سقط القناع عن القناع،وولى عهد الخوف والانشقاق والاستغباء والخداع

 بقلم :م.رشيد

-1-
هبت رياح التغيير على المنطقة،المتمثلة بالثورات الشبابية الهادفة إلى إزالة الاستبداد والفساد، وتوفير الحرية والكرامة للعباد..، وفد أتت أكلها في كل من تونس ومصر..ومازالت العاصفة عاتية تدك أركان النظامين الحاكمين في ليبيا واليمن..وقد وصلت طلائعها إلى سوريا عبر بوابتها الجنوبية درعا، والحركات الاحتجاجية تتسع نطاقها يوماً إثر يوم لتشمل كافة بلداتها ومدنها، وسرّع انتشارها تكابر السلطة وعنادها،وأذكت وهجها المعالجة الأمنية والقمعية لطبيعتها الشعبية والسلمية ، وأججتها الاستجابة البطيئة للمطاليب المعلنة عبر التسويف والتماطل وقطع الوعود،لا بل اعتبرتها امتداداً لخيوط مؤامرة خارجية تستهدف أمن سوريا الممانعة والمقاومة والصامدة امام المشاريع الصهيونية والامبريالية..

وزاد من احتقان الشعب وغضبه خطاب السيد الرئيس (بالمكان والتوقيت والمضمون وأسلوب الإلقاء..) الذي جاء محبطاً ومخيباً للآمال المعقودة عليه فلم يتضمن أية معالجات عاجلة وحاسمة ومطمئنة كما وصفه المحللون والمراقبون والمتابعون في الوقت الذي كان يحصد رصاص القوة الأمنية عشرات الأرواح من المواطنين العزل والمسالمين..

تترقب الأنظار دور الشعب الكوردي لأهميته وحساسيته،والذي يعتبره البعض بيضة القبان في ترجيح الكفة، وتحديد شكل وطبيعة المسار في المرحلة القادمة..، وقد تلقى النظام هذه الرسالة قبل غيره، عندما حاول تهدئة الشعب الكوردي عبر اطلاقه لجملة من التصريحات والاجراءات..

التي سمحت الاحتفال بعيد نوروز القومي بعكس المعتاد، حيث كانت السلطات تمنعه وتخلق الموبقات والعراقيل والمشاكل والمنغصات ..للحؤول دون اقامته واتمامه بأمن وفرح وسلام، وكانت تصل الأمور إلى حد تدمير المسارح واعتقال القائمين على ادارتها وقتل المحتفين وحظر جميع المظاهرالاحتفالية وقمعها،وجميع هذه الاجراءات موثقة لدى المعنيين والمهتمين تحريراً وتصويراً، ومعروفة لدى القاصي والداني، وأزال المضايقات والضغوطات الأمنية والقمعية التى كانت تمارس بقسوة وعنف شديدين، وسارعت السلطة (ولأول مرة في تارخ النظام) بارسال موفدين حزبيين وحكوميين إلى مواقع الاحتفالات لتقديم التهاني رسمياً، وكذلك تناول جميع وسائل الاعلام الحكومية للمناسبة ونقل فعالياتها عبربرامج مخصصة لها، وقد اعتبر البعض هذه المبادرات صفقة مقايضة أو رشوة للكورد لتحييدهم وعدم مشاركتهم في الاحتجاجات المرتقب قيامها في سوريا.
إن العوامل المؤثرة في رسم الموقف الكوردي وبلورته من حيث الشكل والمضمون مجموعة من القراءات والمعطيات أهمها:
1-  يشكل تعداد الكورد مايقارب 15% من عامة الشعب السوري(باستثناءالمندمجين ضمن الطوائف والأثنيات الأخرى من العرب والمسيحيين والعلويين ..في المناطقة المنفصلة عن التجمعات الكوردية الكبيرة والكثيفة، وباحتسابهم ترتفع النسبة إلى أكثر من الـ 25%)،وهذا ما يملي عليهم  تحمل مسؤولياتهم ومهامهم الوطنية بما يتناسب وحجمهم على الساحة السورية، فهم جزء من الكل بحقوقه وواجباته ولم يعد الكورد ثواراً تحت الطلب،أو حصان طروادة يحملون وزر وعبء هذا الطرف أوذاك أو الكل لوحدهم، أوورقة للمساومات والتوازنات الداخلية والاقليمية والدولية.

