلق إرباكاً على الساحة السياسية السورية بشكل عام والسلطوية بشكل خاص لم يسبق له مثيل ونجحت في توجيه رسالة واحدة للكل ( السلطة والمعارضة ) مفادها ( أن الشعب الكردي موحد رغم تشتت الحركة ، وأنه مستعد للتضحية من أجل حقوقه القومية المشروعة وأنه يملك كل مقومات المقاومة لمواجهة السياسات والمشاريع الشوفينية ، وأن الاضطهاد بحقه بلغ حداً لا يمكن القبول به والسكوت عليه ن وان استمرار هذا الاضطهاد القومي يخلق لدى الشعب الكردي المزيد من الاحتقان والمزيد من الرفض والمزيد من الاستعداد للتضحية ، والمزيد من الوحدة الشعبية) وقد تلقى هذه الرسالة كل من السلطة والمعارضة ، فالمعارضة بدأت بتغيير مواقفها تجاه الشعب الكردي وقضيته وحركته بشكل إيجابي وإن لم يصل إلى مستوى عدالة ومشروعية القضية وطموحات شعبنا ، أما السلطة فإن الإيجابية الوحيدة تجلت بإقرار السيد رئيس الجمهورية بتصريحه المعروف لفضائية الجزيرة ، إلا أن عقلية السلطة والحزب الحاكم ( البعث ) لاتزال تسير وفق نفس المنهج القديم وكأن كل التطورات الدولية والإقليمية والوطنية ما هي إلا سحابة صيف سوف تمضي وسوف تنجح السلطة في احتوائها في وقت ما ناسية أو متناسية أو غير قادرة على استيعاب التطورات العميقة التي حصلت في العالم والمنطقة وقراءتها بشكل صحيح أو على الأقل غير مستعدة للتفاعل مع تلك المتغيرات مما يضعها ( السلطة ) في مواجهة مباشرة مع كل التطورات العميقة والواسعة التي حصلت في العالم .
خامساً – على صعيد الحركة الكردية في سوريا : ذكرنا التطورات الإيجابية التي حصلت على القضية الكردية في سوريا ، ولكن ثمة أسئلة تطرح نفسها ، ما هو واقع الحركة الكردية ؟ ما دورها ؟ هل نجحت في مسايرة القضية الكردية بل قيادتها في المرحلة الأخيرة ؟ وهل لاتزال تحتفظ بدورها الريادي في المجتمع الكردي والقضية الكردية ؟ وثمة أسئلة أخرى كثيرة تطرح نفسها على واقع الحركة وهي بحاجة إلى المزيد من الدراسة والنقاش والجدال .
إن الحركة الكردية في جوهرها يجب أن تكون حاملة للقضية الكردية ورائدة لها وقائداً للمجتمع الكردي ومرشداً له ، ولكن تطورات الأحداث النوعية وأسلوب تفاعل الحركة معها أظهرت وقائع ومعطيات لا تنسجم مع الدور المطلوب من الحركة ، فبروز النظام العالمي الجديد شكل خطوة نوعية في السياسة العالمية استفادت منه الكثير من الشعوب المضطهدة التي غاب أي اهتمام بواقعها في مرحلة الحرب الباردة ، إلا أن الحركة الكردية في سوريا لم تتعامل مع تلك التغيرات سوى بالإشادة بها والتنظير القاصر لها دون أن تتفاعل بالحد الأدنى منها ، بل لا نبالغ إن قلنا لم تتفاعل معها نهائياً سوى ببضع جمل وعناوين غاب عنها الفعل والتأثير والحركة والتفاعل ، فالحركة الكردية وهي حاملة للقضية فكان حري بها أن تتحرك على الساحة الدولية عبر منظماتها والجالية الكردية المقيمة في الخارج ، بل عبر قياداتها بشكل فاعل ومنظم لنقل معاناة الشعب الكردي في سوريا إلى الساحات الدولية ، هذه المعاناة رغم أزماتها وتراكماتها فإن السلطة الحاكمة وحتى هذه اللحظة لا تعير لها أي اهتمام وإن أعارته فلا يخرج عن وعود غير منفذة ولقاءات استعراضية بغية تخفيف احتقان الشارع الكردي ، وهنا قد يتساءل البعض إذا كانت القضية الكردية في سوريا قضية وطنية فلماذا اللجوء إلى الساحات الدولية ؟ وهنا نقول إن القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية في أحد جوانبها ، ولكنها في جوهرها قضية قومية ، قضية شعب مضطهد ومحروم من كافة حقوقه القومية المشروعة وإن استنكاف السلطة عن فتح حوار جدي معها خلال عقود من المطالبة والتودد والرجاء وحتى التوسل فإن البحث عن ساحات أخرى للنضال ووسائل أخرى ديمقراطية تبدو مشروعة بكل المقاييس ، وإن تردد قادة الحركة من استعمال الساحات الدولية للضغط على السلطة أعتقد ليس بسبب الطابع الوطني للقضية القومية ، بل بسبب الخطوط الحمراء التي رسمتها الحركة لنفسها ، لذلك عجزت عن حمل معاناة الشعب الكردي إلى خارج سوريا ، وعجزت عن تحقيق تغيرات على واقعها وأسلوب عملها ونضالها ونمط تفكيرها بما ينسجم مع نوعية وجسامة التغيرات الحاصلة ، بل أصابها المزيد من التشظي والانقسام ، وأنا من الذين يرفضون الانقسام ويؤمنون بالحوار الداخلي ضمن الحزب الواحد إلا أن إخفاق الحركة في تحقيق أية تغيرات مهمة في ظل حصول تغيرات نوعية عملاقة على السياسة العالمية كان أحد أسباب زيادة التشرذم داخل الحركة وبالتالي المزيد من الضعف والعودة إلى الوراء .
