الثورة والمبادئ الاستراتيجية للكورد

غمكين ديريك

لقد بدأت الثورة السورية منذ 15 اذار وهي مستمرة الى الان ، وستستمر الى ان يتحقق اهدافها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وهذه الثورة جاءت نتيجة تراكمات عقود من الغبن الممارس على الشعب والاستهتار بحقوقه الانسانية ، وتهمش دوره في ادارة البلاد ومقدراتها .

وما ان اتت الظروف المواتية انتفض الشعب وقال كلمته ، وعلى الاحزاب والتنظيمات السياسية ايضا الاستماع الى راي الشارع واحترام حقوقهم والاعتراف بالمطالب والشعارات التي تشق عنان السماء ويسقط من اجلها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى ، بالاضافة الى الكم الهائل من الاعتقالات .
ويؤسفني ان اسمع من السياسيين والمحللين ونشطاء الراي في الخارج والداخل ، وهم على شاشات الاعلام يطلبون من النظام موعدا محددا للاصلاح او وقوف الرئيس مع مجلس الشعب دقيقة صمت على ارواح شهداء الثورة ، وكان هؤلاء الشهداء سقطو من اجل ان يقف الرئيس دقيقة صمت على ذكراهم ، وبمساعدة بعض الاعلاميين يتناسون ان هذه الثورة هي من اجل الحرية ، وللحرية مدلولها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الخاص بها ، وليس من حقنا ان نحرفها ونعللها حسب املاءات اللاوعي المزروع فينا منذ عقود.
اما بالنسبة للكرد فان الامور اوضح ويظهر بشكل جلي على الساحة السياسية قبل الاعلامية ، لان هذا اللاوعي المؤثر فينا (ان لم نقل المزروع ) كوننا نعيش معه قرابة خمسة عقود ، هو الذي يحركنا ويحدد اهدافنا ومرتكزاتنا السياسية ، وهذا واضح في برنامج اغلب الاحزاب الكردية او مشروعاتها الوطنية والقومية (المعلنة في هذه الثورة كمشروع مطالب)، ومع الاسف فهي تؤثر على الشارع الكردي وعلى المثقفين ومنظمات المجتمع المدني ايضا ، فبقدر ما نؤثر نتأثر ايضا وهذه خاصية صراع الاضداد .
فان اخذنا مطلب الكرد في سوريا من وجهة النظر السياسية الراهنة والموجودة في ادبيات هذه التنظيمات (مع احترامي لكل تنظيم وفرد )، نجد انها ابعد ما تكون من مطالب ، وبالفعل انها تشبه طلب الهيبات من الدولة (البعث) وهذا اعتراف ضمني بالبعث وسلطتها ومشروعيتها ، وهذا يعني اننا اما لسنا في ثورة سورية حقيقية ، او اننا ضد الثورة وننتحايل على الجماهير ، ونحن متفقون مع النظام ضمنيا ، وهذا اخطر الاخطاء والسلبيات التي اجدها في هذا الحراك السياسي في كردستان سوريا .
فان اسقطنا هذا المفهوم وبشكل مباشر على هذه الاهداف او البرامج او المطالب ، نجد اننا نقسم الكرد السوريين ونبعدهم عن كونهم امة وقومية اساسية في هذا البلد ، فمثلا ان اخذنا مطلب اعادة الجنسية : هذا المطلب الذي رافقنا طيلة نضالاتنا في العقود المنصرمة وكانها المطلب الاساسي ، مع العلم ان الكرد في منطقة عفرين وكوباني لايشكون من هذه المشكلة ، وغالبية الكرد في الجزيرة ايضا مواطنون ولايشكون من هذه المشكلة ، فهل يعني هذا بانهم (المواطنين) ليست لهم قضية ، ونفس الشيء بالنسبة الى مطلب : الغاء مرسوم 49 السيء الصيت كما يقولون ، او الافراج عن السجناء السياسيين ، بحث نجد ان الدولة تطلق سراح 260 معتقل ممن اتمو حوالي عشرة سنوات ، الا انها وفي نفس الوقت تعتقل ضعف ذلك العدد في يومين فقط من هذه الاحداث .
اما بالنسبة الى قانون الطوارئ ورفعها واستبدالها بقانون الارهاب ، فان ذلك سيكون مصيبة وسيرجعنا الى نقطة الصفر وكاننا لم نبدأ بالاصلاح (دعك من الثورة) لان قانون الارهاب سيكون فوق كل قانون ، وعندما كان المعتقلين يحاكمون في محاكم عسرية ومحاكم امن الدولة في قانون الطوارئ ، فان قانون الارهاب يسمح للدولة بالاعدام الميداني للشخص المعني ، او اعتقاله وعدم محاكمته اصلا ، وهذا يعني اننا قد لانرجع الى المربع الاول بل الى الاسوء ، مع العلم اني متفق مع البعض على ان للثورة مراحل ، وكل مرحلة لها شعاراتها ، ولكن علينا ان نحدد استراتيجية الثورة ومن ثم تحديد المراحل التي ستمر بها هذه الثورة .
