الشعب الكردي بين ضربات السلطة وأنانية الأحزاب الكردية في سوريا

كاردوخ

منذ أن استولى القوميون العرب على الحكم في سوريا فإن الشعب الكردي يتعرض للظلم والاضطهاد القومي والتمييز العنصري والمعتقلات والملاحقات والسجون والمحاكم الصورية غير المبررة ناهيك عن الإجراءات التعسفية والقوانين الاستثنائية التي طبقت بحقه وخاصة بعد تسلط حزب البعث على الحكم بانقلابه العسكري المعروف عام1963مما زاد من معانات الشعب الكردي يوما بعد يوم وهذا معروف لدى ألقاصي والداني , وأن الأحزاب الكردية تركت كل هذه الويلات التي جرت وتجري بحق الشعب الكردي وراء ظهرها منذ وقت بعيد وابتلت بخلافاتها الداخلية وصراعاتها الجانبية حيث أن هذه الأحزاب تزداد نزعة سياسية انتحارية أكثر فأكثر في الصراع المستمر بينها منذ ثلاثة عقود ونيف من الزمن تقريباً.
وقد برهنت هذه النزعة السلبية بأنها لا تتقاطع وعدالة قضية شعبنا النبيلة ومصلحته الوطنية.هذه القضية التي لم يتوانى ولم يتردد الشعب الكردي في تقديم  تضحياته الجسام في سبيل تحقيقها عبر تاريخه الطويل كلما تطلبه الأمر.

علما أن الصراع الأيديولوجي الذي تأثرت به أكثرية الأحزاب والحركات التحررية في العالم سلبا أو إيجابا في زمن الحرب الباردة ومنها بعض من أحزابنا في حركة شعبنا التحررية الكردية أيضاً, واستمرت فيها شوطاً بعيداً, حسب قناعتها – وإننا لا ننكر ذلك.

وقد يستمر الصراع ولكن بشكل آخر ومتجدد لأن الصراع والحياة متلازمان ومرتبطان لا ينفصلان وإن انفصل أحدهما عن الأخر يعني نهاية الحياة-هكذا يقول المنطق- .
الكل يعلم بأن الحرب الباردة التي افتعلتها الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية, بما فيها الاتحاد السوفيتي السابق, فإنها جميعاً ومعاً لم تتوانى لحظة واحدة عن تقسيم الكرة الأرضية فيما بينها خدمة لإستراتجيتها العسكرية ونهباً لخيرات شعوب العالم حسب رغبتها ومشيئتها ووفقا لفلسفتها المادية المزعومة, ومنها تقسيم كردستان أرضاً وشعباً كما هو معلوم لدى الجميع, وذلك بموجب معاهدات واتفاقيات جائرة خالية من القيم الإنسانية ومتناقضة تماماً مع معتقداتها وفلسفتها المادية المعلنة, رأسمالية كانت أو اشتراكية أو دينية كحرية الشعوب والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل وحقوق الفرد والمساواة وغيرها عديدة ولكن لم ترع تلك الدول هذه القيم ولم تترجمها على أرض الواقع إلا بقدر ما كانت تخدم مصالحها عند الحاجة فقط .

وإن تجارب الشعوب المغلوبة على أمرها مليئة بالأمثلة والبراهين على جرائمها تلك, ومن بينها تجارب الشعب الكردي.

إلا أن الحرب الباردة قد انتهت واندحرت معها أكثرية الدكتاتوريات التي نشأت أثناءها وترعرعت في أحضانها  كرومانيا وتشكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وأوكرانيا وشعوب قوقازيا وغيرها كثيرة كشرق أوربية وأفريقية وشرق أوسطية.

وقد انتصرت الديمقراطية عليها في أغلب المواقع الساخنة وتجاوزتها وكشفت عوراتها القذرة.

وكذلك اندحرت أخيرا بعض من الدكتاتوريات التي صنعتها لحماية مصالحها الإستراتجية بأنواعها واكتوت بنارها اغلب شعوب العالم على وجه البسيطة  ومنها شعبنا الكردي.

وأن الدكتاتوريات الأخرى الباقية منها على وشك الانهيار, حسبما يؤكده منطق التاريخ, على الرغم من مقاومتها اليائسة, وسوف تتهاوى تباعاً عاجلاً أم آجلا  كما تهاوت جدران برلين المصطنعة ولم يبق منها سوى الذكر اليسير.


غير أن أكثرية الأحزاب والمنظمات والحركات التي كانت تدور في فلكها لا زالت تعيش بتلك الأفكار الدماغوجية القاتلة وتتغذى بها في صراعاتها المستمرة فيما بينها, ومنها الأحزاب الكردية في سوريا تحديداً كأنها عطشى في صحراء قاحلة تهرول وراء السراب كي يحد من ضمأها متجاهلة طبيعة تلك الصحراء المرعبة ورمالها المتحركة الهوجاء الخطيرة التي قد تودي به إلى الهلاك والفناء في نهاية المطاف.
حيث أن استمرارية الصراع غير المنتج بين الأحزاب الكردية والأنانية القاتلة, وتكاثر أعدادها المتلاحقة دون توقف والغلو المفرط والتباين في شعاراتها المختلفة منها بعيدة عن الموضوعية والواقعية ومنها ضبابية يشوبها الغموض وعدم الطمأنينة فإنها مجتمعة قد تدعو إلى طرح الأسئلة التالية:
1- هل الانقسامات داخل الأحزاب الكردية في سوريا يرجع إلى عدم وجود الديمقراطية المركزية لهذه الأحزاب؟ – علماً أنها جميعا قد اعتمدتها  كبند أساسي مدون في مناهجها أو نظامها الداخلي .

