بقلم رئيس التحرير
من هنا ، أي من حالة تجاهله لمقررات وتوصيات مؤتمراته ، ومن خلال قراءة دقيقة ومتأنية لهذا الحزب وتاريخه منذ اعتلائه لسدة الدولة في آذار 1963وعبر تعاقب حكوماته على السلطة في البلاد وحتى الآن ، أنه يسعى دائما وبكل ما أوتي من القوة والإمكانيات بغية ترسيخ دوره بما يمكّنه المزيد من احتكار السلطة والثروة وفرض قبضة أجهزته الأمنية على عموم مقدرات البلاد ، وذلك عبر اندماجه حتى في مؤسسات الدولة العسكرية منها والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية ..الخ ، ليغدو هذا الحزب ليس حاكما فحسب بل هو الدولة ذاتها أيضا ، خلاف الأنظمة والقوانين الدولية التي تفرض استقلالية هذه المؤسسات عن الجهات الحاكمة ولاسيما العسكرية والإنتاجية وحتى الإدارات التي تقتضي الكفاءات والمؤهلات وليس الانتماءات السياسية والحزبية والمحسوبية التي تعرقل تقدمها وتطورها ..لذلك ، وبالاستناد إلى ما ذكر أعلاه يمكن استنتاج أن كل ما سيصدر عن المؤتمر القطري الحادي عشر المرتقب لا يكون بأفضل عما سبقه ولا يمكن أن يلامس توجهه التغيير الجوهري في القضايا الأساسية ، السياسية منها والاقتصادية والمعيشية والأمنية وغيرها ، لأن ما هو حاصل والذي يقتضي التغيير ذلك هو الأساس في بناء وقيام هذا النظام ودوامه ، أي كل ما يطلبه المواطن من تغيير إنما هو جزء من بنيته الأساسية ، إذ أن أي تغيير إنما يعني مساس لذات النظام وخدمة للاتجاه الآخر ، بمعنى أنه (النظام) لا ينفك أن يطلق الوعود لانتعاش الآمال والتعلق بتوجهاته حتى ولو كان على حساب مصداقيته الجماهيرية والأخلاقية ، ذلك ابتغاء التهيئة والتحضير لتوفير المزيد من أسباب وعوامل ترسيخ الاستبداد واتخاذ المزيد من إجراءات التجويع والبطش والقمع والتنكيل بحق أبناء المجتمع السوري عموما وأبناء الشعب الكردي خصوصا ، وتاريخ هذا النظام مليء بالأمثلة التي تؤكد صحة ما نذهب إليه في هذا الصدد وخاصة في الآونة الأخيرة ..
واليوم ، ومع صعود وتيرة الأزمات الإقليمية المختلفة ، وتعثر عملية السلام بين العرب وإسرائيل بقوة ، وتزايد حدة الصراعات في لبنان كحصيلة للتشابكات والتدخلات المختلفة ومقدمة لما سوف يصدر من القرارات عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ، ومع النهوض الجماهيري العارم في العديد من دول المنطقة بدءاً من تونس والجزائر والسودان وصولا إلى مصر ، بالإضافة إلى مقتضيات المرحلة وما تتطلبها البلاد من ضرورة تأمين عوامل تطورها وتوفير مستلزمات الأمن والأمان لأبناء المجتمع السوري دون تمييز أو امتياز لأحد ، وضمان عوامل العيش اللائق بالمواطن السوري والمناسب لإنسان العصر ، كل هذه المسائل وغيرها تشكل أولى الأسباب الموضوعية لوضع النظام وحزبه الحاكم عبر مؤتمره المرتقب أمام مسئولياته التاريخية بغية الخروج بقرارات وتوصيات عملية والإسراع في تطبيقها ..
إلا أن الواقع الفعلي ومجريات الأمور تشير إلى عكس ذلك وخصوصا مع مطلع العام الجديد 2011 حيث تزايد انتهاكات حقوق الإنسان ، والمزيد من الاعتقالات العشوائية لنشطاء الحركة السياسية والحقوقية والمدنية ، وتشديد الخناق على القوى السياسية وخصوصا الكردية منها ..
ولئن كان التوجه جديا فيما تذهب إليه قيادات هذا الحزب من تغيير فعلي ، كان ينبغي على النظام بدل كل ذلك العمل على توفير المقدمات الإيجابية الضرورية للانتقال إلى حالة من التحول الذي ينسجم مع طموح وتطلعات الجماهير العريضة وقواها السياسية التي تنشد المساواة عبر تعديل دستور البلاد و إلغاء المواد المتعلقة منها بقيادة هذا الحزب للدولة والمجتمع ولاسيما (المادة 8 ) وكل المواد الأخرى من هذا القبيل والإقرار بالتعددية القومية في البلاد ، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية ، وإطلاق الحريات الديمقراطية ، والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين وطي ملف الاعتقال السياسي ، والبدء بمرحلة حوار وطني حول مجمل القضايا الوطنية التي تقتضي المعالجة العملية ، وإلغاء السياسة الشوفينية بحق الشعب الكردي وحل قضيته القومية في إطار وحدة البلاد ، وإصدار القوانين العصرية المناسبة للأحزاب والانتخابات والمطبوعات وغيرها ، والشروع بوضع لبنات حياة سياسية جديدة وفق القواعد الديمقراطية التي تكفل التداول السلمي للسلطة عبر بناء الدولة المدنية الحديثة دولة الحق والقانون ، دولة تكفل الحريات والحياة الكريمة للمواطنين ..
إن الاستبداد الجاثم على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية لعقود خلت أثبت عجزه مرارا وتكرارا عن القيام بمهام التغيير التي هي بالأساس مسئولية القوى الوطنية والديمقراطية ( أحزابا سياسية ومنظمات حقوقية ومؤسسات مدنية ) بجماهيرها العريضة لأنها هي أداة التغيير الحقيقي وهي الرافع والحامل لهذه المهام عبر الحوار الجاد بين مختلف التيارات والانتماءات السياسية والقومية والدينية وتحقيق التفاعل الجماهيري على أوسع مدى خصوصا في هذه المرحلة بكل ما تحمل في أحشائها من عوامل التغيير والتحول إلى المواقع الديمقراطية والتي تقتضي اعتماد منطق العقل والحوار بدل منطق القوة والعنف الذي ولى عهده ، والاستفادة من الوضع الدولي في هذا الاتجاه ومما يدور في المحيط الإقليمي من نهوض الجياع والمظلومين من أجل غدٍ أفضل لأوطانهم ومستقبل يحمي كرامة أبنائهم ويوفر لهم عوامل التقدم والأمان ..