2-  الكورد هم الشريحة الأكثر تنظيماً ونضجاً وتفاعلاً (بالمقارنة مع غيرهم في المجتمع السوري) مع الأحداث والمتغيرات التي تتعلق بشؤون الوطن وقضاياه السياسية والاقتصادية والخدمية..

بفعل تعاطيهم اليومي مع المعاناة الناجمة عن سياسات الاقصاء والتمييز والقمع والتنكيل المتبعة ضدهم منذ عقود من قبل الحكومات المتعاقبة.
 
3-  رسمت أحداث 12 آذار عام 2004 بقوة ووضوح حضورالكورد على الخارطة السورية ديموغرافياً وجغرافياً، وأكدت للسلطة والمعارضة على حد سواء، على أن قضيتهم وطنية مشروعة وعادلة، يتطلب الحل الجذري والجدي والعاجل..،وأن أي تأجيل أو تقاعس أو انكارأو تقصير ..في معالجته، ستبقى وحدة الوطن وأمنه وسلامته في خطر وعدم استقرار على الدوام.

4-  يتوجس الكورد من الانفراد في اقامة المظاهرات والاعتصامات في مناطقهم أو في العاصمة، في ظل الصمت والسكون المسيطر على باقي المكونات العرقية والطائفية والدينية..، والتي قد يتصيدون فيها من قبل السلطات أوالأوساط الشوفينية والقوى الطائفية..، فيشوهون مطاليبهم القومية المشروعة، ويجهضون نضالاتهم الوطنية السلمية العادلة، ويحرفونها عن مساراتها الصحيحة، ثم يحولونها إلى صراعات داخلية (والكورد أبرياء منها وبغنى عنها)،وقد حدث ذلك فعلاً أثناء أحداث 12 آذار،حينما حرضت السلطة بعض العشائر العربية والطوائف المسيحية لمواجهة الكورد، وللأسف استجاب بعض زعمائها المرتزقة لدعوات السلطة، وأبدت استعدادها في القضاء على الكورد وافنائهم في ظرف 24 ساعة، إن سلّحتهم السلطة وسمحت لهم بذلك، كما وقد قام الكثير من رعاعهم وجنجويدهم على سلب أموال الكورد وممتلكاتهم ونهبها(تحت مرأى ومسمع أجهزة النظام الأمنية والحزبية وباشرافهم)، وقد ساعدتهم في تنفيذ جرائمهم المشينة آنذاك فئات ضالة وحقودة وانتهازية من المسيحيين من خلال نشاطهم الاستخباراتي والاستعلاماتي والتحريضي والدعائي ضد الكورد،ومنذ ذاك التاريخ تخزن تلك المجموعات السلاح والعتاد في دورها وأحيائها بعلم وتوجيه وتغطية من السلطات بذريعة الدفاع عن النفس وحماية الوطن من الخطر الكوردي المزعوم(!!).

5-  تقود ثورات الغضب الجامحة والعارمة حركات شبابية صاعدة، مستخدمة الفيس بووك والانترنت في تنظيم صفوفها ودعواتها ونشاطاتها، فلا وصي عليها ولا ضابط لها، وهذا ينطبق على الحالة الكوردية فلا دخل ولا شأن للأحزاب السياسية الكوردية بحركات شبابها،لأنها مستقلة وحرة تطمح في التغيير والاصلاح، وهي جادة فيه وعازمة عليه.

6-  المعارضة تحت ظل الأنظمة الشمولية والدكتانورية والتوليتارية تكون على شاكلتها في السلوك والممارسة، وعلى نفس نمطها في طريقة التفكير والتنظيم والادارة، والأحزاب الكوردية السورية مستهدفة بالتغيير أسوة بالنظام الحاكم وعلى غراره، وفق المعطيات والمعلومات المعلنة والمبطنة في أجندة وتوجهات الحركات الشبابية الثائرة، لذلك تتجنب الاحتكاك معها، وهي متحفظة في مواقفها ومترددة في مشاركتها أو معارضتها، ومازالت أسيرة تناقضاتها وصراعاتها واصطفافاتها وأزماتها التنظيمية والفكرية والممارساتية.

