معاً على طريق الشفافية

روني علي

تنويه :

 انطلاقاً من إيماني بأن الحالة الكردية، وخاصةً الممارسة الحزبية، لا يمكن لها أن ترتقي إلا إذا اعتمدنا مبدأ المكاشفة سبيلاً نحو بناء المستقبل، وانطلاقاً من مسؤولية الإنسان أمام التاريخ والأجيال، وأن الكلمة لا بد لها أن تأخذ مكانتها وتحفر في مسارات الوعي، فإنني أدعو الكل الحزبي إلى التعامل مع ما أطرحه من منظور نقدي لا أكثر، كون الهدف الذي أود خدمته هو النقد نفسه كسلاح للبناء والارتقاء وليس التجريح أو الإساءة لتاريخنا النضالي، كوني أولاً أو خيراً أعتبر نفسي جزء منه وعلى علاته ..
على مدار تجربة الحركة الكردية في سوريا، لم نشهد يوماً بأن الخطوة قد تكللت بالنجاح، أو أن الطرح قد أخذ طريقه إلى الممارسة، وإن كنا ندرك الأسباب والمعوقات، منها ما هي ذاتية – وهي الغالبة – وتتعلق بالذهنية والثقافة والعقلية التي تتعاطى من خلالها العمل السياسي، ومنها ما هي موضوعية، وتتعلق بظروف القمع وثقافة الاقصاء، وكذلك المناخات الدولية وتوازنات القوى، والتي لم تكن مشجعة، في مراحلها المتعددة والمتنوعة، لأن تعبر الحالة الكردية عن ذاتها، بأدواتها وآلياتها…
ولا نأتي بجديد، لو رصدنا واقع الحركة الكردية منذ الانطلاقة وحتى اللحظة، من حيث عوامل الفرقة والانشطار، ومن حيث التشطير داخل الانشطار، والتي تعود بمردها إلى العاملين الآنفي الذكر، وإن كانت هناك بين الفينة والأخرى بعض المحاولات الترقيعية، من الدخول في أطر تجميعية أو الانقلاب عليها، أو طرح المشاريع الوحدية، أو التنصل منها، وأيضاً التغني بمشروع الإطار السياسي الشامل، حتى باتت المشاريع المطروحة أكثر عدداً وتلوناً من الأحزاب الفعلية الموجودة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الحزب بناءً على مقوماته …
والثابت في كل ما يحصل داخل الحركة الكردية ( الحزبية ) هي الشخوص أو الرموز، التي جعلت من نفسها واجهةً لأحزابها إما بحكم سياسة الأمر الواقع، أو بحكم عقلية التآمر، حتى تحولت الأحزاب، وخاصةً مراكز القرار فيها، إلى إطار يجمع في هيكليته نخب في الفراغ، وحلقات تلتف حول الزعيم أو المنشق أو المتآمر أو أقطاب التوازنات، بعكس ما يجب أن يكون عليه أو ما يتطلبه الواقع، بأن (الحزب السياسي) ينبغي له أن يجسد حقيقةً، النخبة السياسية، من حيث الوعي ومن حيث الممارسة، وإن كنا ندرك مسألة التباينات في الرأي، وواقع تلك القاعدة التي بدأت تتلمس ذاتها في دائرتها المغلقة، لتخرج من سلبيتها وتخترق نطاق التبعية، وهي متمردة على الكثير من القوالب الجامدة والمقدسات المصطنعة، لأنها بدأت تتحسس أنها في حالات كثيرة تستخدم كوقود لصراعات وحروب هامشية لا مصلحة لها فيها، وكذلك تلك الأصوات التي ينتزعها الرمز في المحطات الحزبية، وذلك إما بحكم خوف البسطاء – الذين يمتلكون الأصوات – على مصير الحزب، أو بحكم التوافقات والتوازنات، وإن كانت المسألة برمتها تجري في سياقات الديمقراطية التي نفهمها ونعرف كيف نمارسها ..
ولو تجردنا قليلاً من عاطفة الولاء للأصنام والمعتقدات الحزبية الضيقة، وتجرأنا بعض الشيء على قول ما نعتقده حقيقة، لقلنا بأن هذه الحركة قد أفرزت خلال مسيرتها وفي صيرورتها، نموذجين من التعاطي مع الوقائع في دائرة أقطاب التوازنات ومراكز القوة، ونمطين من العقلية، وشكلين من الخطاب ..

فهناك نموذج مهادن، أو هكذا يسمى، يطرح ذاته عبر أدوات وآليات محدودة الحركة ومضبوطة الفعل، وإن كان يتستر خلف شعارات الموضوعية، أو أن السياسة هي فن الممكن، وهناك نموذج انقلابي، يثير الضجيج وينثر الفقاعات ويهيج المشاعر، وإن كان ينتج بعض الإيجابيات لصالح القضية الكردية ..

