ثورات الشعوب تهز عروش الإستبداد في الشرق الأوسط

د.إسماعيل حصاف    

 تشهد دول الشرق الأوسط ولاسيما في العالم العربي إنتفاضات جماهيرية عارمة ضد نظم الطغيان والإستبداد نتيجة الإحتقان المتراكم والسياسات الجائرة التي مارستها تلك الأنظمة القمعية  – الدكتاتورية العربية ضد شعوبها منذ أكثر من نصف قرن وتحويل البلدان إلى مزارع خاصة للاسر الحاكمة والموالين لها من الفئات المتحكمة برقاب الشعوب.

    أحداثا ساخنة تشهدها البلدان العربية منذ بداية القرن الجديد – القرن الواحد والعشرين بدأت  بسقوط الدكتاتورية في العراق في نيسان 2003 وبعملية الإستفتاء في جنوب السودان التي تمخضت عنها ظهور جمهورية جنوب السودان على الخارطة السياسية ومرورا بسقوط نظام زين العابدين في تونس ونظام حسني مبارك في مصر ومن ثم إنتشار دائرة الإنتفاضات البطولية للشعوب التي اخذت تتناول معظم الدول مرورا بالجزائر واليمن التي تشهد حراكا شعبيا ثوريا  والبحرين وإيران وليبيا  والأردن والحبل على الجرار.

   لاشك أن لهذا الحراك الثوري العارم الذي لم يشهد له مثيل منذ اكثر من نصف قرن أسبابه وعوامله البعيدة والقريبة .

إن ماتشهده المنطقة عبارة عن ثورات حقيقية ستدخل التاريخ من ابواب واسعة ، وهي بداية منعطف تاريخي مهم في الشرقين الأوسط والأدنى وستشكل بداية لبناء نظام سياسي جديد في المنطقة .

   لو عدنا بالذاكرة السياسية قليلا إلى الوراء ، لوجدنا أن مايجري في الوقت الحاضر ليس إلا إستمرار للمتغيرات التي شهدتها دول أوربا الشرقية إثر تفكك الإتحاد السوفياتي في عام 1990 وسقوط الأنظمة الشيوعية في تلك البلدان كسقوط نظام شاوشيسكو في رومانيا وتحطيم جدار برلين وظهور ألمانيا موحدة على أنقاض ألمانيا التي تجزأت في أعقاب إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية .


   فإثر الحرب العالمية الثانية برزت القطبية الثنائية ، حيث إنتقلت دائرة الصراع إلى خارج قارة أوربا تمثلت في دائرتين متصارعتين وهما دائرتي موسكو وواشنطن والتي عبرت عن نفسها في الحرب الباردة والتي في أحضانها ترعرعت أنظمة الإستبداد في العالم العربي مستفيدة من أجوائها المناسبة بالنسبة إليها كأنظمة موالية لإحدى طرفي الصراع في الحرب الباردة .

وكانت من أهم سماتها إنهاء عهد الإنقلابات وتوطيد أركان تلك الأنظمة الإستبدادية القمعية وإستلام العسكرتاريا لسدة الحكم في معظم تلك الدول التي حمت نفسها من خلال الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ الموجودة منذ عقود في كل من الجزائر ومصر وسوريا وغيرها ناهيك عن بناء أجهزة مخابراتية قمعية لإرهاب الشعوب وقمع الحراك السياسي الشعبي وقد جرى كل ذلك تحت غطاء ودعم الدول العظمى في عملية الصراع مابين المعسكرين وتقسيم العالم بناء على هذه القاعدة .


      وقد تمكنت معظم هذه الأنظمة الإستبدادية من تثبيت أقدامها في الحكم مستفيدة من الترتيبات الدولية في حينه ولاسيما خلال المرحلة الرابعة من الحرب الباردة مابين اعوام 1972- 1979 والتي تعرف بمرحلة الوفاق بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة بإتفاقية سالت-1 وسالت – 2 .

ونجحت حكومات المنطقة في عملية إجهاض التيارات والأحزاب السياسية المعارضة سواء أكان عبر عمليات القمع أو عبر خلق جماعات موالية لها وشراء الذمم وتصفية الحركات السياسية عن طريق الإنشقاقات وإستمالة الأطراف إلى جانب الحكومات بحصولها على إمتيازات خاصة .


ويمكننا إيجاز الأسباب الرئيسة لظاهرة أنفلونزا التغيير وقيام الثورات الشعبية والتي تحمل في مجملها شعار ” الشعب يريد إسقاط النظام ” بالأسباب التالية :
1 –  إن جميع الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط والعالم العربي هي من ميراث الحرب الباردة ، وهذه الثورات هي إمتداد لثورات الشعوب في شرق اوروبا في أعقاب تفكك الدولة السوفياتية وإنهاء مرحلة الحرب الباردة ، وان جاءت هذه الثورات متأخرة فهو بسبب الظروف السياسية – الإجتماعية الخاصة بالمنطقة .


2 – وصول كافة الأنظمة الحاكمة إلى السلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية ووضع الأمور في كل دولة بيد الرئيس الذي أصبح يمثل الحكم الإلهي على الأرض وإعطائه حق الترشح مدى الحياة  ومن ثم توريث الأنظمة لأبنائهم فيما بعد وتحويل البلاد إلى مزارع خاصة بهم والعباد إلى عبيد .


3 –  إحتكار السلطة وتصفية المعارضة وممارسة القمع و اللجوء إلى الإعتقالات التعسفية بحق اصحاب الرأي والمثقفين وقمع حرية الرأي والتعبير .


4 –  الإحتكام إلى الخطاب الأمني ووضع القرار بيد العسكرتاريا وأجهزة المخابرات .