7-  يربك موقف الحركة الكوردية (الأحزاب السياسية) ويؤزمه، واقع التشرذم والانقسام الذي تعيشه، والذي يفرض حالة من الترقب والحذر من اطلاق أي اشارة واضحة حول الأحداث والوقائع ..، قد تضع أصاحبها في عزلة أو دوامة أو ورطة ..يصبحون بسببها على صدام مع أطراف لا يرغبون به،أو في توافق مع جهات لا يتمنونه،أو ينجرون إلى ميدان للكفاح والاختبار لا يستطيعون الثبات فيه، أويُدفعون إلى مواقع غريبة عليهم لم يختاروه ولم يتبنوه….

8-    الكورد سباقون في تنظيم المظاهرات والاعتصامات الجماهيرية السلمية في الشارع السوري(وهه تسجل لهم،والسوريون مدينون لهم بها)،والشعارات الوطنية التي تهم السوريين عامة(المطالبة بالديموقراطية،ورفع الأحكام العرفية،واطلاق الحريات العامة،ومكافحة الفساد،وقانون تنظيم الأحزاب والاعلام….إلخ) كانت من صلب وأولويات هتافاتهم إلى جانب مطاليبهم القومية الخاصة(الغاء القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية المقيتة المطبقة بحقهم كالاحصاء الاستثنائي الجائر، والحزام العربي السيء الصيت،والاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي، ومنحهم الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية…إلخ)،مما أثاروا غضب السلطة، فشدت الخناق عليهم ، بتطبيق المزيد من القرارات والاجراءات لانهاكهم ولجمهم واخراجهم من الحراك الوطني الديموقراطي السلمي (المتنامي حديثاً)،وزجت بنخبهم وناشطيهم من السياسيين والمثقفين والحقوقيين ورجال الدين..

في المعتقلات والسجون ،وحاولت تصفية بعضهم كالشيخ الخزنوي،وقتلت العشرات من شبابهم  المعتقلين والمرابطين في قطعات حماة الديار(!!)، وضيقت عليهم سبل العيش ومنافذ التنفس..حتى أجبروا على ترك دورهم وديارهم هائمين على وجوههم في بلاد الغربة والمهاجر(أطراف المدن الداخلية الكبيرة كدمشق وحلب..) بحثاً عن لقمة العيش والحياة بحرية بكرامة وشرف وأمان..،واتهمتهم السلطة بالعمالة للأجنبي وبالانفصالية،وحاربتهم بشتى الوسائل والسبل،كما تؤكده التعاميم الصادرة من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، والداعية إلى النيل من الكورد بكل الطرق الادارية والقانونية..
9-  يتحفظ الكورد للاقدام على هبة شعبية عارمة – كما فعلوها في أحداث 12 آذار – بانتظارالنهوض العام لباقي مكونات الشعب السوري من فعاليات شعبية وأحزاب سياسية ونخب ثقافية ووجهاء اجتماعية… والاسهام في الاحتجاجات والمظاهرات الحالية، ويبدوأن هذه المكونات لم تحزم أمورها بعدُ في الطموح والرغبة في التحرر من قيود الاستبداد وأغلال الفساد، ولم تقر بعدُ بالديموقراطية أداة ومنهاجاً،وبالمساواة والعدالة غاية،ولم تعترف بعدُ بالتعددية الأثنية والدينية والطائفية..واقعاً وحقيقة،ولم تحسم في ذهنيتها وثقافتها بعدُ ضرورة حل القضايا القومية(كالقضية الكوردية مثلاً)في اطار وحدة الوطن،وتحت عنوان عريض ورئيسي : الكل أبناء للوطن وشركاء حقيقيون فيه دون تمييز أو تفضيل..والعيش في كنفه بتواد ومساواة وتسامح وسلام وأمان..
 
