ما المنتظر من المؤتمر المرتقب لحزب البعث الحاكم ؟؟

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم رئيس التحرير

من المعلوم أن حزب “البعث العربي الاشتراكي” الحاكم بصدد الإجراءات اللازمة لعقد مؤتمره القطري الحادي عشر خلال الأشهر القليلة القادمة ، الذي كان ينبغي له أن ينعقد في شهر حزيران الماضي ، لمرور خمسة أعوام ونيف على المؤتمر العاشر للحزب ، ذلك بموجب نظامه الداخلي ، وما تأخيره – بحسب مزاعم قادته – إلا لاستكمال الجوانب التي تؤهله ليكون ناجحا بكل المعايير السياسية والتنظيمية على أن يراعي التحولات السياسية السريعة في المحيط الإقليمي وربما أبعد منه ، بالإضافة إلى عناوين كبيرة أخرى ، ذلك ما أوردته وسائل الإعلام الرسمية المقروءة والمرئية والمسموعة ..
 الواقع أن ما يحصل اليوم بخصوص هذا المؤتمر يذكرنا بما افتعلته وسائل الإعلام تلك منذ أكثر من خمسة أعوام من ضجة إعلامية حول المؤتمر القطري العاشر الذي انعقد في حزيران عام 2005 ، والذي خرج بالفعل بقرارات وتوصيات كانت بعضها هامة ومفيدة لو تم تطبيقها على أرض الواقع وبمعايير المرحلة ومتطلباتها ، لكنها بقيت طي الإهمال ، وعلتها أتربة النسيان في أدراج المكاتب دون أن ترى نور الواقع العملي ولو من قبيل الاستئناس !، وكان من أبرزها : إعادة النظر في قانون الطوارئ والأحكام العرفية وذلك بالحد من تطبيقه، وتعزيز دور وسلطة القضاء ، إعادة النظر في دستور البلاد لمواءمتها مع المرحلة وكذلك دستور الحزب ( البعث ) ، إصدار قانون للأحزاب السياسية وعلى أن تكون أحزاب الجبهة جزءا منها ، تعديل قانون انتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية ، وتعديل قانون المطبوعات والنشر ، إلغاء قانون الإحصاء الاستثنائي الذي أجري بشكل خاص في محافظة الحسكة عام 1962 وإعادة الجنسية إلى الذين جردوا منها ، ضمان إصلاح اقتصادي شامل وتهيئة أسباب وعوامل التنمية للموارد الاقتصادية والطاقات البشرية بالاستناد على مبدأ الكفاءة في تطوير الإدارة وتقدمها ، بإرساء قاعدة جديدة بين المواطن ومؤسسات الدولة قائمة على المساءلة والشفافية وحسن الأداء ، ومكافحة الفساد و الهدر والحد من البطالة ، والاهتمام بالموظف الحكومي وتحسين مستواه المادي وتطوير وضعه المهني عن طريق نظم للحوافز وبناء القدرات والتدريب المستمر ، وضع برنامج وطني شامل لإعادة تأهيل العمل الحكومي وتعزيز نهج اللامركزية ، وإعادة هيكلة العمل بالوزارات والمؤسسات العامة ، بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة في الأداء ، والاختزال من العمل الروتيني وتخفيض تكلفة المعاملات ، الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين وتوفير الدعم اللازم للأوساط والأسر الفقيرة إلى جانب الاهتمام بعموم هموم المواطنين ومصالحهم ..الخ .

من هنا ، أي من حالة تجاهله لمقررات وتوصيات مؤتمراته ، ومن خلال قراءة دقيقة ومتأنية لهذا الحزب وتاريخه منذ اعتلائه لسدة الدولة في آذار 1963وعبر تعاقب حكوماته على السلطة في البلاد وحتى الآن ، أنه يسعى دائما وبكل ما أوتي من القوة والإمكانيات بغية ترسيخ دوره بما يمكّنه المزيد من احتكار السلطة والثروة وفرض قبضة أجهزته الأمنية على عموم مقدرات البلاد ، وذلك عبر اندماجه حتى في مؤسسات الدولة العسكرية منها والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية ..الخ ، ليغدو هذا الحزب ليس حاكما فحسب بل هو الدولة ذاتها أيضا ، خلاف الأنظمة والقوانين الدولية التي تفرض استقلالية هذه المؤسسات عن الجهات الحاكمة ولاسيما العسكرية والإنتاجية وحتى الإدارات التي تقتضي الكفاءات والمؤهلات وليس الانتماءات السياسية والحزبية والمحسوبية التي تعرقل تقدمها وتطورها ..لذلك ، وبالاستناد إلى ما ذكر أعلاه يمكن استنتاج أن كل ما سيصدر عن المؤتمر القطري الحادي عشر المرتقب لا يكون بأفضل عما سبقه ولا يمكن أن يلامس توجهه التغيير الجوهري في القضايا الأساسية ، السياسية منها والاقتصادية والمعيشية والأمنية وغيرها ، لأن ما هو حاصل والذي يقتضي التغيير ذلك هو الأساس في بناء وقيام هذا النظام ودوامه ، أي كل ما يطلبه المواطن من تغيير إنما هو جزء من بنيته الأساسية ، إذ أن أي تغيير إنما يعني مساس لذات النظام وخدمة للاتجاه الآخر ، بمعنى أنه (النظام) لا ينفك أن يطلق الوعود لانتعاش الآمال والتعلق بتوجهاته حتى ولو كان على حساب مصداقيته الجماهيرية والأخلاقية ، ذلك ابتغاء التهيئة والتحضير لتوفير المزيد من أسباب وعوامل ترسيخ الاستبداد واتخاذ المزيد من إجراءات التجويع والبطش والقمع والتنكيل بحق أبناء المجتمع السوري عموما وأبناء الشعب الكردي خصوصا ، وتاريخ هذا النظام مليء بالأمثلة التي تؤكد صحة ما نذهب إليه في هذا الصدد وخاصة في الآونة الأخيرة ..

