الكتابة مسؤولية

ابن الجزيرة 

من الملاحظ أن المواقع الكردية، وغير الكردية (الانترنيتية) تنشر بغزارة كتابات من كرد – وغير كرد-على مستويات مختلفة من حسن الأداء – وهذا ألأمر، بحد ذاته، من الإيجابيات في هذا الزمن الذي تكتم السلطات فيه الأنفاس، وتحتكر كل وسائل التعبير والإعلام- وهذا بدوره من السلبيات في القرن الواحد والعشرين (أو ما اصطلح على تسميته بالألفية الثالثة ، تعبيرا عن الإيغال في  القدم، كتاريخ تتراكم فيه- كما هو المفترض- التجارب والخبرة في كل ميادين الحياة، لتتقدم نحو صيغة أفضل، وأحلى، وأمتع..

يعم فيه السلام والود، أو -على الأقل- الوعي القانوني والأخلاقي لحدود التصرف والسلوك..)

ولكن…!
عندما يقرأ المرء هذه الكتابات لا يصعب عليه أن يلاحظ جملة أمور لا نريد الإشارة إليها ولكننا سنشير فقط إلى أمر واحد – نرى له أهمية – وهو أن هذه الكتابات ذات طابع سردي، وأدبي، يقل فيها المضمون الفكري ، وأحيانا تعاني من خلل في ضوابط الأسلوب المنطقي (والعلمي) ، ويكثر فيها التعبير عن مكنونات النفس المكبوتة، في شكل تنفيس عن لواعجها (أسلوب أدبي يمكن تصنيفه تحت بند الخواطر ومحاولات  قول الشعر…) أو تعبيرات هجومية، تتجاوز –أحيانا- حدود اللياقة، أو محددات أصول الكتابة المفيدة؛ إلى كتابات مليئة اتهامات بطريقة تضر أكثر مما تفيد…ناسين أن الهدف من الكتابة هو بالدرجة الأولى إما:
1-  الإضاءة على موضوع، بحيث يساهم في تصحيح فكرة عن أمر فيه مشكل للآخرين- بقصد أو بدون قصد –
2-  الرد على تشويه في أمر ما، بقصد أو بدون قصد أيضا- لتصحيح الخطأ المبثوث فيه.
3-  توجيه رسالة إلى آخرين لا يسهل توجيهها بشكل مباشر – ومهما كانت الأسباب –
4-  وفي بعض الحالات تنفيس عما يعتلج في النفس من مكبوتات سببها حظر سياسي،  أو قانوني، أو اجتماعي، أو غير ذلك  ..
5-  وفي هذه الأحوال- وغيرها محتملة – ينبغي – بحسب فهمي-على من يمسك بيده القلم – أو حتى يتصدى للحديث والمداخلة…الخ- أن يستشعر المسؤولية عن الكلمة، والتي هي خاصة بشرية، تعبر عن قيمة العقل الذي أكرمنا الله به.

وحملها الإنسان (الأمانة) وكان ظلوما جهولا فعلا – كما يبدو-..! (ويفسر البعض معنى الأمانة على انه العقل والتفكير باعتبارهما مناط المسؤولية والتكليف)
الكتابة مسؤولية لأسباب كثيرة، منها:

 

  – أنك عندما تكتب، فإنك في لحظات القدرة على اختيار أفكارك، والكلمات التي تصلح للتعبير عنها بدقة، ومنها:

 

 – أنك تنشر هذه الأفكار على ملأ، فيهم الواعي وفيهم الأقل وعيا وفيهم – ربما – عديم الوعي، وفيهم المتصيد، وفيهم المستغِل ..وفيهم ..وفيهم ..الخ.
هؤلاء جميعا، متاح لهم قراءة ما كتبتَ، ونشرتَ..!   ولا بد من تأثير من نوع ما  – سلبا أو إيجابا – ينعكس على وعي هذا القارئ، وعلى وفقِ ما كتبتَ فإنه سيأخذ منه (الكاتب يساهم في تكوين  جوانب في ذات الآخرين “شخصيتهم” أو بعض مواقفهم أو رؤاهم…) فهل نقدر- جميعا- الآن مدى المسؤولية؟
هل ينبغي أن نكتب لننبه إلى ما يجب أن يكون- عبر حوار هادف ،يحمل خصائصه الإيجابية..؟- أم نكتب فقط، لنحارب بأسلوب يحط من شأننا وبالتالي من شأن  قضيتنا، و قبل أن يؤثر على الآخرين..؟!
من الأقوال المعبرة في هذا الجانب :(( الكلام صفة المتكلم))  وهو المعبر الأكثر توضيحا لطبيعة الشخص،وتحديدا  لمستواه القيمي..!   ولهذا فإن ( سقراط ) قال لرجل وجد منه جمالا، وقيافة، وفتوة أيضا:  ((يا هذا كلمني حتى أراك)).!(1)
فكما يقول شاعر مخاطبا الإنسان: ((فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان))(2)
إن الإنسان فعلا كائن يستمد قوته وقيمته الأخلاقية (الاجتماعية) والعلمية..

من درجة وعيه المنعكس سلوكا عمليا في الحياة المعاشة..

يفرض هذا التصور – منطقيا- أن يعرف الإنسان الهدف من وجوده، والأسلوب الذي ينبغي عليه أن يتبعه لينسجم مع طبيعة وجوده – خَلقا، وتصرفا (فلسفة الحياة) -.
والكتابة تمثل المستوى الأعلى من التفكير والسلوك معا، فعندما يتصدى أحدهم للكتابة، يقدر أنه امتلك تجربة مميزة، على مستوى عملي، وعلى مستوى نظري، ويريد أن يشرك أكبر عدد ممكن من الناس في أفكاره و خلاصات تجاربه هذه، التي اكتسبها من الحياة ، كنوع من تبادل هذه الأفكار والتجارب ، لصقلها من جهة-عبر حوار يتم فيه تبادل الخبرات –  ولوضعها في تصرف الآخرين، للتشارك  في استثمارها (تحقيق التعاطف الإنساني ) الميزة الأهم في حياة الإنسان والتي تفرق بينه وبين الكائنات الأخرى في الوجود..
إذن الكتابة وعي، وإبداع، وتشارك، ومسؤولية… فضلا عن وظيفتها الفنية والجمالية ومنها:
–  تنفيس عن الانفعالات المكبوتة (تطهير النفس – كما يقال في علم النفس -)
–  إشباع لحاجات نفسية ( إشعار الآخرين بالأهمية، تعزيز الثقة بالنفس عبر القدرة الإبداعية…الخ).
هل نحن على قدر مسؤولية الأداء؟!!

 

 

(1) سقراط فيلسوف اليونان الأشهر،صاحب العبارة القائلة ((اعرف نفسك )) وقد وصفه الخطيب الروماني الشهير (شيشرون) بأنه أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض
(2) و البيت كاملا:  قم هذب النفس واستكمل فضائلها               فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…