ولكن السؤال الأصح هو:هل تجسد مفهوم الديمقراطية المركزية بصورة فعالة بين أوساطها وعملت بها وطبقتها على نفسها بالشكل المطلوب؟  
2- هل قيادات هذه الأحزاب غير متجانسة فكريا وسايكلوجياً وعقلياً؟- إن صح التعبير-وبالتالي فإنها تفتقد القدرة على استمرارية العمل معاً أم أنها غير ناضجة من حيث الوعي السياسي والقومي والوطني, أي أنها متخلفة ولا تتمتع بالحكمة والحنكة السياسية المرحلية المطلوبة التي تمر بها حركة شعبنا التحررية ؟ أو عدم أيمان هذه القيادات المطلق بما تدعي بها في السر والعلن حسب نظامها الداخلي ومنهجها السياسي وأدبياتها المنتشرة هنا وهناك؟ أم أن الانقسامات في الأحزاب الكردية أصبحت عادة مدمنة يستحيل التخلص منها والإقلاع عنها  ؟؟؟
3- هل العقلية العشائرية والقبلية والعائلية في منطقة معينة من الجزيرة موؤبة بأمراض مقيتة مستعصية لها دور في إنشاء هذا العدد الهائل من الأحزاب أو التسبب في الانقسامات داخل هذه الأحزاب؟ وببساطة هل تعتبر خلفية لها من حيث أن الشعب الكردي يتكون منها كغيره من الشعوب في المنطقة والعالم ؟علماً أن عدد هذه الأحزاب يكاد يفوق عدد العشائر الكردية في سوريا مما يلفت النظر إليها بعين الشك والريبة من قبل المراقب المحايد وحتى من قبل الشارع الكردي نفسه الذي تعول عليه قيادة هذه الأحزاب.
4- هل  كثرة  هذه الأحزاب وانقساماتها المتعددة المتتابعة ترجع إلى علاقات خارجية مشبوهة لا سمح الله؟تلك بقصد تشويه الحركة التحررية الكردية في سوريا وبالتالي خروجها عن مسارها الصحيح, كما يقال ,أم أن القضية الكردية في سوريا أصبحت بمثابة غنيمة ثمينة لمن يستطيع الحصول عليها بالطريقة التي يرغبها وكيف ما شاء؟.

علما بأنه جرى حوار على بعض من تلك الأسئلة السالفة- وليس جميعها – مع احد المسؤولين في الحزب اليساري الكردي السابق على شاشة كردستانTV في بداية شهر أيلول الحالي لعام2006 وكانت الأجوبة على بعضها ضبابية وأخرى شيقة ولكن غير منتجة, كون المحاور أو المحلل الكريم لم يتطرق إلى الأسباب والعوامل الموضوعية المهمة التي أدت إلى الانشقاقات المتتالية داخل الأحزاب الكردية والاندفاع نحو المزيد لإنشائها داخل صفوف شعبنا الكردي دون مبرر موضوعي وفكري أو اجتماعي أو سياسي حسب الواقع الملموس التالي: 

1- من حيث أن جميعها تسمي نفسها بالحزب الفلاني الكردي مثلا ديمقراطي كردي-تقدمي كردي-يكتي كردي- أزادي كردي وهكذا أي أن الكل يقر بأن في سوريا مجموعة أو جالية بشرية كردية فقط أي دون الاعتراف بوجود وطن اسمه كردستان ملحق بسوريا, أي بعكس ما يؤكد كردستانية أجزاء من سوريا كونها ألحقت بها عندما أقدمت الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية على تقسيم كردستان وذلك بموجب اتفاقيات جائرة معروفة,نستغني عن ذكرها لعدم الإطالة, وأن الجميع يؤكد على كلمة كرد في سوريا, وهم ليسوا مختلفين عليها إطلاقاً.
ب-أن تحديد المطالب التي تدعي بها هذه الأحزاب متشابهة ومتقاربة إن لم تكن متطابقة وتلك كالثقافة وحقوق الإنسان أخيرا وإلغاء الإحصاء والديمقراطية والعدل والمساواة والحقوق القومية والديمقراطية والحزام العربي فإن هذه الأحزاب جميعاً تدعو إلى نفس المطالب المذكورة دون وجود تباين بينها في هذا المجال,عدا بعض من الشعارات التي تطلق من قبل بعض من هذه الأحزاب غير الجوهرية, فإنها ليست إلا غلوا ومزايدة على البعض الآخر وخداعا للرأي العام الكردي من ناحية وتقسيم الشارع الكردي من ناحية أخرى,وهذه تلحق الضرر الأكيد بشعبنا وقضيته العادلة دون أدنى شك.