5 – العمل بالأحكام العرفية وقوانين الطوارئ منذ نصف قرن لحماية كراسيها بحجج مختلفة “كحماية الأمن القومي”و”حماية الفكر العروبي”و”مواجهة الأخطار المحدقة “وعداها من الأوهام المختلقة لقمع الحريات وإطالة أعمارها في الحكم .


6  – إضطهاد الشعوب والأقليات الإتنية والدينية وعدم الإعتراف بحقوقهم وممارسة سياسات التعريب بحقهم وإهمال مناطقهم من الخدمات وممارسة سياسات إستثنائية بحقهم مثلما يحدث مع الشعب الكردي في الدول المقسمة لكردستان ومع الأمازيغ – البربر في شمال افريقيا ومع الشعوب الإيرانية من بلوج وأذر وعرب والكرد….إلخ.

والأقباط بمصر .


7 –  عملية الوحدات القسرية – حالة اليمن نموذجا عندما ألحق الجنوب بالشمال قسرا إثر مجازر دموية بحق القادة الثوريون في الجنوب اليمني .


8 – حالة البطالة والجوع وخوف الشباب من الغد.

وغيرها من الأسباب .


    هذه الثورات عاجلا أم آجلا ستطال كافة الأنظمة القمعية في المنطقة إن لم تبادر إلى عملية الإصلاحات الفورية، وتحمل هذه الحركات في طياتها أهداف سياسية – إجتماعية ستتمخض عنها بالتأكيد صياغة دساتير جديدة تحدد مهام السلطة وتقييد الرئيس بالترشح لمدة محددة وإنهاء حالات الطوارئ المعانة منذ عقود وتوسيع الحريات الديمقراطية وإجراء الإصلاحات على كافة الصعد وتفكيك الأجهزة القمعية والأمنية وجعل مهمتها خدمة الجماهير بدلا من تصفيتها وملاحقتها .


    ويأتي على رأس هذه المهام التفكير بحل المسالة القومية أولا في العالم العربي والتخلص من ظاهرة الفكر القوموي العروبي المتشدد وذلك بالإعتراف بحق الشعوب والأقليات في حق تقرير المصير في إطار الإتحاد الإختياري وبعيدا عن ظاهرة القهر وفرض إرادات غريبة على غيرها من الشعوب .


   ومن جانب آخر فان هذه الثورات قد تغير القاعدة السياسية التي تم تكريسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية بتحويل القضايا القومية إلى قضايا داخلية بغية صهر القوميات والأقليات في بوتقة الشعوب الكبرى في المنطقة .

وبمعنى آخر فإن هذه المتغيرات قد تمس الحدود السياسية للدول والتي رسمت طبقا للمصالح الإستعمارية والتي إنتهت بهيمنة قوميات على قوميات أخرى ، والحل الأمثل في هذا الإطار الأخذ بنموذجي أوربا الشرقية حالتي يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وحالة جنوب السودان .

ويجب القول أن حل المسألة القومية يعد واحدة من أهم الأجندات التي تواجه دول الشرق الأوسط حكاما وشعوبا وتنتظر حلولا ديمقراطية عادلة في المنطقة والتي من الضروري الإهتمام بها والوقوف عندها ، لأن حل المسالة القومية خطوة اساسية نحو توفير المستلزمات الأساسية للديمقراطية وتوسيع قاعدة الحريات والتخلص من حالات الإحتقان والعداوات المزمنة التي تخلقها السلطات مابين شعوب المنطقة من أجل إدامة وجودها في السلطة ، وإلا سوف لن يعم الأمن والإستقرار والسلام المنطقة إلا بحل المسالة القومية وعلى راسها المسألة الكردية التي تخص عدة دول في المنطقة كإيران والعراق وسوريا وتركيا .


   أن الكرد من إحدى الشعوب الأساسية في المنطقة ويلعبون دوما دورا رئيسا في جميع أحداث المنطقة ، فقد كان الكرد السباقون إلى الثورة في العقد الأخير من القرن الماضي عبر الانتفاضات الجماهيرية في بداية التسعينات ضد دكتاتورية بغداد ومن ثم إنتفاضة قامشلو 2004 ضد سياسات التعريب والشوفينية المطبقة بحق كردستان سوريا .


    ان الفدرالية في كردستان العراق لهو إنجاز كبير للشعب الكردي في الوقت الحالي وأن مهمة المحافظة عليها يقع على اعتاق جميع  الكرد والديمقراطيين العرب والشرفاء في العالم ، وبالتالي فإن من مهمة الشعب الكردي الإلتفاف في إطار وحدة وطنية لإنجاز مهمة التحرر الوطني ، فالكرد لايملكون دولة ولايزال الإقليم محدق بالأخطار، فيما لو حدث تغيرات مفاجئة في التوازنات الدولية والإقليمية، والمطلوب كرديا في الوقت الحاضر القيام بمهمتين اساسيتين ، المهمة الأولى – حماية الوحدة الوطنية- القومية أي وحدة الحكومة والمعارضة كخطوة نحو إنجاز مهمة مرحلة التحرر الوطني ، والمهمة الأخرى التفكير بوضع مشروع يلبي تأمين حق تقرير المصير للشعب الكردي في الإنفصال وتشكيل الدولة الكردية المستقلة تحسبا لأية حالة طارئة.


    تقول وثيقة الإستقلال الأمريكي المقرة في الثاني من تموز عام 1776 ” أن الحكومات تنشأ للمحافظة على حقوق الناس وهي تستمد سلطتها العادلة من موافقة المحكومين.

فعندما تسئ الدولة إستعمال سلطتها يحق للشعب أن يبدلها أو يلغيها أو يستبدل بها حكومة أخرى تقوم على الأسس التي تبدو له أكثر موافقة لتأمين سلامته وسعادته ” .

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…