ثم جاءت التغيرات القومية وقيام الانتفاضة في كردستان العراق وتحقيق الفيدرالية والتي شكلت حاملاً مهماً للقضية القومية الكردية على الصعيد الإقليمي والدولي وشكلت منعطفاً هاماً على القضية القومية كان على الحركة الكردية أن تتفاعل معها بإيجابية وبعمق وأن تتكئ على إنجازاتها في نقل القضية القومية الكردية خطوات إلى الأمام سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الوطني حيث تشكل الفيدرالية ركيزة قوية وأرضية صلبة يمكن الاستناد عليها في الانطلاق بقوة ومن أرضية أصلب بكثير من ذي قبل .
إلا أن مما يؤسف له أن الحركة تعاملت معها بالتصفيق والتهليل من جهة والمزيد من الاستنساخ الذاتي المشوه من جهة أخرى وبعض الأطر الشكلية التي أثبتت حتى الآن أن آلية التعامل ضمنها لا تتجاوز سوى المسائل الشكلية ومحاولة الإيعاز للشعب الكردي بأنها تقدم شيئاً ما ، وإنني أعتقد أن عدم وجود إطار أفضل بكثير من الأطر الشكلية والتي ( قد تشكل أفكاراً ومفاهيم مشوهة لدى أبناء شعبنا بسبب عدم فعاليتها تجاه هذه الأنماط من الأطر) فالكل يعرف موقف أبناء شعبنا من مجالس البلديات إلى المحافظات رغم أنها من حيث المبدأ هي مجالس ديمقراطية من جهة وهدفها المعلن تقديم أفضل خدمة وبأفضل الصيغ للبلدات والمحافظات ولكن التنفيذ على أرض الواقع يناقض بشدة الأهداف المفترض أن تعمل من أجلها مما خلق انطباعاً سلبياً لدى أبناء شعبنا تجاه هذه المجالس ، لذلك أتمنى أن لا تعمل الأطر المقامة وفق نفس النمط ونفس الأسلوب ( وهنا لا أحدد إطاراً بعينه ولكنني أطرح مبادئ عامة طالما التزمتها الحركة من حيث الشكل ونفذت مضمونها بمقاس مجالس البلديات والمحافظات ) وقد تتالت الوقائع والأحداث وأثبتت أن الحركة لم تتفاعل بالشكل المطلوب مع ما حصل في كردستان العراق وعدم سعيها إلى اتخاذها ركيزة قومية وقوية يمكن تحقيق الاستفادة القصوى منها ، وقد جاء موقف الحركة وتشتتها وتردد البعض منها في قضية العلم ( قرار السيد الرئيس مسعود البارزاني بمنع رفع علم البعث فوق مباني ومؤسسات الإقليم ) خير دليل على أن الحركة تمر بأضعف مراحلها على الإطلاق من حيث التنسيق والتضامن بين أطرافها أو من حيث التفاعل المتبادل مع القضايا القومية مما يجعل الحركة تسير باتجاه لا ينسجم مع ما حققته القضية القومية العامة من خطوات إيجابية ما كانت ممكنة لولا التغيرات الدولية والقومية .