ج- مما ظهر سابقا وكما يظهر حالياً على الساحة السياسية الكردية  فإن قيادة هذه الأحزاب لازالت مستمرة في أنانيتها الحزبية الضيقة متجاهلة الظروف الموضوعية التي تمر بها حركة شعبنا التحررية , في وضع سياسي متذبذب مرعب وغامض ومتجاذب محلياً وإقليمياً ودولياً .

أليس من الأجدر بهذه الأحزاب الكردية في هذه المرحلة الحساسة أن تبحث عن إستراتيجية موضوعية حقيقية وموحدة متفق عليها تتماشى والمرحلة الراهنة كي تلم شملها وترص صفوفها وأن تبني برامجها وأهدافها المعلنة منها وغير المعلنة كي تتوحد عليها الكلمة الحرة التي تعبر عن عدالة قضية شعبنا بكل صدق وشموخ, وبالتالي النهوض بنفسها ومن خلالها بهمة وقوة وأن تتخلى عن الأنانية الحزبية, كما ندعوها على ذلك ؟ ألم يكن عندها ستستقر ثقة الشارع الكردي بها وتزداد رسوخا؟ وعليه فقط سيستوجب على كل فرد كردي يعز عليه شرفه وكرامته الوطنية والإنسانية من تقديم التضحية مهما كبرت أو صغرت في سبيل تحقيق قضيته العادلة وأن شعبنا لسخي بها وبشكل يفوق الوصف و مجرب في هذا المجال وعندها فقط تستطيع الحركة التحررية الكردية قطع الطريق أمام ما هو انتهازي ومزايد ونفعي بكل صوره وأشكاله, و إلا فإن الأحزاب الكردية في سوريا ستتراوح في مكانها وبالتالي فإن أعمالها ستندرج في خدمة أعداء الشعب الكردي وحركته التحررية سواء شاءت هذه الأحزاب أم لم تشأ وسواء عن جهل أو عن قصد, وهذا ما أكدته التجارب التاريخية السابقة لحركات التحرر للشعوب في العالم ومنها الحركة التحررية لشعبنا في جميع أجزاء كردستان الممزقة عبر التاريخ دون استثناء.

 د- على ضوء ما أوردنا أعلاه لا يوجد أي مبرر موضوعي يبرهن على وجوب كثرة هذه الأحزاب سوى الأنانية الشخصية أو النفعية أو أنها انتهازية مصطنعة ومشبوهة فقط مهمتها تشويه الحركة التحررية الكردية وبالتالي خروجها عن مسارها الحقيقي وإجهاضها, ونحن كأي إنسانٍ كردي مستقل ندعو قيادات هذه الأحزاب جميعها  التخلي عن الأنا والأنانية, والعمل معا بما يخدم مصلحة شعبنا العليا والعمل على أساس استراتيجية موحدة تتفق عليها حسب متطلبات المرحلة.

وما المانع إذا كانت هذه الأحزاب منها في ميولها لبرالية أو راديكالية أو دينية فقط من أجل العمل معا على أساس استراتيجية وطنية تحررية مشتركة, متفق عليها خدمة في سبيل قضية الشعب الكردي, لمرحلة تاريخية معينة و قد مرت بها حركات التحرر في العالم قاطبة, ونجحت بناء عليها وكذلك نتمناها لشعبنا وحركته التحررية وأن شعبنا يستحقها بكل فخر واعتزاز .

وكما ندعو الشخصيات السياسية الكردية الوطنية الشريفة ورجال الإعلام والمؤسسات الإعلامية الكردية الوطنية على كافة مستوياتها وميولها في خارج سوريا وداخلها أن ترعى خصوصية وضع شعبنا الكردي وأحزابه المتعددة في سوريا بالمساهمة إيجابا في دفع هذه الأحزاب نحو العمل الموحد المطلوب الذي نحن بصدده لا للمزيد من تمزيقها وتشتيتها ونكون بذلك لها من الشاكرين.


 وكما ندعو الأحزاب الكردية إلى التخلي عن القدح وخلق الشكوك والريبة إزاء بعضها .

            
وأخيرا فإننا ننوه بأن الأسئلة المطروحة أعلاه وغيرها هي من تساؤلات أبناء الشعب الكردي على مدار الساعة لأنها تمس مشاعره القومية ومصيره وقضيته العادلة التي هي في وجدانه وضميره دائماً وستبقى حية أبدا.

ونتمنى لحركة شعبا التحررية وقياداتها السياسية التوفيق والنجاح في نضالها من أجل تحقيق قضية شعبنا العادلة.
وللعلم فإننا ننطلق من الروح الوطنية والقومية الصادقة لا بقصد الإساءة إلى أحد بل نود التوفيق والنجاح للجميع بما يخدم مصلحة شعبنا العليا لأن قضيتنا الوطنية والقومية وحدة واحدة لا تتجزأ ونذوق مرارة الظلم والاضطهاد القومي سوياً ومعاً على أيدي العنصرية و الشوفينية دون تمييز.

 22/9/2006
 
   
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…