عن قرب زوال «الدولة المزيفة» في الشرق الأوسط

هوشنك أوسي
 

بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود على الثورة الخمينية، هل يمكن الإقرار بأن ايران الإسلامية، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، هي أفضل حالاً من إيران على زمن الشاه؟ هل من المجازفة القول، إن هذا البلد وشعبه، استبدل دكتاتور يستمد سلطانه من سلطة وضعية، وراثية، بآخر يستمد سلطانه من سلطة ””””ما ورائية”””” غيبية؟
وبالمقاربة بين الطور الملكي ـ الدولتي، والجمهوري الإسلامي في ايران، أو ليس المرشد الأعلى، يجسد في شخصه وصلاحياته، كل طغيان الشاه وأمره ونهيه، كملك ديني، يحكم البلاد والعباد، بحكم ثيوقراطي، اكثر استبداداً من نظام الشاه، في تعامله مع أبنائه، (التيار الإصلاحي) ناهيكم عن تعاطيه البربري مع خصومه.
في تركيا، وبعد مضي 88 سنة على تأسيس النظام الجمهوري، العلماني، ناهيكم عن حملات القمع والصهر الدموي التي تأسست عليها هذه الدولة، أوليس ما حصل هو استبدال نظام دولتي ـ سلطاني (عثماني)، يأخذ مبررات وجوده من نظام ديني، قروسطي، بنظام آخر، خلق ديناً وضعياً سماه؛ الاتاتوركية، لكأن الدولة، لا يمكنها أن تحيا بدون دين في تركيا؟ وبالنظر الى انزلاق تركيا للوراء، ومحاولة الاسلاميين، بقيادة أردوغان، إعادة الدولة القومية، أو الدولة ـ الأمة، الى الحظيرة الدينية الإسلامية، واستثمار الآليات الديمقراطية لإحكام السيطرة والاستحواذ على الدولة واعادة هضمها وإنتاجها، على نار هادئة، وعبر عملية الهد والبناء البطيئة والخفية، بحجة إنعاش الديمقراطية، في مسعى تقويض الدولة ””””الملحدة””””، وضخ الدولة ””””المؤمنة””””، أوليس يمكننا القول هنا: ان الأردوغانية هي الطبعة الإسلامية من الأتاتوركية؟ ومع أختلاف الذهنية الأردوغانية في إدارة الدولة عن الذهنية الأتاتوركية، لجهة اختلاف القمع الناعم، السلس، والمغطى دينياً، عن أدوات القمع الفج والوحشي التي كانت تمارسها الاتاتوركية في مطالع العهد الجمهوري، وما بعده.

وبالتالي، ففي الأطوار الثلاثة؛ الاسلامي ـ السلطاني، والعلماني ـ الأتاتوركي، وثم الاسلامي ـ الاردوغاني، حافظت الدولة السلطوية على جوهرها، رغم ارتدائها الأقنعة.
من جانب آخر، النظم ””””الجمهور ـ لكية”””” في مصر وتونس والعراق، سابقاً، وسورية وليبيا واليمن حالياً، كانت من التشوه والتلف والخراب والنهب، ما أفرز أشكالاً من ””””الدولة المزيفة”””” بتعبير ماركس، تتدثر بأردية وأقنعة، منها ما هو ثوري، ممانع، ومقاوم، ومنها ما هو، معتدل ومساوم.

وإذا أجرينا مقاربة بين أعمار هذه النظم والنماذج الدولتية التي أدارتها، نجدها متقاربة تقريباً.

فنظام حكم البعث وصل للسلطة في العراق وسورية، سنة 1963.

وصدام حسين حكم 35 سنة، بينما حافظ الأسد حكم 30 سنة.

وحسني مبارك حكم 30 سنة، ويقاربهم بن علي، وعلي عبدالله صالح في فترة الحكم.

وربماً القذافي، أكبرهم زمناً في الحكم.

وإذا كان نظام القذافي، حتى الآن، هو الأكثر هزلية ودجلاً ووحشية في إنتاج الدولة المزيفة، قياساً بالنظامين التونسي والمصري السابقين، إلا أننا ربما نغير رأينا، إذا تفاقم الوضع في اليمن، وانفجر في سورية.

ذلك أننا، ربما نجد ضروباً من الوحشية، تبديها النظم المتبقية، قد تتجاوز القذافي بأشواط من الدموية، في سبيل الحفاظ على الدولة المزيفة.
أياً يكن من أمر، فعهد الدول المزيفة والشعوب الخانعة، بدأ طريقه الى الزوال.

ولا شـــك، وحال هذه الانــــظمة ـ الاقنعة، المعادية لشعوبها، أن المرور الى الدولة المدنية الحقيـــقية، سيكلف الشعوب والمجتمـــعات المزيد من الأكلاف والمرارة والتعب.

لكن، يبدو ألا خيار أمام هذه الشـــعوب من تحمل سنوات من القلاقل والاضرابات والمخاضات، حتى تخرج الدولة الوطنية المدنية الحقة الى النور في الشرق الأوسط.

المنطقة تثور، وتشهد ولادة الطبعة الثانية من الجمهوريات، هذه المرة، بلا أوثان وأقنعة وأهازيج وشعارات ودجل وخرافات.

ولعل أبرز كشف لـحالة الـــزلزال التي تعتري المنطقة، أن هذه البلدان المزيفة، كان يحكــــمها قادة مرضى نفسياً، فاقمت النزوع الدكتاتورية لديهــــا، ولو بنسب مختلفة، بؤس الشعوب والأوطان.

ولعل خلاصة الخلاصات، أن الشعوب المريضة، تنتج قادة مرضى.

والشعوب حين تتعافى، بالتأكيد أنها ستخلق البدائل، التي في أسوأ حالاتها، ستكون أفضل مما كانت عليه هذه الأنظمة.

أقله، ستجرب الشعوب خياراً آخر، كانت ترتعب منه، ويقوم النظام البائد، بتغذية هذا الرعب لديها.

2011-03-17

”””” كاتب كردي سوري مقيم في بروكسل

القدس العربي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….