أجل! التغيير حتمي وقادم لا ريبة فيه (نأمله سلمياً تدريجياً آمناً)،بغض النظر عن شكل وطبيعة النتائج والتداعيات التي ستتمخض عنه،وبصرف النظر عن الحالة التي ستستقر الأوضاع عليها، فالعولمة بمفاهيمها وتقنياتها( وخاصة في مجال الاعلام والاتصالات) المتلازمة لها، تفرض هذه الظروف والشروط والخيارات، ولا مناص من التهيئة له والتكيف معه ومواكبة مجرياته وتحولاته، وانطلاقاً من هذا التشخيص، نرى أنه لا مفر من الانحناء أمام العاصفة ولو قليلاً(والخطاب موجه إلى أصحاب القرار)، واجراء الاصلاحات اللازمة والتي تتمحور حول المطاليب الوطنية التي سبق ذكرها، والتأسيس على قواعد احترام حقوق الانسان، ونشر الديموقراطية، وتوفيرأجواء سليمة وصحيحة للتسامح والتآلف والثقة وفي كل الأوساط ، والغاء جميع أسباب الفساد والاستبداد واحتكار السلطة والمال، وبناء الآليات والمؤسسات الكفيلة باشراك كل شرائح الشعب ومكوناته في الادارة ورسم الخطط ووضع البرامج…،كل هذا على الصعيد الوطني العام،أما على الصعيد القومي الخاص، فالكورد غير مستثنين أو محصنين من موجة التغيير القادمة، فإما الثبات أو السبات، ولا بد من الجرأة والجدية، وتوفر الارادة الصادقة في حسم الخيار أمام المفترق المفروض على الجميع، وبالتأكيد خيار الثبات هو المفضل واللازم اتخاذه، وعليه يتطلب من القيادات الحزبية أصحاب القرار والشأن بالتسامي فوق الخلافات الحزبية والشخصية، والترفع على المصالح الذاتية والمناصب الوقتية، والتحلي بالصدق والاخلاص والتضحية، والعمل بشفافية وموضوعية وعقلانية،وجعل الضمير والواجب والمصلحة العامة فيصلاً وحكماً ومقياساً في التفكير والتحرك والمعالجة..،وبناء على ما ثبتناه من منطلقات ومبادئ نطرح مايلي :
1-  لا بد من طاولة الحوار الوطني أن تتوسط القوى الرئيسية الفاعلة على الساحة السورية (بعد أو قبل سكون العاصفة)،ولا بد من الكورد الحضور كموضوع للبحث(قضيته) أو كطرف أساسي على الطاولة، والسؤال هو : من يمثل الطرف الكوردي وموضوعه؟؟ما هي الشروط والصفات الواجب توفرها في ذاك الممثل؟؟ وما هي برامجه وخططه ورؤاه وحججه وبراهينه وأوراقه الرابحة..

؟؟ ما مدى تقبل الآخرين له ولأجندته؟؟ وماهي حدود السماحية (الأدنى والأقصى) في التفاوض والتوافق؟؟ كل هذه الأسئلة وغيرها برسم النقاش والاجابة!!.

2-  في ضوء المعطيات المستجدة والظروف المتغيرة، والتي تفرزها الأحداث المتتالية، يفترض وجود قوى كبيرة متماسكة ومتكاملة ومؤهلة..

للتصدي للتحديات والأزمات القائمة واحتوائها، وهنا لم يبق مجالاً للتهرب والمراوغة والخداع والتذبذب..،لأن شروط اللعبة السياسية قد تغيرت تماماً على الأصعدة كافة (اقليمياً وكوردستانياً ومحلياً)، وباتت واضحة ومكشوفة للجميع، ولم يعد لأي حزب صغير مكاناً على الساحة السياسية، ولا فرصة للبقاء والاستمرار لا سيما ذاك الكلاسيكي في تنظيمه ومنهاجه، والمناسباتي والاستعراضي والاصطفافي والولائي…في ايديولوجيته وكارزميته، فلن تسعفه تحالفاته وولاءاته التقليدية، ولن تحميه غطاءاته الكوردستانية وحصاناته الأمنية (المعلنة أو المستترة)والتي كانت ذات يوم عاملاً مشجعاً ومشرعاً لوجوده بهيئة ضعيفة وقزمة..، ليكون مسبباً قوياً وفاعلاً في ترسيخ التفرقة والتقهقروالجمود والوهن…في الجسد الكوردي، كي يبقى هزيلاً خاملاً يائساً في بنائه وأدائه.
3-  إن تعداد الشعب الكوردي في سوريا لايتحمل مطلقاً هذا العدد المفرط وغير المنطقي من الأحزاب السياسية،( ولوأن التعدد السياسي حالة صحية ومسموح به ضمن حدود مقبولة ومعقولة، تتناسب مع حجم ومهام وظروف الشعب)، لذلك لابد من التفكير والسعي لايجاد سبل وآليات لتجميعها ودمجها في أحزاب تجميعية موحدة، قادرة على الثبات والاستمرار في النضال وتحقيق أهداف مرسومة ومكاسب ملموسة في ظل المتغيرات الراهنة والمؤشرات المقروءة..