وقد تجسد هذين النموذجين في أواسط الستينات من القرن المنصرم، وأفرز كل منهم عن ملامح شخصيته، وإن كان بشكل ضبابي أو مغلف بشيء من الهالة والقدسية بين التابعين، إلا أن القاسم المشترك بين النموذجين هو قصور الوعي السياسي وعدم القدرة على قراءة الواقع، بحكم أنها واقعة تحت تأثير وسيطرة مشاريعها الخاصة بها – وأعني هنا الرموز – وكذلك قدرتها على إدارة الأزمات داخل الحركة الحزبية .
وحتى لا نميل إلى التجني، أو يفهم من قراءتنا على أنها تصب في دائرة التشاؤم أو العدمية، فإننا لا ننكر على أي من النموذجين ما قدمه من أجل القضية الكردية، لأن كل نموذج يحوي بداخله طاقات تهدف إلى خدمة القضية، وليس خدمة المركز أو الامتيازات أو الأهواء والهواجس الشخصية ..

فعملية التناحر والتمايز بين النموذجين، خدم قضية الشعب الكردي من حيث الارتقاء، ونقلتها من دائرة المفهوم الأقلاوي للعنصر الكردي إلى حاضنة مقومات حق تقرير مصير لشعب يعيش على أرضه التاريخية، ومن ثم تثبيت بعض المفاهيم السياسية في الحالة الكردية ..
ما يهمنا بعد سرد هذه الوقائع وبالشكل المبسط، أن الحركة الحزبية تفتقد إلى أحدى المقومات الأساسية في حياة الحزب الداخلية، والتي تتجسد أولاً وأخيراً بالديمقراطية وفي الديمقراطية تجسيداً وممارسةً، وأن تطور هذه الحركة مرهون بهذا العامل، لأنه مهما ارتقت في طرح المشاريع، ومهما قدمت من آليات، فإن البنية الأساسية قائمة على شعور الحزبي بما يواجهه من مخاطر ..

فعدم التوافق مع الزعيم في أبسط المسائل قد تفضي إلى نتائج يدفع الحزب ضريبتها، وعدم امتلاك الزعيم لكل الحزب، يفقد الحزب شرعيته وفق الآليات المعتادة والنمط السائد، وبالتالي – وحسب ما هو سائد – فالكل مجبر على الرضوخ لمشيئة أقطاب التوازنات حتى داخل الحزب الواحد، وإلا فإن المصير محفوف بالمخاطر، خاصةً إذا أدركنا بأن هذه الرموز لا هم لها سوى الامتلاك والتملك والاستملاك ..

وتجربة الحركة الحزبية غنية في هذا المجال، فكل خلاف بين أقطاب التوازنات تكون النتيجة الحتمية له انطلاقة حزب جديد ..

ولو تساءلنا كم عدد القيادات في الحركة الكردية التي إما أن تخلت عن مواقعها أو تنحت أو سقطت، وكم عدد الأقطاب في المعادلة نفسها، لكان جوابنا بأن الصنف الأول لا يعد ولا يحصر، أما الصنف الثاني، فبعدد الأحزاب الموجودة على الساحة، وإن كانت هناك تجربة أو تجربتين لهما وضعهما ومسبباتهما وظروفهما ..

وما يرسخ لدي هذه القناعة، هي تهافت الكل باتجاه البحث عن مرجعية كردية أو عن إطار سياسي شامل، لأن من شأن ذلك عدم المساس بالمشيخات الحزبية، وبالتالي الحفاظ على المواقع والمراكز والامتيازات ..

أما لو كان الطرح يهدف إلى تأطير الأطر المتقاربة سياسياً و(فكرياً) والدخول في وحدات تنظيمية، فإن هناك من العوامل التي تفرق وتعرقل ما لا نهاية لها ..

هذا من جهة .
ومن جهة أخرى، ولو استندنا إلى عامل الجرأة ذاته، لقلنا بأن اشتغال الرمز في الموقع القيادي ذاته، وامتلاكه للحزب على مر عقود من الزمن، وفي ظل هكذا مؤسسات أمنية وهكذا ثقافة سلطوية، لا يمكن له أن ينجو بنفسه من دائرة الاحتواء أو الاحتضان – وهنا ليس الهدف هو التجني أو توجيه التهم أو التشكيك، بقدر أن الاستمرار في الحلقة نفسها، فيه فساد وإفساد للشخص وللحلقة – وبالتالي فإن المطلوب هو إعادة الصياغة للبنية الحزبية وشكل الإدارة فيها قبل التفكير بأي مشروع أو خطة، وذلك حتى لا تتحول الرغبة إلى مجرد فقاعات في الهواء، أو إعادة إنتاج لانشطار المشاعر وتشتت الطاقات ..

مع كل الإدراك بأن الوصول إلى هكذا محطة يحتاج إلى بناء الإنسان وفق ثقافة تحد من الاقصاء وتحترم الآخر، وهذا بحد ذاته لا يمكن الحصول عليه بقرار سياسي ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…