الساعة صفر بالتوقيت الشعبي

حسين جلبي

عندما تفقد الشعوب الأمل تبدأ بالعمل.

فطالما كان هناك بصيصٌ من الأمل حتى لو كان كاذباً، تستكين الشعوب له و تربط حياتها به، و تظل تدور حول محـورٍ هو مزيجٌ من ألفاظ الترجي من لعل و عسى إلى شقيقاتهما من كلمات التخدير التي يحتويها معجم الخـوف.
ولكن عندما يُحكِم الحاكم حصاره على شعبه و يحصي عليه أنفاسه و يسلبه كل شئ حتى هذا الأمل الكاذب فلا بد أن يستيقظ الشعب يوماً من الحلم، و يخرج من القمقم، و من ثم يستحيل إعادته إليه ثانيةً.

لقد دقت ساعة الصفر في حياة الشعوب عندما توافرت لها الفرصة للتزود ببضاعة غير تلك التي روج لها الحكام طويلاً و باعوها رغم كسادها، فإكتشفوا أخيراً وعبر الإنترنت و شركاه وأبناءه، وبالمقارنة، كم كانت بضاعة الحكام فاسدة منتهية الصلاحية، و لم تكن جديرةً بعقلٍ أو معـدة.

و كان الحكام قد إستمروا يبيعون شعوبهم معسول الكلام طوال العقود الماضية، فكانوا يقدمون أروع نشرات الأخبار وأكثرها بلاغةً، و كانوا يرتدون الثياب العصرية و يكثرون من إستقبال الضيوف وخاصة الأجانب منهم للتدليل على مجاراتهم لروح العصر و إنتمائهم له، و كانوا يعقدون معهم اللقاءات على أعلى المستويات ويوقعون أفضل الإتفاقيات، ولكن لم يكن وضع الشعب يتغير قيد أنملة إلا نحو الأسوأ، كان المطلوب من الشعب أن يصدق أن طاحونة الحكومة تعزف أعذب السمفونيات، ولكنها في الحقيقة لم تكن تطحن إلا لنفسها، وكانت أكياس الطحين تكدس في بنوك الحكام، في الوقت الذي لم يصب الشعب من الطيّب سوى الصداع و الجعجعة التي كانت بدورها توزع عليهم بإعتبارهم رعايا وليس مواطنين.

اليوم دقت ساعة الحقيقة، و عندما ينظر المرء إلى حكام اليوم ينتابه شعورٌ بأنهم كانوا غافلين عما حولهم، يغطون في نومٍ عميق.

يشعر المرء بأنهم قد أصيبوا بمرض خبيث باغتهم و تلبسهم و لم يترك لهم فرصة لتحضير عقاقيرهم و تعويذاتهم، فلا يستطيعون منه شفاءً.

فجُـل هؤلاء من عاش عمره يعتقد بأنه العمود الفقري للدولة وعقلها المدبر لابل روحها الذي لا حياة لها بدونه، وفجأة ينظر في مرآة الشعب التي صنعها بضعة شبان فيكتشف زيف ذلك كله، فيصاب بإضطرابات و يبدأ بسلسلة متأخرة من عمليات التجميل و الترقيع و التنازلات المذلة لإنقاذ نفسه، لكنها كلها تنتهي برحيله.

 لم يعد بالإمكان إيقاف قطار التغيير في العالم العربي و ما يحيط به، وفي البلدان التي لم يصلها بعد، يتجنب الحاكم النظر في عين شعبه كيلا يرى ما يرعبه، فكلما تكرر الدرس في غير مكان كلما كانت إعادته أسهل وأقل كلفـةٍ.

لم يعد ممكناً وقف عقارب الساعة، فكيف بإعادتها إلى الوراء، إنه الشباب، لقد أصبح يطير كالفراشة و يلسع كالنحلة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…