فأقصى حد يسمح به هو ألا يتجاوز عدد الأحزاب عن ثلاثة، تعبر عن تطلعات وتوجهات الطبقات والشرائح المختلفة فكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً..، والمتراوحة بين المتشدد والمعتدل والمحافظ ، أوبتعبير آخر تلك المتفاوتة بين اليسار والوسط واليمين..،بحيث تعتمد التمايزات على اسس قومية ووطنية وطبقية، انطلاقاً من الاستقلالية والخصوصية الوطنية بعيداً عن التاثيرات والأجندات الأقليمية والكوردستانية، وفي الواقع توجد أحزاب متقاربة  فكرياً وسياسياً يسهل اندماجها واتحادها..،وهنا يجدر الاشارة إلى أنه لا اعتبار ولا اعتراف بأي حزب كوردي في حال تطبيق قانون الأحزاب المقترح من قبل النظام، فعل سبيل المثال إن شروط الحد الأدنى المطلوب من الأعضاء(1000عضو)،والتواجد في المحافظات (لا تقل عن خمسة منها)، والميزانية(مقدرة بالملايين)، غير متوفرة في جميعها،وبالتالي يخسر الكورد معركة الديموقراطية(!؟) ويتم اقصاءهم قانونياً وإدارياً..

وهذا ما يحض ويؤكد على ضرورة وأهمية انهاء حالة الانقسام والتشرذم ..

4-  لابد للحركة الشبابية الكوردية من أن تستقطب أعداداً كبيرة من الشعب الكوردي، وهذا إنذار ومؤشر بآن واحد، لتصبح قوة سياسية معتبرة ومعترفة على أرض الواقع، من شأنها الضغط على الأحزاب الحالية بشكل أو بآخر، والتأثير في صيرورتها وهيكليتها، وفرض شروط وظروف جديدة على العمل الحزبي في الساحة السياسية، وهي غير مرحبة بها، وليست موضع الارتياح والرضا لديها،خشية جرها إلى مواقع لا تحسد عليها(لمحاكمتها أومحاسبتها أوإدانتها)،وهذه سمة رئيسية لحركات التغيير في المنطقة، فقد أسقطت وهتفت بموت زعمائها وقياداتها، والذين كانوا بالأمس رموزاً قومية ووطنية مقدسة، كانوا يُمجدون ويُهتف بحياتهم وتُصفق لهم.

5-  إن الخطابات الطائفية والعنصرية المسمومة التي تصدر من بعض أوساط النظام الحاكم، أو تلك الدعوات التحريضية المشبوهة التي تبث عبر أعلام عربية وأخرى إقليمية بشكل مهني ممنهج، خطيرة جداً على المجتمع السوري ككل،غايتها خلط الأوراق وطمس الحقائق، والتبرير للارهاب والعنف وأعمال القتل والنهب، والسماح للتدخلات الأجنبية بأجنداتها لتنشر الفوضى والقلاقل والاضطراب بصورة دائمة ومستمرة، وبالتالي التشويش والتمييع والاجهاض للحالة الصحية والسليمة في وجود معارضات وطنية تطالب بحقوقها وتعبر عن آرائها بوسائل ديموقراطية وحضارية عبر مظاهرات واعتصامات واحتجاجات سلمية ودستورية، لذلك لا بد من اليقظة والحذر والحيطة مما يجول ويدور من مؤامرات وودسائس في المنطقة،غايتها الولوج إلى الداخل ونشر الرعب والتخريب والفتنة..

