(المدجنون )

علي الجزيري
ciziri@gmail.com 

 

آفة الاستبداد ، التي أُُبتليت بها العديد من الشعوب والأمم ، أصل الفساد ومبعث كل أشكال الإنتهازية ؛ ففي ظلها ، يمارس كل فردٍ هيمنته على طريقته الخاصة ، بدءاً من الشرطي ومروراً بكنَّاس الشوارع وإنتهاءاً بصاحب القلم .

إلا أن الاستبداد السياسي ، أكثر وطأة وفتكاً بالعوام ـ على حد قول الكواكبي ـ لأنهم : [ قوت المستبدِ وقوته ، بهم عليهم يصول ، وبهم على غيرهم يطول ] .

فأسير الإستبداد السياسي ، مسلوب الإرادة ، يعيش حياة ذلٍ ورياء ومداهنة ، إتقاءً لكل شرٍ أو إرضاءً لولي النعمة .
في هذا السياق يمكن إدراج مقالة ( الثنائيات الوهمية ) ، للمدعو ( هشام الباكير ) ، والتي أتحفتنا بها صحيفة ( قاسيون ) التي يصدرها الشيوعيون السوريون ( منظمات القاعدة ) ، في عددها (280) يوم الخميس 31 /آب /2006 م ، تلك التي تزكم برائحتها النتنة الأنوف ، وذلك حينما زعم صاحبها  بأن:  [ القيادات الكردية في العراق ، قد رأت في الإحتلال الأجنبي فرصتها التاريخية للإنفصال بدويلة كردية ] !… وهو يعلم علم اليقين بأن الولايات المتحدة كانت وما زالت ضد إقامة أي كيان كردي ، لأسباب عدة لسنا بصددها ، من بينها العلاقة الإستراتيجية بينها وبين تركيا .

لكن ، أليس من حق الكرد الذين ينوف عددهم / 40 م.ن / أن يكون لهم كيان مستقل ؟ .
إن إستسهال سوق الإتهامات للقيادات الكردية في العراق ومن ثم الشيعية ، عادة إعتاد عليها نفر من أدعياء الماركسية في سوريا ، ممن يروجون لثقافة وظيفية ذات أبعاد تعبوية بكل تأكيد ؛ تقوم على تغليب الايديولوجي على الواقع المشخصن ، ويتم وفقها قراءة الواقع في ظل المفاهيم السائدة التي تنتجها المؤسسات المهيمنة أو في ظل الموروث الستاليني ؛ ومن المؤسف قوله أن هذه الثقافة التي تسعى جاهدة التأسيس لتصورات ذهنية عن سمو الذات وثوريتها ، ليست كذلك إلا في ظاهرها ، فتبدو فيها الأنا الملغية للآخر متورمة الى حدٍ كبير ، مما يستدعينا الى القول بأن مقاربتها للواقع بمثابة محاكاة ساخرة ليس إلا ، لأنها لا تكشف إلا زيف إدعاءاتها في المآل الأخير .
ويتجلى لكل ذي بصيرة زيف أحكام الكاتب وذلك من خلال :
1 ـ تجاهله لتاريخ هؤلاء القادة حين ضرب به عرض الحائط  .

ولا يخفى للقاصي والداني ، أنهم أمضوا جلَّ عمرهم في مقارعة أعتى الدكتاتوريات ، ونالوا بذلك إحترام شعبهم ومحبته بكل جدارة .

فلا بأس من القول بأن شوك القنفذ لا يضر ببرثن الأسد .
2 ـ كان من عادة ( لينين ) ، فحص الاسنان اللبنية لأنصاره ، وذلك من خلال موقفهم من أبناء الشعوب والأمم المستعبدة ، أما الطيب الذكر( ماركس ) فكان معياره للحكم على مصداقية أممية الإنكليزي هو موقفه من المسألة الإيرلندية .

ما من شك أنه لو قدِّر للأخير أن يعيش حتى اليوم وسمع ما نسمعه اليوم ممن يدّعون الأممية ، لنتف شعر لحيته الكثة نتفاً بلا مواربة .
3 ـ أما البضاعة التي يسوقها أمثال هذا الكاتب اليوم ، فلا جديد فيها البتة ، لأنها عين البضاعة التي كان يروجها النظام الشمولي في العراق عبر وسائل إعلامه ليل نهار .

ولا يمكن لتلك الماكياجات المستخدمة ـ أعني إشادته بأمثال صلاح الدين الأيوبي وإبراهيم هنانو ـ أن تخفي قبح نيته المبيتة في تشويه الحقائق والنيل من سمعة القيادة الكردية بأي ثمن .
4 ـ الأمميون الحقيقيون يقرون بمبدأ ( حق الامم في تقرير مصيرها ) ، أما المزيفون فيكتسبون مواقفهم من أئمتهم الممسوخين أو يتلقونها من أنظمتهم الشمولية ، ويُقدمون على تسويق هكذا أنساق نمطية عن الكرد بين الفينة والأخرى ، ثم يدعون بانها من إنتاجهم .

فحكايتهم تشبه حكاية ذاك الصياد المعروفة والتي رواها ( رسول حمزاتوف ) في ( داغستان بلدي ) ؛ فحين لم يظفر بصيد ، عرج على السوق وإشترى غزالة ، ثم إدعى بانه اصطادها من البراري ، لكن حيلته لم تنطلِ إلا على السذج ، لأنها ـ أي الغزالة ـ كانت بمنأى عن أي جرح أو أثر لرميةٍ ببسيط العبارة .
13 / 9 / 2006 م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…