أما بعد أحداث آذار 2004 والتي شكلت خطوة نوعية للقضية الكردية في سوريا ومفصلاً تاريخياً كان ينبغي التعامل معه بحجم الأهداف وحجم التطورات وحجم التضحيات ، وإذا كانت الحركة قد نجحت في البداية في فترة الحدث بالتعامل العقلاني الحكيم مع الأحداث إلا أن الأحداث دفعت القضية الكردية ( وذلك بسبب التضحيات الجسام لشعبنا ووحدته الرائعة ) خطوات نوعية إلى الأمام وفرضت نفسها على مختلف الصعد ومختلف الساحات وتفاعلت معها الجاليات الكردية السورية في الخارج بمنتهى المسؤولية وكذلك الشخصيات البرلمانية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني الدولية ونفس الشيء بالنسبة لأبناء شعبنا في باقي أجزاء كردستان ، لقد كانت أحداث آذار وما تمخض عنها من نتائج كفيلة بأن تشكل حافزاً قوياً للحركة لأن تعيد بناء نفسها وفق مقاسات جديدة ، وفق مفاهيم ورؤى وآليات وتكتيكات واستراتيجيات تعبر عن المرحلة وتعبر عن الواقع الجديد للقضية الكردية في سوريا على أنها حاملة للقضية ورائدة لها تقودها في المحافل الوطنية والدولية والقومية ، ولكن في الوقت الذي تشهد القضية الكردية تطورات متلاحقة خاصة على صعيد الاهتمام الدولي بها عبر العديد من المؤتمرات فأن الحركة تعيش صراعاً داخلياً وحالة من تصفية الحسابات وممانعة قوية لإنجاز أي شكل من أشكال التضامن الكردي سواء كان الفعال منه أو الشامل وتعيد إنتاج سياساتها وقراءاتها وأساليبها وفق مفاهيم لا ترتقي بأي شكل من الأشكال إلى حجم القضية ومع معاناة الشعب الكردي إن لم نقل تعيد إنتاج ذاتها وفق أشكال متخلفة في المجتمع الكردي ، فحتى هذه اللحظة تعجز الحركة الكردية عن تحقيق اجتماع شامل لفصائلها دون شروط مسبقة وتعجز عن دراسة مسودة مشروع ( وثيقة أو رؤية مشتركة ) دون شروط مسبقة ومضت عدة أشهر والحوار يدور على شروط الاجتماع والوثائق التي ستقدم فيه .
إن الحركة الكردية وبهذا السلوك تدور في حلقة مفرغة في الوقت الذي تزداد فيه معاناة شعبنا وتزداد أساليب اضطهاده وتتم إدارته بأساليب بعيدة كل البعد عن تأثير ودور الحركة فيها بل نكاد نقول أو نجزم أن الحركة قد نسيت المجتمع الكردي بكل تفاصيله ( الجوانب الاقتصادية ، الاجتماعية ، الثقافية ، التنويرية للمجتمع الكردي ) نتيجة عاملين أساسيين :
1-    انشغال الحركة الدائم بوضعها وصراعاتها وحساباتها الخاصة .
2-  عدم توفر المؤهلات والكوادر لدى الحركة تمكنها من التفاعل مع المجتمع الكردي في الجوانب غير السياسية ( الاجتماعية ، الاقتصادية ) الأمر الذي يجعل المجتمع الكردي كسفينة بلا ربان أو الأصح سفينة تدير دفتها رياح القوى والأوساط التي تضطهد شعبنا وذلك يسبب انكفاء الحركة وانشغالها بمشاكلها الخاصة .
لذلك يمكن القول إنه في الوقت الذي تنضج فيه معظم الشروط المؤثرة في القضية الكردية ، الظروف الدولية ، القومية ، الوطنية العامة ، وكذلك الشروط الذاتية للشعب الكردي من حيث استعداده للتضحية ووحدته الشعبية الرائعة ، فإن ظروف الحركة هي التي تعاني من قصور شديد لا ينسجم أبداً مع المرحلة التي تعيشها وهذه تشكل كارثة حقيقية لأنه في المحصلة ومهما كانت الأوضاع والظروف فإن الحركة هي التي يجب أن تدير معركة الحقوق ( والمعركة السياسية للدفاع عن القضية الكردية وتحقيق أهدافها ) لذلك فإن القضية تسير باتجاه والحركة تسير باتجاه معاكس لاتجاه تطور القضية ، وهنا أريد القول بل التأكيد أن ما تطرقت إليه حول الحركة وسلبيات هي ظاهرة عامة ولكنها لا تنفي وجود فصائل أو جزء من فصائل أو شخصيات سياسية تتفاعل بمنتهى الإيجابية مع الأحداث وتسعى إلى تحقيق حراك سياسي في الحركة ينسجم مع متطلبات المرحلة ولكنها لاتزال تعاني من معوقات شتى تتعلق بمجموع الحركة .
إن ما آلت إليه أوضاع الحركة الكردية في سوريا من ضعف في الأداء والانسجام والتفاعل نتحمل نحن جميعاً ( مسؤولي وقيادات الحركة ) مسؤوليتها ، لذلك يقع على عاتقنا جميعاً أن نتجاوز ذواتنا الشخصية والحزبية ونعمل على خلق الظروف والأوضاع التي تهيء لخلق تضامن كردي فعال قادر ومؤهل على قيادة المجتمع الكردي وقضيته القومية في جميع المحافل .

في 25-9-2006

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…