وتفويت الفرصة على أصحاب الحقوق والمطاليب..وحذار من المشاركات الكوردية غير المسؤولة وغير المتزنة في تصريحاتها وتعليقاتها عبر تلك الوسائل الاعلامية المغرضة والموجهة لأجندات خاصة لاناقة للكورد فيها ولا جمل.
6-  إن تفاهمات الثالوث الكوردستاني (البارتي الديموقراطي pdk والاتحاد الوطني pyk والعمال pkk) وتحالفاته مع النظام الحاكم في سوريا ، يشكل مع حضوره على الأراضي السورية ظلالاً ثقيلة ومعاناة إضافية ترمى على عاتق الكورد السوريين، يدفع أثمانها باهظة ومكلفة جداً من الأرواح والدماء والأموال…، فقد كانت بعض أطراف الحركة (في مراحل من مسيرتها) مجندة بكامل قواها ونشاطاتها لتنفيذ أجندتها، وغائبة تماماً عن ساحتها الرئيسية(الكوردية – السورية) تاركة جماهيرها تنزف في محارقه ومذابحه،التي تقام بتخطيط وتنسيق واشراف من قبل أنظمة الدول المقتسمة لكوردستان والدول العظمى في اطار تحقيق المصالح والتوازنات على حساب القضية الكوردية، وقد آن الأوان ليستيقظ الكورد السوريون من استغبائهم واستغفالهم، والتحرر من الوصايات والاملاءات، والعودة إلى الذات والداخل، وأنا على يقين تام ، أن جزءاُ يسيراً من التضحيات والامكانات المقدمة للثالوث، لو بذلت على الساحة السورية في الزمان والمكان المناسبين لتحققت مكاسب قومية ووطنية  كبيرة وهامة للكورد ، واستناداً على ماسبق  نطالب بعض فصائل الحركة السياسية بقطع حبلها السري مع الثالوث، وعدم اقحامه وأجندته في القضايا الوطنية والداخلية، والانكفاء إلى الخصوصية السورية وتبنيها فوق أية اعتبارات أخرى، وكفى الكورد السوريين اتهاماً وعقاباً ودفاعاً على أنهم انفصاليون ولا وطنيون،إشارة واضحة إلى تعلقهم الوثيق بشؤون الثالوث وهمومه أكثر من تعلقهم بقضاياهم المصيرية المرتبطة بالداخل السوري.

7-  من المفرح اليوم أن تجد الحركة الكوردية إلى جانبها قوى سياسية معارضة عربية وغيرها من مكونات الشعب السوري الأخرى ، بعد أن كانت وحدها تتصدى للمهام والمسؤوليات الوطنية والديموقراطية والخدمية والمعيشية ..

التي تهم عامة الشعب السوري، والآن وقد كسر حاجز الخوف، وحطم جدران القمع والعنف الجاثمة على الصدور، والقابضة على الأبصاروالأفئدة والعقول منذ عقود، وقد بدأ يستعيد أنفاسه وعافيته وأمجاده كما كان في الخمسينات من القرن الماضي، وأخذ يهتف عالياً بالحرية والكرامة والشرف..

و يعتبرها أغلى وأهم من الغذاء والكساء والدواء، ويعلن عن غضبه ورفضه للواقع الذي يعيش فيه حيث يدار بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية وفي ظل حكم الحزب الواحد، الذي يغيب فيه الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية…،وهذا النهوض(ولو جاء متأخراً ) يبشربالخير واليسر والنجاة والفلاح..، ويشجع الكورد على ايجاد حلفاء مخلصين وشركاء حقيقيين، يجمعهم  هموم الوطن وشجونه، في أطر أوسع وأشمل من اعلان دمشق، وليكن المؤتمر الوطني السوري العام ( المشروع الاستراتيجي الهام والضروري)،والمطالب بانعقاده وتأسيسه من قبل معظم الفصائل السياسية السورية، ليكون رداً على تخوين قوى الظلام والشوفينين للكورد ومعاداتهم ظلماً وبهتاناً وإلى حد تصويرهم باسرائيل ثانية(!؟) عن طريق الشحن القومي العنصري، والتعبئة الحزبية والأمنية لجميع فعاليات المجتمع وعبر كافة الأقنية والوسائل الاعلامية والثقافية والتربوية..

