أنفال ولكن!!!


مسعود عكو

بدون شك لم يقصد الله عز وجل من كلمة الأنفال التي أنزلها جبريل على سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام, أن تكون دماء رجال, وشباب الكرد, واغتصاب كرامة, وعرض نسائهم, ولا سرقة, ونهب, وحرق ممتلكاتهم الطينة البسيطة, وأراضيهم التي كانت مزروعة بالقمح ليأكلوا منها, ويطعموا دوابهم من شعيرها, وما شابه ذلك.

بكل تأكيد لم يقصد الله جل وعلى كل تلك السبايا, والغنائم التي اغتنموها من حربهم مع غير المؤمنين كون الأنفال كلمة تعني غنيمة حرب المسلمين مع الكفار, ولكن أبى الطاغية, وأعوانه إلا التكالب على تلك الغنائم فنهشوا لحومهم, وانتهكوا أعراضهم, وجمعوا ما امتلكت أيمانهم من جواري, وعبيد, وتقاسمت الوحوش ما نجم عن حرب الإبادة الجماعية, والتطهير العرقي, والجينوسايد المنظم بحق أبناء وبنات الجبال الهرمة, والثلوج التي نسيت لونها الأبيض لتختار دماً أحمر زياً تلبسه على طول الزمان, وأسودً لحداد أزلي إلى يوم يبعثون.
ما الذي ستورثه ذاكرة ذلك الحجل؟ ماذا سيقص على أحفاده؟ هل سيحكي قصة الخوف, واللوعة, دموع الأرامل, والثكالى؟ هل سيسرد قصص الجبال المتعبة من نيران الحقد, والغل, والطغيان؟ هل سيغني لذلك الطفل الذي لم يكمل فطامه من ثدي أمٍ كانت دائماً تتمنى أن يكبر ذلك الصغير ليرعاها في كبرها؟ هل سيتكلم عن رضاب لم يشبع رجال ونساء من لذته؟ بل هل سيتذكر رائحة الخردل, والسيانيد والتفاح العفن؟ الذي طالما كان يختنق تفكيره بها لعقود خلت, وهو ينتظر أن يقبع الطغاة في سجون الحق, والعدالة, والصبر.

 مئات الآلاف؛ ماتوا, قتلوا, شردوا لا بل تأنفلوا, وما ذنبهم؟ سوى أنهم بشر, وليسوا بوحوش ضارية تكالبوا على افتراس النساء, والفتيات, وأخذوهن سبايا, وجواري, وتمتعوا بإذلال, وتحقير كرامة أناس آخرين, أي غل يحملونه بين طيات قلوبهم القذرة العفنة بنيران الموت, والكراهية, والدم.

أية ذئاب لئيمة تكمن في دواخلهم؟ أي عقل, وتفكير أباح لهم أن يفعلوا ما فعلوه؟ القتلى يأبى التراب أن يواريهم بين دفاته, والأحياء يموتون كل لحظة, ويحملون آلاماً تبكي دماً, ودمعاً, وأنيناً, لا لن ينسى.

قصص, روايات, حكايات, وأغاني مدن اغتصبت أرواح أبنائها, وبناتها شيبها, وشيابها كبارها, وصغارها يرويها حجل كئيب حزين قد أعادت الأيام ذاكرته المترهلة المتعبة لينبش قبوره الجماعية, ويستذكر مرة أخرى غازات الخردل, والسيانيد, والتابون, والسارين؛ التي ملئت سماء مدن, وقرى, وقصبات كردستان في لحظة, وعلى غفلة من أهلها فبترت أية صلة للبشر بالحجر, والشجر بالمطر, والجبال بالوديان, والسهول بالحياة.

بدا ذلك أمامه كعرض مسرحي ينافس كل تراجيديات الكون الأخرق, وينال الأوسكار من أول عرض.

أنفال, ولكن!!! أيام خلت..

فلم وحشي بطله يدعي الإنسانية, وبانتمائه للبشرية.

أنفال!!! إبادة جماعية, وحرق للإنسان, والحيوان, وكل ما كان يدب على أرض كردستان، سجون مظلمة مقفرة, قسرية, ومدافن جماعية، ونفي, وتهجير, وقتل, وتنكيل، أنفال!!! صناعة هوليودية على الطريقة الصدامية لقتل جماعي, ولإبادة منظمة للكرد في سبيل قلعه من جذوره, وتهجيره, ونفيه, وأنفلته, هكذا كان تطبيقهم لقول الله عز وجل.

ستبقى ذاكرة المؤنفلين تشع بالحزن, والأسى, وتأن بالألم.

الدموع في أعينهم لم تبرح مطلقا مكانها منذ عقود تنتظر أن تسيل مرة أخرى, ولكن هذه المرة ليس خوفاً من الخردل, ورائحة التفاح العفن, ولا الرهب من أن تقوم الطغمة الفاشية بتهجيرهم, وأنفلتهم, وقتل رجالهم, وسفك دماء شبابهم, وهتك أعراض نسائهم بل هذه المرة ليأخذ كل ذي حق حقه, وتذل تلك النفوس العفنة التي تفوح منها رائحة الموت, والقتل, والجثث المتقطعة إرباً إرباً, وملوك المقابر الجماعية, والسجون الظالمة, والأيام الأليمة, والكئيبة ليقفوا أمام أم ثكلى فقدت ابنها, وزوجة أرملة, وأبن يتيم, أمام أشجار محترقة, وينابيع جافة, وجبال مقفرة فأية وقفة هذه التي يقفونها؟

أيتها الأم الثكلى, أيتها الزوجة الأرملة, أيها الطفل المحترق بنيران التفاح الكيماوي, أيها الشيخ الضرير, لا تيأسوا, ولا تحزنوا فإن الله قد رد لكم كل ما كنتم تؤمنون به, وهاهم رموز الموت, والقتل, والتدمير, عظماء جمهورية المقابر الجماعية, وبحور الدماء, وجبال الجماجم, وأبطال الأنفال يقفون أذلاء أمامكم يتمنون كل لحظة, وفي كل برهة أن يأتي ذلك الخردل, والسيانيد, والتفاح العفن يزهق أرواحهم عن أجسادهم, ويطلبون الموت, ولا يحصلون عليه.

فأي إذلال أكبر من الذي هم فيه الأن؟ أية بطولة هم يتفاخرون بها؟ إنهم بالفعل رموز مهزومة, وأبطال جمهورية الخوف, والجماجم, والدم يلعقون الموت, ويتمنونه, ولا ينالونه.

نعم أنها أنفال كردية, عراقية, أنفال بطريقة أخرى, ومن نوع أخر… إنها أنفال, ولكن!!!؟؟؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…