واليوم ، ومع صعود وتيرة الأزمات الإقليمية المختلفة ، وتعثر عملية السلام بين العرب وإسرائيل بقوة ، وتزايد حدة الصراعات في لبنان كحصيلة للتشابكات والتدخلات المختلفة ومقدمة لما سوف يصدر من القرارات عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ، ومع النهوض الجماهيري العارم في العديد من دول المنطقة بدءاً من تونس والجزائر والسودان وصولا إلى مصر ، بالإضافة إلى مقتضيات المرحلة وما تتطلبها البلاد من ضرورة تأمين عوامل تطورها وتوفير مستلزمات الأمن والأمان لأبناء المجتمع السوري دون تمييز أو امتياز لأحد ، وضمان عوامل العيش اللائق بالمواطن السوري والمناسب لإنسان العصر ، كل هذه المسائل وغيرها تشكل أولى الأسباب الموضوعية لوضع النظام وحزبه الحاكم عبر مؤتمره المرتقب أمام مسئولياته التاريخية بغية الخروج بقرارات وتوصيات عملية والإسراع في تطبيقها ..

إلا أن الواقع الفعلي ومجريات الأمور تشير إلى عكس ذلك وخصوصا مع مطلع العام الجديد 2011 حيث تزايد انتهاكات حقوق الإنسان ، والمزيد من الاعتقالات العشوائية لنشطاء الحركة السياسية والحقوقية والمدنية ، وتشديد الخناق على القوى السياسية وخصوصا الكردية منها ..

ولئن كان التوجه جديا فيما تذهب إليه قيادات هذا الحزب من تغيير فعلي ، كان ينبغي على النظام بدل كل ذلك العمل على توفير المقدمات الإيجابية الضرورية للانتقال إلى حالة من التحول الذي ينسجم مع طموح وتطلعات الجماهير العريضة وقواها السياسية التي تنشد المساواة عبر تعديل دستور البلاد و إلغاء المواد المتعلقة منها بقيادة هذا الحزب للدولة والمجتمع ولاسيما (المادة 8 ) وكل المواد الأخرى من هذا القبيل والإقرار بالتعددية القومية في البلاد ، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية ، وإطلاق الحريات الديمقراطية ، والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين وطي ملف الاعتقال السياسي ، والبدء بمرحلة حوار وطني حول مجمل القضايا الوطنية التي تقتضي المعالجة العملية ، وإلغاء السياسة الشوفينية بحق الشعب الكردي وحل قضيته القومية في إطار وحدة البلاد ، وإصدار القوانين العصرية المناسبة للأحزاب والانتخابات والمطبوعات وغيرها ، والشروع بوضع لبنات حياة سياسية جديدة وفق القواعد الديمقراطية التي تكفل التداول السلمي للسلطة عبر بناء الدولة المدنية الحديثة دولة الحق والقانون ، دولة تكفل الحريات والحياة الكريمة للمواطنين ..

إن الاستبداد الجاثم على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية لعقود خلت أثبت عجزه مرارا وتكرارا عن القيام بمهام التغيير التي هي بالأساس مسئولية القوى الوطنية والديمقراطية ( أحزابا سياسية ومنظمات حقوقية ومؤسسات مدنية ) بجماهيرها العريضة لأنها هي أداة التغيير الحقيقي وهي الرافع والحامل لهذه المهام عبر الحوار الجاد بين مختلف التيارات والانتماءات السياسية والقومية والدينية وتحقيق التفاعل الجماهيري على أوسع مدى خصوصا في هذه المرحلة بكل ما تحمل في أحشائها من عوامل التغيير والتحول إلى المواقع الديمقراطية والتي تقتضي اعتماد منطق العقل والحوار بدل منطق القوة والعنف الذي ولى عهده ، والاستفادة من الوضع الدولي في هذا الاتجاه ومما يدور في المحيط الإقليمي من نهوض الجياع والمظلومين من أجل غدٍ أفضل لأوطانهم ومستقبل يحمي كرامة أبنائهم ويوفر لهم عوامل التقدم والأمان ..

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (429) كانون الثاني 2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…