بالطبع ان اعادة الجنسية والغاء 49 والافراج عن المعتقلين هي مطالب ملحة ، وكانت اساسية في مرحلة الركود السياسي المعاش في سوريا ، ولكنها الان ومع بدء الثورة تصلح ان تكون خطوات حسن نية يقوم بها النظام لتهدئة الثورة ، وهي بالطبع تحاول بذلك ان تختزل مطاليب الثورة في البديهيات ، لان النظام عليه ان يخاف من وجوده ، وعليه ان يعلم انه في الطريق الى الرحيل ، لاننا كنا نقبل ان يجلس ممثلوا الاحزاب الكردية مع الفروع الامنية ومحاولة الضغط عليها لتلبية هذه المطالب التي كانت تعتبر خط احمر بالنسبة لها ، ولكن الان ومع بدء الثورة تغيرت خطوط الحمر ، وانقلبت موازين القوى ، حيث ان الثورة هي التي تحكم وليست السلطات الامنية .
وعلى الثورة ان تكون واضحة في مطاليبها الاستراتيجية والتي تتمحور حول نقاط محددة ومعينة ، وهي : تعديل الدستور السوري وفق ما يتلائم مع الموزاييك السوري ومكوناتها الاجتماعية والثقافية ، الغاء المادة الثامنة من الدستور والاعتراف بالتعددية الحزبية ، الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كثاني اكبر قومية في البلاد  وما يتبعها من متطلبات الحراك الكردي من اعلان اللغة الكردية لغة رسمية ثانية في البلاد واجراء احصاء للكرد وتحديد جغرافية مناطقهم ، وتعويضهم المادي والمعنوي على مرحلة الاضطهاد التي عانوا منها ، واعتبار مجزرة قامشلوا وحرق سينما عامودة مثلا هي عمليات ابادة جماعية للشعب الكردي .
وبمعنى اخر يجب ان يكون لنا ورقة عمل او ما يسمى دليل الثورة ، نتفق عليها جميعا ونظهرها كورقة كردية موحدة ، او يحظى بموافقة الاغلبية الكردية (اقصد اعلبية منظمات شباب الثورة ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية والثقافية ) ويتم التوافق على هذه الورقة عن طريق اجتماع او ماشابه ذلك من اتصالات وحوارات ثنائية وثلاثية ورباعية … الخ .
لانه مع عدم وجود هذه الورقة الواضحة ستتكرر الشرخ السياسي الذي حصل في 30 اذار عندما طلب المحافظ لقاءا مع ممثلي الاحزاب الكردية وطلب منهم عدم المشاركة في الثورة كون مطالبهم قيد الدرس ، وخروج المنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني لوحدها في الشارع يوم الاول من نيسان ، وعلينا ان لانكون مغرورين بقوتنا فقط كفئة او شريحة او ما شابه ، لان الثورة تحتاج الى اكبر قدر ممكن من التاييد ، واكبر قدر من الحشد والتحشيد والتوافق ، وان لم نعمل على هذا الاساس فما الذي يفرق بيننا وبين نظام عمل حزب او سلطة ما ، كوننا نريد التغير بقوة فئة او شريحة منفردة .
لنا الحق ان نتباها باننا وقود وقادة الثورة ، ولكن علينا ايضا نتباها على اننا استطعنا ان نصل الى اجماع قومي كردي ، ونحصل على تاييد كافة الفئاة والشرائح والمكونات الاجتماعية والثقافية في كردستان سوريا على ورقة مطالبنا، لاننا كشعب كردي نعترف بوجود قوميات واقليات اخرى تعيش معنا في كردستان سوريا ، وعلينا ان نقنعهم بالثورة ومطاليبنا الثورية ، كون الشعب السوري برمته يصبو الى الثورة وسيشارك من لم يشارك الى الان ، لاننا نطالب بالحرية التي ستحققها الثورة ، والتي تتضمن تحقيق الدولة الديمقراطية في سوريا والاعتراف الدستوري بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي .


في هذه المرحلة من الثورة تنقسم المجتمع الى ثلاثة اقسام : الاول هو مع النظام لان مصلحته مع مصلحة النظام وسيقاوم الثورة ويقف ضددها .
والثاني :  الفئاة الشعبية التي تم الاستهتار بحقوقها وتهميشها وهي الشباب وعموم الشعب المحروم وهم من سيقودون الثورة .
والثالثة : هي فئة الوسطى او المترددين من المحرومين نسبيا ويعيشون على اسم استقرار النظام ، وعدم ثقتهم برحيل هذا النظام ويصدقون وعود النظام .
 هذا بشكل عام تبلور المجتمع السوري ، اما في الوضع الكردي فان الامور يجب ان تاخذ منحى اكثر وضوحا وشفافية ، وعلينا كسب ثقة الفئة الوسطى مباشرة وذلك بالثقل الوطني والقومي الذي نمثله ، وان نحدث شرخا في القسم الاول أي الفئة التي هي مع النظام  وذلك بقوة قراراتنا واتفاقنا على ورقة عمل كردية كاستراتيجية لهذه الثورة.

242011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…