، ومحاولاتهم لإقصاء الكورد من المشهد الوطني، ومراهناتهم على انقسام الصف الوطني وتصارعه، ليبقى ضعيفاً ممزقاً قاصراً يسهل  اذلاله وتطويعه وحكمه والسيطرة على ارادته وثروته،والتحكم بزمام أموره..

8-  فقد الشعب الكوردي ثقته بالنظام، ولم يعد يصدق وعوده المتكررة بشأن حل قضية الكورد المجردين من الجنسية السورية، والذي كان يعتبرونه مدخلاً لمعالجة باقي قضاياه المزمنة و العالقة منذ عقود خلت،وأصبح يكره ويحقّر كل من يروّج أو يراهن على نيّة النظام أومساعيه على اتخاذ أية اجراءات عملية وحقيقية وجادة في هذا المنحى، وهذا أيضاً رسالة لبعض الأحزاب والفعاليات الاجتماعية والدينية والثقافية..

الكوردية، لتراجع حساباتها وتعيد ترتيب أوراقها وتحسم مواقفها،وتنخرط في المسار الصحيح والواضح والصريح،والمعبر عن طموحات الشعب الكوردي وتطلعاته، وتنبذ المساومة والمجاملة والمواربة والمراوغة..

في التعامل مع الحقوق والمهام،وتكف عن أساليب تلميع صفحة النظام وتبرئة ذمته من تشريع وتطبيق للقوانين الاستثنائية المقيتة والمشاريع العنصرية المجحفة بحق الكورد ومناطقهم.

9-  فندت الانتفاضات الشعبية المنطلقة من الداخل ،الاتهامات التي كانت تطلقها الأنظمة الشمولية الحاكمة على معارضاتها مستشهدة بالتجربة العراقية، وأكدت على أن الأسباب الحقيقية هي الاحتقان المزمن المتكون لدى الشعب جراء سياسات القمع والحرمان ومصادرة الحريات وتسلط الأجهزة الأمنية والمافيات على كامل مقدرات البلاد وجميع مفاصل الادارات والمؤسسات..، والكورد جزء من الحالة الشعبية المناهضة والمعارضة، تحت سقف وطني واحد يوحدهم الأفراح والأتراح ويجمعهم الآمال والآلام، مع باقي مكونات المجتمع السوري، وهذا ما يثبت أن القضية الكوردية وطنية بامتياز،وحلها مطلب وحاجة وضرورة وطنية عامة، يزيد الوطن قوةّ ومناعةّ وأمناً وسلاماً ورقياً وازدهاراً…
   وفي الختام لا يسعنا إلا أن نؤكدعلى أن الفرصة ذهبية لكل الغيورين على مصلحة الوطن وحياضه، والحريصين على سلامته وأمنه – والكورد بصورة خاصة – ليتحملوا مسؤولياتهم التاريخية من خلال اثبات وجودهم على الساحة الوطنية كشركاء حقيقيين في إدارة الملفات والمسائل الوطنية العامة والخاصة (والتي تطرح عبر شعارات وهتافات المتظاهرين من أقصى حدود الوطن إلى أقصاه)،وتحقيق مطاليب الشعب (المعلنة عبر بيانات وتصريحات القوى السياسية ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني..ووسائل الأعلام المختلفة الانتماء والتوجهات)، ولتحقيق ذلك لا بد من قيادة ميدانية تمثل الكورد جميعاً بموقف واحد وخطاب واحد، وتنشط على الأصعدة والاتجاهات كافة،وتتخذ القرارات اللازمة والمناسبة،وتقود الجماهير الكوردية بحكمة وعقلانية، بالتنسيق والتوافق مع الحلفاء من القوى الوطنية والديموقراطية الممثلة لمختلف الشرائح والفئات من عرب وسريان وشركس واسماعيليين وعلويين ودروز وأرمن…، لحقن الدماء وايقاف هدر الطاقات والثروات، وحماية المكاسب والمنجزات، والتصدي لكل القوى العابثة والمتربصة والمتآمرة بالبلاد ودحرهم.
———————————  انتهت  ——————————–
03-04-2011
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…